الشهيد الشيخ موفق سيرجية
أخي، وأنت في عليين، تتلقاك الملائكة، وتحف بك الحور العين.
أخي، وأنت في مقعد صدق عند مليك مقتدر في مجمع مع الصديقين والشهداء.. والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
أخي، وآلاف الشباب من إخوانك يتمنون الشهادة التي حرصت عليها، والمقام الكريم، الذي أنزلك الله فيه.. نهنئك بالنعيم المقيم الذي سعيت إليه.
أخي الشهيد الحبيب:
عرفتك، وأنت صغير لم تبلغ الحلم بعد، فكنت مثال المؤمن التقي الطاهر..
وعرفتك، وأنت في سن البلوغ، فكنت قدوة الفتيان في الإخلاص والتقوى، في التحرك والنشاط، في الجرأة والإقدام، في التبليغ والدعوة إلى الله..
وما زلت أذكر لك – وأنت في هذا السن- مواقفك الدعوية، وحلقاتك القرآنية، ودروسك العلمية.. في (جامع الروضة) و(جامع السبيل) وحولك الأزهار من الفتيان، تلقنهم مبادئ الإسلام، وتربيهم على طاعة الله، وتعلمهم أصول الدعوة إلى الله، وتنفخ فيهم روح التضحية والجهاد...
وعرفتك، وأنت في سن الشباب، لا تعرف غاية إلا الله – تعالى- ولا قدوة إلا الرسول – صلى الله عليه وسلم-، ولا منهجاً غير الإسلام، ولا مسلكاً إلا الجهاد، ولا أمنية غير الشهادة في سبيل الله..
وما زلت أذكر لك موقفك العظيم بعد أن نلت الشهادة الثانوية (الفرع العلمي) وكنت تظن أنها تؤهلك لدخول (كلية الشريعة)، فلما علمت أنها لا تؤهل إلا للدخول في فرع كالهندسة قلت: " ليست أمنيتي في الحياة أن أكون مهندساً، وإنما أمنيتي أن أدخل (كلية الشريعة). حتى إذا تخرجت فيها كنت العالم الذي يعمل بعلمه، والداعية الذي يبلغ دعوة ربه، والجندي الذي ينافح عن الله.." وقرنت القول بالعمل فأعدت (الثانوية)، ودخلت رحاب العلم الشريف، ميراث الأنبياء، وبلغت دعوة ربك، ولما سمعت منادي الجهاد:
***
لبيت النداء، ورددت ما ردده الشهيد مروان حديد من قبل:
والتحقت بإخوة الجهاد ورفقاء السلاح مسرعاً، وظللت تجاهد، وتكافح إلى أن فزت بإحدى الحسنيين شهيداً لا يكل ولا يستسلم حتى آخر طلقة، فرحلت عنا، ولكن بصحبة سبعة من الشهداء من خيرة أبناء هذه الأمة المصابرة: خطيب وعلوان وزنجير وبيلوني وحزاني وآلا وكسحة.
لقد أكرمك الله – يا أخي - بالشهادة، وأنت في السنة الثانية من (كلية الشريعة) ولم تتجاوز العام الثالث والعشرين من عمرك الحافل بالمكرمات، لكنها الحظوة – يا أخي موفق- فطوبى لك مسعاك، وأسكنك الله وإخوانك فسيح الجنان، وأمطر عليكم شآبيب الرحمة والرضوان..
أخي الشهيد موفق:
إني لموقن بأن دمك الزكي لن يضيع هدراً، وأن استشهادك لن يذهب سدى.. ومثلما حرك استشهاد الأخ مروان المشاعر المؤمنة لحمل السلاح، والوقوف في وجه الطغاة البغاة، فإن استشهادك – كذلك- سيحرك مشاعر الآلاف من الشباب نحو الفداء.. والتضحية والجهاد، ولاسيما الذين كانوا يستمعون إليك في (مسجد عباد الرحمن) وأنت تصدع بالحق، وتندد بالظلم، وتقاوم الباطل، وتسفه أحلام الطغاة، وتفضح أنظمة الكفر والإلحاد، وتدعو إلى الجهاد وحمل السلاح..
إني موقن بأن دمك لن يذهب هدراً، وأن استشهادك لن يكون سدى.. لأنك أعطيت أهل العلم من إخوانك، وجيل الشباب من سنك، وتعاقب الأجيال من بعدك.... أعطيتهم القدوة في الجهاد، والأسوة في الاستشهاد، والمثال في الثبات على الحق.. ولا شك أنهم سينهجون نهجك، ويحذون حذوك، ويترسمون خطاك..
أخي الشهيد الحبيب:
إذا ذكرنا مآثرك يوم استشهادك، فلنتذكرك خطيباً ألمعياً تهز المنابر، وتحرك أوتار القلوب. والمستمعون إليك بين متأثر خاشع، ومنصت معتبر، وعيونهم تذرف الدموع، وصدورهم تزفر بالآهات..
ولنذكرك مثقفاً ناضجاً، تحيط بعلوم الشرع، وتلم بثقافة العصر..
ولنذكرك محاضراً موفقاً، تفوق كثيراً من المحاضرين: علماً ووعياً وثقافة..
ولنذكرك متحدثاً بارعاً، تملك زمام النفوس، وتأسر شغاف القلوب..
ولنذكرك متواضعاً، متياسراً، تخفض جناحك لمن تلقاه، وتبتسم لمن تجتمع به..
ولنذكرك جواداً، تكرم من زارك، وتبذل في سبيل الله ما عندك..
ولنذكرك حليماً سمحاً، تملك زمام غضبك، وتعفو عمن ظلمك..
ولنذكرك متعبداً، خشاعاً، تجد في الصلاة قرة عينك، وفي العبادة لذة روحك..
حقاً لقد حزت المجد من أطرافه، وملكت الفضائل من جهاتها جميعاً
أخي الشهيد الحبيب:
ثق أن إخوانك على العهد، وسيقدمون على دروب الشهادة الكتائب تلو الكتائب والقوافل تلو القوافل، حتى نرى بأم أعيننا – إن شاء الله- علم النصر قد خفق، ودولة الإسلام قد قامت. وما ذلك على الله بعزيز.
ثق – يا أخي الشهيد
أن كل من سار على طريقك من الشباب يردد على مسامع الزمن الآن ما ردده الشهيد سيد قطب من قبل:
* * *
* * *
والعهد إليك – يا أخي موفق- وأنت في حياتك البرزخية:
إننا لن نلقي السلاح، ولن نهادن الأعداء، ولن نتراجع عن الجهاد.. حتى نرى عزة الإسلام قد بسقت، ودولة المسلمين قد قامت..
سلام عليك – يا شهيدنا الغالي- يوم ولدت، ويوم جاهدت، ويوم استشهدت، ويوم نلقاك عندما يقوم الناس لرب العالمين.
وسوم: العدد 670