المستشار حسن الهضيبي، ضيف مدينة الباب سنة ١٩٥٤
عمالقة في التاريخ ..
ومُثل للاجيال ...
إذا أردت أن تعرف معادن الرجال ، فاسأل خبراء النفوس ، لا مروضي القردة ، وبهلوانات العروش ؟؟
كتب الصحفي المصري الشهير مصطفى أمين فكرة عن رجل عملاق في دنيا الأقزام ، وقائد جبل في عالم السفوح والمستنقعات فقال :
أعجبت بصموده ؟؟
إنهالت على رأسه الضربات فلم يركع ؟؟ حاصرته المصائب فلم ييأس ؟؟
تلقى الطعنات من الخلف فلم يسقط على الأرض ؟؟
كان يحلم وكل من حوله يائسون ، كان قويا وأنصاره يستضعفون ؟؟
رأيته في محنته أكبر منه في مجده ؟؟
سقط من المقعد واقفا وغيره يجلس فوق المقعد راكعا ؟؟
رأيته يستعذب الحرمان وغيره لا يستعذب الا السلطان ؟؟
فالرجال كالمعادن ، لاتظهر قيمتهم الحقيقية إلا إذا وضعوا في النار ،
هنا يظهر الفرق بين الرجل الحديدي والرجل القش ؟؟
بين الذي يموت واقفا والذي يعيش راكعا !!
بين الذي يكبر في الشدائد ، والذي يتضأل في المحن والأزمات
رأيته يستقبل المحنة بابتسامة كأنه يستقبل النعمة !!
ينام على الأسفلت كأنه ينام على مرتبة من ريش نعام !!
يأكل الخبز الممزوج بالتراب ويحمد الله ، وكأنه يتناول الطعام على مائدة ملكية !!
تعارضه فلا يغضب ، وتناقشه فلا يحقد ؟؟
يتقبل النقد بصدر رحب ، ويتقبل الثناء بخجل وحياء !!
لا يجحد لفاضل فضله ، ولا يذكر إنسان بسوء ؟؟
اذا جاء من طعنه بخنجر في ظهره لايلعنه ولكن يقول : سامحه الله !!
عشت معه سنوات طويلة ، كان بين زنزانتي وزنزانته زنزانة واحدة ، كنت أراه كلما فتحوا باب زنزانتي ،
وكانت بينه وبين بعض السجناء السياسيين مناقشات طويلة ، كانوا عددا من المسجونين الذين عذبوا وضربوا وصلبوا واهينوا وانتهكت أعراضهم ، كانوا يصرون على الثأر والانتقام من معذبيهم بعد ان يخرجوا للحرية ، فكان يعارضهم ويقول لهم هذه مهمة الله وليست مهمتنا ؟؟
نحن دعاة ولسنا قضاة
كانوا يحتدون فيهدأ ، ويشتدون ويلين ، ويرفعون أصواتهم ويخفض صوته ، ويهاجمون فيبتسم ،
ويتطاولون عليه فيقول لهم : هذا حقكم ، لا ألوم المجلود إذا صرخ من ألم السياط !!
ولا أعاتب المطعون بالسيف اذا وقع بعض دمه على ثيابي !!
لا أطلب منكم أن تعفوا وإنما أرجوكم أن تتركوا الأمر إلى الله فهو المنتقم الجبار
عذاب الله على الظالم أقسى من كل ماتستطيعون من عذاب !!
لا أريد ان نتساوى نحن المظلومين مع الذين ظلمونا فنظلمهم ؟؟
واجبنا أن نقابل الظلم بالعدل ، والقسوة بالرحمة ، والجبروت بالتسامح ، والعدوان بالصلاة ؟؟
كان متمسكا بدينه بغير تعصب ، مؤمنا بالعدل ، كارها للظلم ، يرفض العنف ويقول :
ماحاجتنا للمسدس ولنا لسان ، وما حاجتنا للقنبلة ودوي صوت المظلومين أعلى من انفجار الديناميت
كان اسم هذا الرجل هو حسن الهضيبي رحمه الله
وقال الشيخ محمد الغزالي الداعية الكبير عن الرجل :
لقد اوصى ان يدفن خفية ، لا إعلان ولا مواكب ، وطلب أن يوارى جثمانه في مقابر الصدقة
وعقدت لساني دهشة وأنا أسمع كلمة ( في مقابر الصدقة ) ، إنني أعرف الهضيبي ففي نفس الرجل ترفع وانفة لا يتكلفها ، قلت لم مقابر الصدقة ؟؟ ولم يغب عني الجواب ، لقد كان مستشارا راسخ المكانة رفيع الهامة ؟؟
لو اشتغل بمهاجمة الشريعة الإسلامية لنال جائزة الدولة التقديرية التي نالها غيره ؟؟
لو خدم الغزو الثقافي لعاش في شيخوخته موفور الراحة ، مكفول الرزق ؟؟
ولكنه خدم الإسلام فتجرع الصعاب والعلقم ؟؟
طعن مع الدين الجريح ، واهين مع الدين المهان ؟؟
فأراد أن تصحبه هذه المكانة في منقلبه إلى الله
فليدفن في مقابر الصدقة مع النكرات التي لايباليهم المجتمع ؟؟
فليدفن مع ناس أسلموا أرواحهم في غرفات السجن الحربي وهم رازخون تحت وطاة عذاب تنوء به الجبال ؟؟
( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر ، ومابدلوا تبديلا ) ٢٣ الاحزاب
فسلام الله على الرجال الذين يحفظون للحق كرامته ، وللايمان عزته
سلام عليهم مادعا داع الى الله ، وأذن مؤذن للحق إلى يوم الدين
سلام على رجال الحق ورواد المجد ورواد الصدق وعمالقة الجهاد وطليعة المجد
سلام على أصحاب العقول الفطنة والعبقريات المبدعة
سلام على الساعين الى البحث عن الهداة في دنيا الضلال
سلام على الباحثين عن القيادات المبهرة في عالم الهزائم المنكرة لينضم ركب الخالدين بعضه الى بعض
وتسعد المسيرة الخيرة
سلام على الهضيبي
سلام على السباعي
اسكنهم المولى فسيح الجنات
والله أكبر ولله الحمد
وسوم: العدد 670