العالم الزاهد العابد الشيخ موسى بن حسين الموسى
(1300-1383هـ)
هذه كلمات في سيرة أحد علماء بلاد الشام الربانيين، ممن نفع الله بهم البلاد والعباد: العالم الصالح الورع القدوة الشيخ موسى بن حسين الموسى.
ولادته ونشأته:
ولد في قرية من أعمال مدينة حماة تسمى (حلفايا) وتقع على ضفة نهر العاصي في عام 1300هـ مِنْ أبوين فقيرين، ثم نشأ يتيمًا.
ولما جاوزَ العشرين من عمره تزوَّج ووُلد له أولاد.
طلبه العلم:
ولما قارب الثلاثين ولم يكن آنذاك يعرفُ شيئًا من العلم زارَ قريتَهم عالمٌ عارفٌ بالله يُسمّى الشيخ محمد علي السليم المُراد (مِنْ علماء حماة)، فجاء إليه الشيخُ موسى المذكور، ولازمه يخدمُه، ويستمعُ إليه مدة إقامته في القرية، فتحرَّك قلبُه لطلب العلم، فترك الأهلَ وذهبَ إلى حماة يودِّع شيخَه المذكور قائلاً: أريد طلب العلم في الأزهر، فقال له شيخُه: وعيالك إلى مَن تتركهم؟ ارجعْ إلى قريتك وخذْ هذه الكتب فاحفظها. وأعطاه بعضَ المتون كالآجرومية وغيرها، فامتثل الأمرَ وعاد إلى قريته مشيًا على الأقدام يقرأ ويحفظ، ثم يعود إلى حماة ليجلس بين يدي شيخه ويعرضُ عليه ما حفظَ، فيفيده الشيخُ شرحًا وتقريرًا، ثم يعود إلى قريته يحرثُ في الأرض، ويحفظ العلم.
ثم بعد ذلك انقطعَ لطلب العلم.
وربما اشتدَّ عليه الجوعُ فباع بعض لباسه ليأكل من ثمنه.
وفتح اللهُ عليه.
أعماله العلمية والدعوية:
صار إمامًا في قريته.
ثم رحل عنها إلى قرية (اللطامنه) ليكون إمامًا فيها ومرشدًا.
وجرتْ له فيها قصةٌ لطيفةٌ مفادُها أنَّ نصرانيًّا أرسل له ثلاثة أسئلة في علم النحو وأراد إفحامَه بها، فعرف جوابَ سؤالين واستعصى عليه جواب الثالث، فأخذته سنة من النوم فرأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبره بالجواب، واستيقظ وأرسل الجواب، فبُهت النصراني، وأرسل إلى الشيخ هدية كتاباً في النحو لمؤلِّفٍ يُدعى (الشرتوني، من نصارى لبنان)[1].
ومن (اللطامنه) عاد إلى (حلفايا) إمامًا وخطيبًا ومدرِّسًا في مسجدها الوحيد.
وبعد سنتين رحل إلى (خان شيخون) (قصبة تابعة لمعرة النعمان) وعُيِّن إمامًا وخطيبًا ومدرسًا.
وفيها أنشأ مدرسة دينية علمية لتخريج الأئمة والخطباء، والمدرِّسين، والوعاظ.
وكانت زوجته عونًا له على هذا العمل الجليل، إذ إنها كانت تقدِّم الخدمة لطلاب العلم من غسل ثيابٍ، وطهي طعامٍ، مع الشفقة وحسن الرعاية، وكان كثير من طلاب ينادونها بالأم، فتخرَّج على يديه علماء عاملون انتشروا في تلك المنطقة، وفي غيرها.
طلابه:
نذكرُ منهم على سبيل المثال لا الحصر:
-الشيخ محمد خير العيساوي.
الشيخ صبحي السفر الرفاعي.-
الشيخ سفر الرفاعي. -
الشيخ أحمد الخرراوي. -
الشيخ إبراهيم الشهوان.-
الشيخ مالك الخطيب (مِنْ كفر سجنه).-
الشيخ كامل (من كنصفره).-
الشيخ طاهر العاري (من صوران).-
الشيخ عبد القادر الصيادي.-
الشيخ عبد الله الصيادي.-
الشيخ محمد الرجب.-
-الشيخ عبد القادر الحلبي.
-الشيخ حسون الحلبي، وكلهم مِنْ (حلفايا).
الشيخ محمود الأحمد. -
الشيخ حسن رزُّوق (من قرية خطاب).-
الشيخ قاسم كيتوع (من التمانعه).-
الشيخ محمد العاري (من اللطامنه).-
الشيخ محمد فكري المارديني (مدرِّس جسر الشغور).-
الشيخ سليمان النسر (مِنْ خان شيخون) و(صار مديرَ أوقاف حلب)،-
الشيخ محمد أبو كُلال (نجل المترجم).-
الشيخ حسين أبو أنس (نجله أيضًا). وقد خلف والده، وأصبح له شأن كبير.-
وغير هؤلاء كثير.
وقد أخذ عنه أكثر مِنْ مئة رجل، ولا يزال قسمٌ منهم إلى الآن (سنة 1405هـ) يشغلون مهامَّ الدعوة.
.وبقي في خان شيخون (22) سنة
وكان يُدرِّس التوحيد، والفرائض، والنحو، والفقه، والحديث، والتفسير.
إخلاصه وزهده وتواضعه:
كان عجبًا في الإخلاصِ والزهد.
مرضَ مرة وطال مرضُه فقال له ولدُه الشيخ حسين: أعجبُ يا والدي مِن كثيرٍ من طلابك يعلمون بمرضك ولا يعودونك! فقال: يا بُني لعل لهم أعذارًا وأعمالًا تمنعهم، ونحنُ علّمناهم لله.
وعرضَ عليه أهلُ قريته أرضًا مغروسة كرمًا تزيد مساحتها على عشرين دونمًا فرفضها، فسأله ولدُه الشيخُ حسين بعد سنتين: يا والدي عرضَ عليك أهلُ القرية تلك الأرض فلِمَ رفضتها وأنت تعلمُ أننا لا نملك أرضًا؟ فسكتَ قليلًا، ثم قال: يا بنيَّ لا حاجة لنا بها، يكفينا اللهُ من فضله، فألح عليه ولدُه المذكورُ فقال: يا بنيَّ كيف آخذ هذه الأرض وهي ملك الجميع فهناك الأرامل، والأيتام، والصغار، كلهم لهم حقٌّ فيها؟
تواضعه وصفاؤه وصدقه:
كان مِنْ صفاته أنَّ أيَّ جالسٍ إليه يحسب نفسَه أنه أعلمُ منه لما فيه من هضمِ النفس، والبُعدِ عن الدعوى، وطلبِ الشهرة.
ومِنْ أبرز صفاته أنه ما كان يحمل حقدًا على أحد مطلقًا فيأتيه الرجل ويقول له: إنَّ فلانًا قال فيك كذا وكذا، فكان يجيبُ على الفور: إني أحبُّ فلانًا، فيسكت ذلك الناقل.
وربما قال بعضُ الطلبة: أنا أعلمُ من الشيخ. فتُحْمل تلك الكلمة إليه فيقول: نعم واللهِ إنَّ فلانًا ذكي، ويُثني عليه بمناقب طيّبة تشجيعًا له.
ومِنْ صفاتهِ الصراحة التامة بالعبارات اليسيرة، والصدق في القول والعمل.
عبادته:
وأما عباداتُه فلا تسل عن تهجُّدهِ في ظلمة الليل، وأخذِ نفسهِ بالعزائم، والبُعدِ عن زخارف الدنيا، وما كان حديثُه مع أولاده إلا حثًّا لهم على العلم والتعليم والعمل، والزهد في الدنيا.
مؤلفاته:
له سبعة مؤلفات وكلها مخطوطة، منها:
.- كتاب في التوحيد
.-كتاب في المُوافق والمَسبوق على المذهب الشافعي
.-كتاب في الصلاة
إجازاته:
له إجازات من:
الشيخ محمد علي السليم المراد الحنفي المتوفى سنة 1340هـ.-
الشيخ أحمد السليم المراد المتوفى سنة 1380هـ تقريبًا.-
الشيخ محمد أبو المواهب عالم أريحا، وكان محدِّثا كبيرًا.-
الشيخ طاهر الكيالي عالم إدلب.-
-شيخ من آل الجندي (مفتي معرّة النعمان سابقًا).
وفاته:
توفي يوم الأحد الخامس عشر من صفر سنة 1383هـ بعد طلوع الفجر، وعند وفاته –وكان في حِجر ولده الشيخ حسين – فاحتْ رائحةٌ طيبةٌ عمَّت المنزلَ بأسره، ونزلتْ السكينةُ على الجميع فلا نحيب ولا صخب.
وكانت وفاته في حلفايا، ودُفِنَ في مقبرة القرية.
رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن خدمة العلم والدين خيرَ ما جزى عالمًا عاملًا[2].
[1] هو رشيد الشرتوني، انظر ترجمته في الأعلام للزركلي (3/24).
[2] مصدري في هذه المعلومات ابنُ المترجم فضيلة الشيخ الجليل حسين، في لقاء به في منزل ابنه المهندس أسامة في مدينة جدة سنة 1405هــ
وسوم: العدد 674