كتاب القائد الشهيد الملازم الأوّل محمّد دريسي للأستاذ محمّد علوي
هذا الكتاب رغم أنّه في التراجم إلا أنّه يعتبر دراسة علميّة تحليليّة بامتياز وبمنهجيّة دقيقة واستقصاء وتتبّع يقطع الأنفاس، صدر الكتاب عن مطبعة ( قرفة ) ، 2016 م في 104 صفحات من الحجم الكبير ، مزوّدا بالصور والوثائق.
الكتاب عن أحد الشهداء المغمورين الذين لا يُعرفون ربّما إلا على مستوى منطقتهم، لكن عندما نتعرّف على حياته من خلال هذا الكتاب المحكم نجد أنفسنا أمام عملاق من عمالقة الجهاد أثناء الثورة التحريريّة المباركة، وهو يستحق أن يطلق عليه - بحقّ – القائد الشهيد ، ليس من باب المبالغة والتكريم ولكن باب إقرار واقع غائب عنّا ، أثبتته الأحداث وبرهنت عليه الوقائع وشهد به المعاصرون للشهيد.
ما يلفت الانتباه أكثر في هذا الكتاب هو المنهجيّة العلميّة الأكاديميّة الدقيقة التي أتّبعها المؤلّف في كتابه هذا ، ذكرتني إلى حدّ ما بسلسلة عبقريّات العقاد ( عبقريّة محمّد / عبقريّة عمر / عبقريّة علي ..الخ ).
وهي منهجيّة تحيط بجميع جوانب شخصيّة الشهيد ، وتَتَبّع صفاتها وخصالها وومميزاتها من خلال الأحداث والوقائع والشهدات الحيّة من أفواه الرّجال الذين عرفوا الشهيد من قرب.
كما تميّزت هذه المنهجيّة بحشد كم هائل من المعلومات الدّقيقة عن حياة الشهيد ، بحيث تتشكّل لدينا صورة واضحة عنه، وعن حياته وبيئته ومواقفه وعطائه الكبير.
يقول الأستاذ محمّد علوي عن الشهيد محمّد دريسي في مقدّمة كتابه:
" فالشهيد القائدتهذّب وتعلّم وتثقّف، وعندما شبّ وكبر هذّب وعلّم وثقّف وأخيرا استشهد ، لقد سخّر كلّ ما يستطيع من قواه النّفسيّة والعقليّة والوجدانيّة والعضليّة ، وضحى بكلّ ما يملك من مال وأهل وزوجة وولد لهذه الثورة المباركة ."
محتوى الكتاب:
جعل المؤلّف كتابه في :
- مقدّمة : وتحدّث فيها عن الشهيد باختصار محكم وشامل ثمّ ذكر المصادر والشهدات الحيّة التي رجع إليها في إعداد بحثه هذا حول حياة الشهيد محمّد دريسي. وكثير من مصادر في هذا البحث كانت عبارة عن زيارات ميدانيّة وشهدات حيّة ، من المنطقة التي نشأ وترعرع فيها الشهيد وهي منطقة ( سيدي خالد ).
- المولد والنّشاة: وحدّد فيه الكاتب البيئة التي ولد فيها الشهيد بشكل دقيق، حيث قال:
" ولد الشهيد محمّد دريسي سنة 1926 م بـ سيدي خالد ( ولاية بسكرة ) وهي واحة تمتاز بأجود نخيل التّمر في الوطن على ضفاف وادي جدي، أطول وديان الصّحراء الجزائريّة ".
- الدّراسة في تونس : وقال أنّه انتسب إلى جامع الزيتونة بعد دراسته الأوّليّة في الكتّاب ، وحصل على شهادة الأهليّة عام 1952 م ونال شهادة التطويع عام 1955 م. فهو إذاً متعلّم ومثقّف من طراز عال جدّا.
- صفاته وأخلاقه: وذكر المؤلّف في هذا عنصر أهمّ صفات الشهيد وخلالَه، مبرزا شخصيّته الفذّة من خلالها ، ومن أبرز تلك الصّفات ؛ برّه بوالديه ، حبّه للعلم ، حبّه للنظافة بشكل ملفت ، شجاعته ، إبداعه الفنّي ، عفوه وصرامته ..الخ
- في المنظّمة المدنيّة لجبهة التحرير الوطني FLN :وتحدّث في هذا الباب عن كيفيّة التحاقه بالمنظمة المدنيّة لجبهة التحرير الوطني ، وما قدّمه من خدمات ونضال في هذا المجال قبل التحاقه بالثورة.
- في التنظيم العسكري لـ جيش التحرير الوطني AIN : بعد عمليّة فدائيّة جريئة قام بها المجاهدون في أفريل 1957 م قرّر الشهيد محمّد دريسي التخفّي لفترة ثم لبّى نداء قيادة جيش التحرير ، فانظم إليه في 7 جويليّة 1957 م ورقي مباشرة إلى رتبة عريف أوّل سياسي، وظلّ يترقى خلال مراحل جهاده المختلفة إلى أن أصبح ملازما أوّلا.
وقد قام خلال هذه الفترة بمهام عديدة ساقها الكاتب على شكل عناصر نذكر منها:
- تكوين وتركيب المجالس الشعبيّة البلديّة.
- الرّقابة الشهريّة لجميع مكاتبها.
- رقابة المدارس والمساجد
- رعاية عائلات الشهداء والمجاهدين والأسرى
- جمع المال من أفراد الشعب والزكاة لصالح المجاهدين.
استشهاده:
التحق القائد الخطيب - كما يقول صاحب الكتاب - بالرّفيق الأعلى في معركة شرف حامية الوطيس ويصف استشهاده بقوله:
" ..وفي هذه الأثناء سقطت قنبلة بقرب القطعة الجماعيّة واستشهد الاثنان العاملان على القطعة كما استشهد القائد الملازم الأوّل السياسي دريسي محمّد ، من أكبر الخطباء بالولاية السّادسة .." وكان ذلك بتاريخ 1960 م
في ختام الكتاب ثَبْتٌ بالشهادات واللّقاءات الميدانية التي قام بها المؤلّف ، من أجل جمع مادّة كتابه القيّم هذا وإخراجها في تنسيق وتنظيم منهجي رائع ومحكم.
الكتاب يستحق كلّ عناية واهتمام ، ويعتبر دراسة علميّة نوعيّة يحسن بطلبة الجامعات والباحثين أن يقدّموا حوله رسائل علميّة ، تشرحه وتحلل مادّته العلميّة وتبيّن محتواها الرّائع ومنهجها الدّقيق.
وسوم: العدد 674