علي أحمد باكثير
تحظى بعض الشخصيات بعديد من الدراسات حولها بينما لا يأخذ غيرها حقه الواجب له من الدراسة والتاريخ، ومن هؤلاء الأديب علي أحمد باكثير.. فمن هو؟
ولد علي أحمد باكثير في إندونيسيا عام 1910م لأبوبين حضرميين، وكان والده من التجار الذين استقروا في إندونيسيا ونشروا الإسلام فيها من خلال اشتهارهم بالفضيلة وحب الخير والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن.
ولما بلغ باكثير العاشرة عاد كعادة الحضارمة إلى موطنه الأصلي (سينون) ليستزيد من علوم العربية ويتفقه في الدين، وهناك يعمل على تحقيق ذاته من خلال اللغة فيقبل عليها في مدرسة النهضة العلمية بسينون، ويجد نفسه في دائرة حفظ القرآن الكريم وفي التعرف إلى أسرار اللغة، وفي كل ما يتصل بالشعر يجد نفسه مدفوعًا بصفة خاصة إلى عوالم زهير بن أبي سلمى وأبي تمام والبحتري، وفي الوقت ذاته تهب عليه نسائم الحداثة من خلال شوقي وحافظ والمنفلوطي، وبدأ ينظم الشعر وهو في الثالثة عشرة من عمره، ولم يلبث الشاعر الشاب أن عرف أرجاء حضرموت داعيًا للإصلاح الاجتماعي ورائدًا في أساليب التجديد في التعليم، متأثرًا بالأفغاني ومحمد عبده ومحمد بن عبد الوهاب.
وظل باكثير في حضرموت يجاهد بشعره ويقدم الصرخة تلو الصرخة فيقول:
كيف النهوض لأمة منكـــودة منيت ديانتها بسوء تفهـــــــــم
ولا يترك باكثير مناسبة إلا ويقف خطيبًا يدعو قومه إلى التقدم نحو النور فما أن يطل شهر رمضان حتى نجده ينشد أشهر السهاري.
تولى باكثير وهو دون العشرين إدارة مدرسة النهضة العلمية بسينون وجدد في نظام تدريسها، ثم أصدر مجلة التهذيب مع نخبة من الأدباء الشباب عام 1349هـ فصدرت لمدة عام، وكانت المنبر الذي يطلق منه الشعر.
وفي عام 1932م ازدادت حالته سوءًا وضاق ذرعًا، ثم كانت وفاة زوجته الشابة فأحسباكثير أن الأرض ضاقت عليه وأنه لا مناص من الهجرة فخرج حزينًا باكيًا ولسان حاله يقول:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجـــــال تضيق
فهاجر إلى عدن قرابة عام، ولكنه ما لبث أن يمم وجهه شطر الحجاز ليقيم في بيت أخواله في مكة، وفي مكة أقام باكثير دعائم صداقات مع أدباء العصر في مكة والمدينة والطائف، وأعجب بالملك عبد العزيز آل سعود واتصل به وأشاد بتوطيد الأركان لدعوة التوحيد في بلاده.
جاء إلى القاهرة عام 1934م والتحق بجامعة فؤاد الأول (القاهرة الآن) وتخرج في قسم اللغة الإنجليزية في عام 1939م وحصل على دبلوم في التربية عام 1940م وعمل مدرسًا للغة الإنجليزية لمدة 14 عامًا في المنصورة والقاهرة، ثم انتقل إلى وزارة الثقافة وعين مديرًا لمكتب الرقابة على المصنفات الفنية. وفي عام 1938م كتب باكثير مسرحية (إخناتون ونفرتيتي)، وبذلك أصبحت نقطة انقلاب في تاريخ الشعر العربي الحديث كله. فقد قدر لهذه التجربة فيما اصطلح على تسمية الشعر التفعيلي أو سماه هو (باكثير) الشعر المرسل المنطلق، ثم ظهر صداه في العراق عند الشاعرين بدر شاكر السياب ونازك الملائكة.
كان باكثير أكثر أدباء عصره اهتماماً بقضية فلسطين، فكتب شيلوك الجديد عام 1945م التي تنبأ فيها بقيام دولة إسرائيل. وكانت هذه المسرحية نتيجة طبيعية لاهتمامه العميق بمأساة العرب والمسلمين التي أسرت لبه سنوات طوال.
وإلى جانب مسرحيات باكثير السياسية الصارخة كتب باكثير مسرحياته الفكرية والرمزية: مأساة أوديب، أوزوريس، الفرعون الموعود، الفلاح الفصيح، جولفدان هانم، قطط وفئران، هاروت وماروت، سر شهر زاد، وا إسلاماه.
حصل باكثير على جائزة الدولة التشجيعية، كما حصل على وسام العلوم والفنون، وحصل على أول منحة تفرغ ينالها أديب مصري عام 1964م لمدة عامين كتب خلالهما عمله التاريخي (ملحمة عمر).
والله الموفق
وسوم: العدد 675