حبيب راشدين .. صاحب الحبر الذهبي
مقدمة.. دفع صاحب الأسطر لكتابة هذا المقال، هو الحوار الذي دار بينه وبين الإعلامية المصرية ولاء عبد الله، حيث طلبت منه قائلة " أبحث عن اعلامي جزائري قدير يكرم باسم الجزائر" .
ولم يتردد في تلبية طلبها، فاقترح على الفور صاحب الحبر الذهبي الأستاذ حبيب راشدين. ثم راح يجمع ما يعرفه عن الأستاذ، وما كتبه عنه منذ سنوات، وما نقله عنه من حكم غالية قوية.
ويظل المرء يفتخر بكونه يتحدث عن إسم عريق في عالم الكتابة، متمنيا للجزائريين أن يتحدثوا عن الجزائريين ، بما يزينهم ويرفعهم في حضرتهم وغيبتهم. ومبديا في نفس الوقت الشكر والثناء للأستاذة المصرية ولاء عبد الله، للثقة الممنوحة ، وأنها كانت سببا في جمع المبعثر، وإستخراج ما في الصدور، وإعادة ترتيب ما طواه الزمن.
حبيب اللغة العربية.. في دفاعه المستميت عن اللغة العربية. كتبت بتاريخ الأحد: 26 رمضان 1431 هـ، الموافق لـ: 05سبتمبر 2010..
ويحضرني الآن مقال قرأته منذ سنوات، لصاحب الحبر الذهبي، الأستاذ حبيب راشدين، يقول فيه: حين كان رضا مالك وزيرا للإعلام، قرأ ذات مرة جريدة "المجاهد"، الناطقة بالّلغة الفرنسية، فلاحظ بعض الأخطاء الّلغوية التي لاينبغي أن تُرْتَكَب، فغضب غضبا شديدا، فاشترى الموسوعة الفرنسية "لاروس" ، لصحفي جريدة "المجاهد"، لتدارك الأخطاء الّلغوية، وتصحيحها، و عدم تكرارها. ثم يقول الأستاذ حبيب راشدين، مُعَقِّبًا على موقف مالك: كان عليه أن يُعَامِلَ صحفي جريدة "الشعب" يومها بنفس المنطق، ويشتري لهم "لسان العرب"، لتصحيح الأخطاء الّلغوية في مجال الّلغة العربية لتبرأ ذمته، ويكون عادلا تجاه أعرق جريدة. فهو من المفروض، أنه وزير الناطقين بالّلغة العربية واللغة الفرنسية معا، وليس وزيرا للناطقين باللغة الفرنسية فقط " .
سيرة رجل.. أعرف صاحب الحبر الذهبي، الأستاذ حبيب راشدين منذ سنة 1991، حين كان مديرا لأسبوعية "الصح – آفة "، والتي لم تنجب الجزائر مثلها لحد الآن. ومن يومها وأنا أقرأ له، قراءة المعجب في البداية، وقراءة الناقد فيما بعد، وما زلت.
تميّز صاحب الحبر الذهبي عن أقرانه بصلابة الموقف ودوامه. فما زال على رأيه وموقفه مذ عرفته وقرأت له. يمتاز بالجرأة في المواقف، و التحليل الصائب، و الخطّ النقي الذي لم يتغير إلى الآن. لا يميل لنظام سياسي، ولا يميل لحزب سياسي، ولا لفقيه، ولا عسكري.
ينتقد الجميع دون استثناء، ويرد على الجميع دون خوف ولا تملق. لكنه لا يطعن ظهرا، ولا يسئ لميت..
إنتقد الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد بقوة وهو في عز سلطانه، وحين أزيل من منصبه ظل يحترم الرجل، ولم يتحدث عنه بسوء. إنتقد بشدة بوضياف وطريقة مجيئه سنة 1992، وكيفية تعامله مع الجزائريين.
وحين أغتيل غدرا بعنابة في 29 جوان 1992، بقي على إحترامه للرجل، ولم يكتب ما يسئ لماضي الرجل.
أتذكر جيدا أن جريدة "المنقذ" يومها، هاجمته بعنف وقسوة، واتهمته بأنه يوالي النظام، وبأنه غيّر الوجهة وأصبح يعادي الحزب المشرف على الجريدة يومها. فرد ردا مفحما، قائلا للقائمين على الحزب والمشرفين على الجريدة، فيما أتذكر..
دفاعي عنكم ووقوفي لجانبكم لم يكن تبعية لأحد، إنما وقفت ضد قضية عادلة، تستحق أن يقف معها المرء. أما وأنكم أخطأتم في هذه القضية ( لا يحضرني الآن نوعها ولا إسمها)، فأقف ضدكم مقوما ومصححا، كما وقفت ضد من أخطأ في حقكم . وسأظل على هذا المنوال، لا أتبع أحدا من السلطة، ولا أتبع أحدا من المعارضة، ولست تابعا لأحد مهما كان.
تعرّض صاحب الحبر الذهبي للتهميش، وهو من هو في عالم الكتابة والنقد، للبطالة لسنوات، واشتكى منها أكثر من مرة عبر مقالاته، التي كان ينشرها عبر يومية جزائرية لايحضرني الآن إسمها، ويومية جزائرية ما زال يعمل بها لحد كتابة هذه الأسطر.
تمتاز كتاباته باللغة العربية السليمة الثرية. فهو يعتمد على لغة تراثية مستمدة من أمهات الكتب العريقة، ويحسن نقلها إلى القارئ المعاصر، دون أن يرهقه.
وثقافته ثرية غنية بما يقرأ للمعاصرين من عرب وعجم. مع العلم لغته الفرنسية رفيعة جدا. حين كان مديرا لـ " الصح – آفة"، كان لوحده جريدة، ولم يكن يكتب عمودا صغيرا كبقية مدراء الجرائد ورءساء التحرير، بل كان يكتب نصف صفحة في صدر الجريدة، ونصفها أو أكثر في صفحة أخرى، وربما 3 صفحات طويلة جدا لوحده. ولذلك ما زلت أقول أنه من الظلم لصاحب الحبر الذهبي، أن يسجن في عمود بجريدة، بل خلق لأن يكون لوحده جريدة، لذلك أكرر دوما..
في مجال الإعلام، لا أرى أفضل منه. فهو بليغ، لغته تعتمد على التراث العربي، ويبدع في اللغة الفرنسية، وله مواقف خالدة، ولا يميل لأحد.
كل الصحف المتواجدة الآن، تتمنى أن تصل لعشر ما وصلت إليه "الصح- آفة"، حين كانت إشراف حبيب راشدين، لما إمتازت به من سخرية قوية لاتلين ولا تميل.
عن " الصح – آفة ".. والتحدث عن حبيب راشدين يتطلب الحديث عن "الصح – آفة"، فقد إرتبطت به إرتباطا وثيقا..
صدرت الأسبوعية سنة 1991 فيما أتذكر، وتم توقيفها سنة 1992 فيما أتذكر أيضا، وتشميع المقر، دون أن أحدد الشهر بالضبط.
أتذكر جيدا أنها شهدت الأسبوعية إقبالا لانظير له من القراء. تنفد بمجرد ماتصل بائع الجرائد. وطابور طويل من القراء ينتظرها، بل يسبقها إلى مكان آخر، خوفا من أن لا يجد نسخة له. وطوبى لمن تحصل على عدد .
ولم تكن أي جريدة أسبوعية كانت أو يومية، بما فيها الجرائد الفرنسية المدعمة، تنافسها في عدد القراء، وإن كانت أقل منهم من حيث عدد النسخ المطبوعة.
و "الصح - آفة "، جريدة ساخرة، لاتعترف بالقيود، ولا تتملق لحاكم، ولا تطعن الظهور، وتحترم الأموات. بعدما تم غلق " الصح - آفة "، شرعوا في جريدة إسمها "النح - لا "، ومنعت على الفور ولم تنشرأبدا.
تلميذ وأستاذ.. قال أحد الزملاء عبر صفحته.. رجل قدم رجل ولو كان لحبيب راشدين أن يقدم لقدم معمر حبار .
أجبته.. ما زال التلميذ معمر حبار يرى أنه أصغر من صاحب الحبر الذهبي الأستاذ حبيب راشدين.
حكم صاحب الحبر الذهبي.. سيعتمد صاحب الأسطر على بعض الحكم التي نقلها عن حبيب راشدين، ومنها..
1. ميت المعركة عند المسلمين يعتبر شهيدا. فلا يقال عنه خسرنا عددا معينا، إنما يقال عنه ربحنا عددا معينا. وكلما إرتفع عدد الموتى، كلما لاح النصر واقترب. ولا يمكن قهر أمة ترى في الميت نصرا وربحا.
2. مجتمع مؤنث لسلطة فاقدة للفحولة.
3. كان الشهيد حينما يخرج من بيته أثناء الاستدمار الفرنسي، تُزَغْرِدُ النِّسْوَة فَرَحًا لأنّها قدّمت شهيدا. وكانت زغاريد النِّسْوَة، أَشَدَّ وَقْعًا على الاستدمار من رصاص المجاهدين.
4. لم تعد النخبة العالمية تستحي من الكذب و الافتراء و التدليس و قيادة الشعوب بصناعة الأساطير[email protected]، مقال: "تخاريف التخويف بجائحة الطرود الملغمة".
5. العقل العربي يعاني من كسل ذهني مزمن، وسذاجة البدو المتأصّلة، ونسق تفكير مسطح لا يقوى على التعامل مع معادلات بأكثر من مجهول.( مقال: "مرور غربي بالقوة لمنابع نفط العرب".
6. الغرب مازال يعتقد أن العربي الجيد الذي يستحق التقدير هو العربي الميت. (مقال: "إعادة جدولة ربيع العرب إلى صيف الهنود الحمر".
7. الحكومات تستبد ضد شعوبها عندما لا ترى في قمعه والاستهتار به أيّ تهديد لمصالحها. ( مقال: "كسر الفاعل الغربي لرفع شأن المفعول بهم من العرب".
8. للتاريخ أحكام لا تُرد.
9. الغرب لم ولن يتعامل معنا إلا ككيان، ينبغي تفكيكه وتقسيم مايقبل منه القسمة
10. العبث بمصير الدولة واستقرارها وأمنها يبدأ بالعبث بتاريخ شعبها.
11. قمّة نجاح الاستبداد، تكون حين تطّلع الشعوب على جرائم حكامها و فسادهم المطلق و ليس لها من خيار غير إعادة تجديد التفويض لهم. ( مقال: " "تخاريف التخويف بجائحة الطرود الملغمة ").
12. العربة في الحالة العربية .. هي التي تقود و ليس الأحصنة. ( مقال: "شعوب المغرب الكبير تحرك مياه برك العرب الراكدة").
13. عكّة لم تسقط إلا على يد خائن. ( مقال: " الفصل والوصل في جملة العرب المفككة" ).
وسوم: العدد 680