الخاتون عصمة الدين بنت الأمير أُنر السلجوقي

د. محمد مطيع الحافظ

طرف من سيرتها وأعمالها الخيرية

د. محمد مطيع الحافظ

الخاتون عصمة الدين بنت الأمير معين الدين أُنر، وتُعرف بالخاتون العصمية.

زوجة السلطان العادل نور الدين محمود بن زنكي. وبعد وفاته تزوجها السلطان صلاح الدين الأيوبي.

سيدة فاضلة محترمة، من أعف نساء عصرها وأجلّهن، وأوفرهن حشمة مع الصلاح والتقى، تزوجها السلطان صلاح الدين سنة 572هـ، وكان صلاح الدين يقدّرها حق قدرها، وبقيت عنده حتى توفيت سنة 581هـ ودفنت في تربتها جنوب المدرسة الجهاركسية بدمشق، وبني إلى جانب تربتها ما يُعرف بالجامع الجديد.

وهي واقفة المدرسة الخاتونية الجوانية الحنفية بدمشق بمحلة حجر الذهب قريباً من المارستان النوري إلى الشمال منه. وقد أوقف أخوها سعد الدين أوقافاً كثيرة على المدرسة المذكورة.

ولقد خربت هذه المدرسة أوائل العصر العثماني.

وقد أوقفت أيضاً الخانقاه الخاتونية لصيق جامع تنكز من جهة الشرق في شارع النصر وكانت المنطقة تعرف آنذاك بحكر السماق. وقد هدمت هذه الخانقاه مع جامع تنكز. وقد أنشأتها وأوقفتها الخاتون سنة 577هـ.

أما تربتها التي دفنت فيها فهي على نهر يزيد بصالحية دمشق قبلي المدرسة الجهاركسية وقد وسعت هذه التربة وأصبحت جامعاً يعرف بالجامع الجديد: قام بذلك سليمان العقيري التاجر سنة 709هـ.

كانت الخاتون عصمة الدين صالحة دينة، لها معروف وصدقات ورواتب للفقراء وبنت لهم الخانقاه الخاتونية المذكورة، ولها أوقاف كثيرة.

وقد ذكر المؤرخون أنها نامت ليلة عن وردها، فأصبحت وهي غضبى، فسألها السلطان نور الدين عن سبب غضبها، فأخبرته بأمرها فأمر عند ذلك بضرب طبلخانات في القلعة وقت السحر لتوقظ المستغفرين بالأسحار. وبقيت هذه العادة حتى نهاية عصر المماليك.

توفيت رحمها الله بدمشق في ذي القعدة سنة 581هـ/ 1185م، ودفنت بتربتها المذكورة وبلغ السلطان وفاتها وهو مريض بحران، فتزايد مرضه، وحزن عليها وتأسف، وكان يصدر عن رأيها([1]).

[زواج نور الدين من عصمة الدين]

قال أبو شامة المقدسي([2]).

وفي شوال سنة إحدى وأربعين وخمسمئة ترددت المراسلات بين نور الدين ومعين الدين أُنر إلى أن استقرت الحال بينهما على أجمل صفة وأحسن قضية، وانعقدت الوصلة بين نور الدين وبين ابنة معين الدين، وتأكدت الأمور على ما اقترح كل منهما، وكتب كتاب العقد في دمشق بمحضر من رسل نور الدين في الثالث والعشرين من شوال سنة إحدى وأربعين وخمسمئة وشرع في تحصيل الجهاز، وعند الفراغ منه توجهت الرسل عائدة إلى حلب، وفي صحبتهم ابنة معين الدين، ومَنْ في جملتها من خواص الأصحاب في النصف من ذي القعدة([3]).

وقال أبو شامة([4]) أيضاً:

حدثني صديق لنا بدمشق كان رضيع خاتون ابنة معين الدين زوجة نور الدين ووزيرها، قال: كان نور الدين إذا جاء إليها يجلس في المكان المختص به، وتقوم في خدمته،
لا نتقدم إليه إلا أن يأذن في أخذ ثيابه عنه، ثم تعتزل عنه إلى المكان الذي يختص بها، ويتفرد هو، تارة يطالع رقاع أصحاب الأشغال، أو في مطالعة كتاب أتاه ويجيب عنهما.

وقال أيضاً([5]).

[زواج صلاح الدين من عصمة الدين]

وبعد وفاة نور الدين رحمه الله، وفي آخر صفر سنة 572هـ تزوج السلطان (صلاح الدين) بالخاتون المنعوتة عصمة الدين بنت الأمير معين الدين أُنر، وكانت في عصمة نور الدين رحمه الله تعالى، فلما توفي أقامت في منزلها بقلعة دمشق، رفيعة القدر، مستقلة بأمرها، كثيرة الصدقات والأعمال الصالحات، فأراد السلطان حفظ حرمتها وصيانتها وعصمتها، فأحضر شرف الدين ابن أبي عصرون وعدوله، وزوّجه إياها بحضرتهم أخوها لأبيها الأمير سعد الدين مسعود بن أُنر بإذنها، ودخل بها وبات عندها، وقرن بسعده سعدها، وخرج بعد يومين إلى مصر.

وقال أيضاً([6]): وفي هذه السنة سنة 581هـ توفيت الخاتون العصمية بدمشق في ذي القعدة وهي عصمة الدين ابنة معين الدين أُنر، وكانت في عصمة الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله فلمّا توفي وخلفه السلطان بالشام في حفظ البلاد ونصرة الإسلام تزوج بها في سنة 572هـ، وهي من أعف النساء وأعصمهن، وأجلهن في الصيانة، وأحزمهن، متمسكة من الدين بالعروة الوثقى ولها أمر نافذ، ومعروف وصدقات، ورواتب للفقراء وإدرارات، وبنت للفقهاء والصوفية مدرسة ورباطاً.

قلت [أي أبو شامة] وكلاهما ينسب إليها، فالمدرسة داخل دمشق بمحلة حجر الذهب قريب الحمام الشركسي، والرباط خارج باب النصر، راكب على نهر باناس في أول الشرف القبلي. وأما مسجد خاتون في آخر الشرف القبلي من الغرب، فهو منسوب إلى خاتون أخرى قديمة وهي زمرد بنت جاولي أخت الملك دقاق لأمه وزوج زنكي والد نور الدين رحمهم الله.

قال العماد: وذلك سوى وقوفها على معتقيها وعوارفها وأياديها.

وكان السلطان حينئذ بحرّان في بحر المرض وبُحرانه، وعنف الألم وعنفوانه، فما أخبرناه بوفاتها خوفاً من تزايد علته، ونتوقُّد غلته، وهو يستدعي في كل يوم درجاً، ويكتب إليها كتاباً طويلاً، ويلقي على ضعفه من تعب الكتابة والفكر حملاً ثقيلاً، حتى سمع نعي ناصر الدين محمد بن شيركوه ابن عمه، فنعيت إليه الخاتون، وقد تعدّت إليهما المنون،  وكانت وفاة ناصر الدين بحمص في تاسع ذي الحجة فجأة من غير مرض.

               

([1]) مرآة الزمان 8/385، تاريخ الإسلام 12/736، الدارس 1/507، 2/144، 244، خطط دمشق للعلبي 186، 396.

([2]) كتاب الروضتين في أخبار الدولتين 1/180.

([3]) كان ذلك قبل أن يدخل السلطان نور الدين ليصبح سلطان دمشق.

([4]) كتاب الروضتين في أخبار الدولتين 1/34.

([5])  كتاب الروضتين في أخبار الدولتين 2/430.

([6])  المصدر السابق 3/243