الشهيد محمد ياسر صوان

إذا كان من طبيعة الحدائق أن تزدان بالورود الجميلة، ومن طبيعة الكروم أن تزدان بالثمار الشهية، فمن طبيعة الإنسانية أن تزدان بأحرارها وأبطالها، وبنفحات إيمانها، تلك التي لا تهب إلا وهي ممزوجة بأنفاس المجاهدين..

هكذا كان ياسر صوان، أو سمّه الشيخ بدر إن شئت، كما عرفه أهل معرة مصرين وجبل الشاتورية..

كان ياسر رحمه الله شاباً طويل القامة، ذا عينين عسليتين، وشعر خرنوبي، علا جبهة غراء.

أمضى دراسته في بلدته "معرة مصرين" فكان من الأوائل في جميع مراحلها، ثم انتقل إلى كلية الهندسة في حلب، فكان زميلاً وأخاً للرعيل الأول من المجاهدين، واستغل الشهيد البطل وضعه المتستر وغير المكشوف، فكان من فرسان المجاهدين الأوائل الذين ضربوا الأمثلة الحية في البطولة والشجاعة والإقدام، ما ينفك وبسرعة مكوكية ينقل خطاه الجهادية بين إدلب وحلب، وبين الريف والمدينة، فينقل المجاهدين حيناً، والسلاح حيناً آخر ولا يروق له إلا أن يحمل السلاح مع إخوانه لينفذ حكم الله في أعدائه دون كلل أو ملل.

ولا تزال آثار رصاصه محفورة في ميسلون، وساحة الملح، وباب النصر، وجبل الشاتورية وقرية العالية.

وتدور شبهات عارضة حول سيارته، أثناء تجوالها في إحدى مناطق العمليات في حلب، فتعتقله السلطة عدة أيام، ثم تطلق سراحه، فيخرج أشد عزيمة على مواصلة الجهاد، ولسان حاله يردد:

ناديت ربي والدولاب يعصرني           والسوط لان بأيديهم وما لانوا

جحافل الحق شدي كل سابحة          فإثر ركب رسول الله ركبان

بينما تشرئب في روح أبي ياسر ووجدانه، عزيمة الجهاد، فتتفتق شاعريته، ويزداد دعمه لياسر البطل، فيقول:

أودعتك الله ما ضاعت ودائعه           ولا يتم بغير الله احصان

فسر إليها إذا جالت نواظرها             حمراء يضرمها شيب وشيبان

ولا يكتفي بهذا، وهو ابن الجماعة البار، والسباق إلى أفيائها الظليلة، وميادينها المباركة، فيلتقي بالفارس البطل ياسر في الكرم، خارج القرية يتسامران ويتناجيان، ويخططان لخلاص مرتقب من طاغوت الحاقدين، وبينما هما كذلك، تقبل أفواج الوحدات من هنا وهناك، فيتعانق الوالد والولد، ويدير كل منهما ظهره للآخر، بعد أن صليا ركعتي الشهادة، ويتعاهدان على الصدق والصبر، في هذا المأزق الصعب.

وتعمى أبصار الجنود، فيعودون بخفي حنين، بينما تَشتدُّ عزيمة الفارس أكثر فأكثر وقد علت همته، بما زرعه والده في نفسه من حنين إلى لقاء العدو، ومثابرة ومصابرة في طريق الجهاد.. وكما كان موقف الأب عظيماً وجليلاً، كان موقف الأم، حيث جددت الأمل بالأم المسلمة في عصرنا الحاضر وهي تدفع ابنها إلى ميدان الجهاد، فتقول: يا بني الحذر الحذر.. من أن تقع في شراك المخابرات، فيرد ياسر البطل: خسئ الكلاب يا أماه..

وتلد أم ياسر تميماً، فيهرع إليه ياسر، وقد ترقرقت في عينيه دمعتان كبيرتان فيقبله ثم يلتفت إلى أبيه، ويقول: هذا هو ياسر البديل يا والدي، وتتعانق دموع المجاهدين.. الأب، والأم، والابن.. عناقاً يرضى عنه رب العالمين ويخرج ياسر جذلاً فخوراً وهو يردد:

إنا لولا أن لي من أمتي           خاذلاً مابت أشكو النُّوبا

أمة قد فتّ في ساعدها           بُغْضها الأهلَ وحبّ الغربا

وتتابع يوميات المجاهدين خصبة مونعة، فتشرق لهم الشمس حيناً، وتغرب حيناً آخر، فيكون في أمرها ما كان، حتى يأتي يوم يختار الله ياسراً ليكون في عداد الشهداء، فتندفع جموع الإجرام لتطوق قاعدة ياسر حيث كان يربض فيها ينظف ما علق ببندقيته ومسدسه من دخان فلم يشعر إلا وعناصر البغي تطوقه من كل جانب، تطلب منه الاستسلام،.. فيصرخ بأعلى صوته: خسـئتم يا كلاب ثم يقذفهم بقنبلة يدوية.. ثم بأخرى.. سقطت من يده أو قريباً منه فيندفع باتجاهها، ويلقي بنفسه عليها... فتكون الخاتمة.. وتصعد روحه إلى بارئها دون أن تتمكن العناصر المهاجمة من اعتقاله لابتزاز ما عنده من معلومات.. فتكون شهادته هذه عرساً جهادياً لمجاهد بطل، طالما حن بقلبه ووجدانه، إلى مثل تلك الحسنى الربانية. كان ذلك في يوم الأربعاء، من الأسبوع الأخير، من كانون الأول لعام ثمانين وتسع مئة وألف.

ياسر.. أيها المجاهد البطل.. لقد شيعك أبناء شعبك بالهتاف والتهليل والتكبير وعيونهم شاخصة إلى السماء، وقلوبهم تبتهل إلى العلي القدير، أن يعوضهم عنك، بطلاً يقارع استعمار أسد، حتى يقضي الله أمره المفعول، ويخلص الأمة من جزارها، وأن يتغمدك برضوانه ورحماته مع إخوانك المجاهدين الشهداء في عليين.

وعهداً إليك وإلى إخوانك فإننا سنقض مضاجع أسد وأعوانه، وعندما سيزهو الحق، الذي طالما رنا إليه فؤادك وتطلعت إليه نفسك وجاهدت في سبيله، حتى قضيت شهيداً في سبيل الله، وإننا لنلمح الفجر ينبثق من بعيد وصدق الله العظيم "إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب"؟

وسوم: العدد 697