الشهيد عدنان حسن عجعوج
ولد الشهيد عدنان حسن عجعوج في حي الحوارنة بحماة عام 1952م في أسرة فقيرة الحال.
درس الإبتدائية ثم التحق بالإعدادية, ولكن ضيق ذات اليد حال دون مواصلة الدراسة, فالأسرة بحاجة إلى عمله.
اتخذ الشهيد من التجارة مهنة له, واكتسب الخبرة فيها في مدة يسيرة وكان إلى جانب عمله يؤذن في مسجد حيه وحي الحوراني.
التحق أبو الحسن بنتظيم الإخوان المسلمين في عام 1970م وتمتع بمزايا أخلاقية إسلامية عالية, تمثلت في شجاعته النادرة وهمته العالية, وتضحياته الكبيرة في سبيل الله, كتقديم المال والعون والإيواء لإخوانه المجاهدين.
لقد اجتمعت لأبي الحسن كل خصال المروءة من الكرم السخي والشهامة ونجدة إخوانه في أحلك الساعات وأدق الظروف, كان عدنان رقيق القلب, سخي الدمعة عندما يذكر إخوانه المجاهدين الذين لاحقتهم السلطة المجرمة.
بدأ العمل الجهادي فكان في الصف المتقدم يعمل خفية, ويسعى في خدمة إخوانه المجاهدين.
وفي عام 1979, لوحق عدنان, بينما طُلبَ أخوه خالد من المخابرات العسكرية في دمشق, بحجة تكليفه بمهمة عسكرية, وتردد خالد في بادئ الأمر ,ثم ذهب فَزُجَّ به في فرع التحقيق العسكري رقم 215 بدمشق وعذب تعذيباً شديداً وهو منكر أن تكون له أي علاقة تنظيمية بأحد, ثم قضى نحبه شهيداً تحت التعذيب...
ولكن... من أين يشيع جثمان الشهيد؟
أمن بيته فالشهيد لم يعد له بيت يشيع منه جثمانه, فقد أقدم اللواء المأجور محمود القوشجي محافظ حماة آنذاك على هدم البيت وإزالة آثاره مع بيت آخر لآل (مكية) من الحي نفسه وكانت هذه العملية الخسيسة مؤشراً خطيراً على ما يبيته أسد للمدينة.
أما الشقيق الأكبر في الأسرة - إبراهيم- فقد اعتقل وعذب تعذيباً لا يصمد له إلا آحاد المخلصين, وحرم من الطعام والشراب لعدة أيام, على أن يبوح بمكان أخيه المجاهد عدنان, وعمن كان نزيلاً عندهم من المجاهدين, ولكنه رفض, قلعت أظافر قدميه كلها ولم يتحقق للمجرمين ما أرادوا.
أما الأخ الرابع محمد فقد مضى على اعتقاله حينذاك أربع سنوات ولا يزال حتى الآن.
أحضر جثمان الشهيد خالد الى حيه, وشوهدت على جسمه آثار اللكمات والكهرباء والتعذيب ولا يزال الدم ينزف منه عندما شيع الشهيد من مسجد الحوراني, الذي كان يؤذن فيه من قبل.
وحضرت صلاة الظهر, فرفع أذان الشهيد المسجل وتعالى نداؤه: الله أكبر الله أكبر, فالتهبت الأعصاب المؤمنة لهذا النداء الحبيب, يرفعه الشهيد الحبيب.
وانطلق أبناء المدينة, يحملون جثمان الشهيد, وحناجرهم تهتف شعار الفلاح: لا إله إلا الله, والشهيد حبيب الله, والقاتل عدو الله، والتهبت مشاعر أبناء المدينة الوفية لأبنائها, وأقفلت محلات المدينة وسار الجميع في موكب الشهيد الحبيب..عبر المواطنون بالجثمان مستوصف الحوارنة الى شارع/12/ ربيع الأول فالشرطة العسكرية, فساحة العاصي, حيث مقر حزب السلطة, فارتعدت فرائص الفئران المختبئة فيه, ودب الذعر فيها, فراحوا يطلقون النار على المواطنين كحال ضربات الجبان الرعديد, وأصيب على أثرها مواطن حموي مسن من آل الجندي, ثم عاد أحباب الشهيد وإخوانه بجثمانه وواروه في مقبرة (العشر) قبل أن يدركهم مغيب الشمس.
أراد عدنان ان يحضر ليلقي نظرة الوداع على أخيه, لكن إخوانه منعوه من ذلك خشية اعتقاله, فامتثل لأمر مسؤوله, كان بذلك مثالاً للطاعة والالتزام, كان يجتهد مع إخوانه في الليل, ويسمي هاتيك الليالي بعرائس المجاهدين..
وكثيراً ما كان يمضي أياماً بلا مأوى وذلك بعد هدم المجرمين لبيته. نام ذات ليلة بجوار قبر أخيه وهو يروي لي الحادثة والدموع تنهمل من عينيه وناجى ربه في سكون الليل: يا رب هدم بيتنا, وأصبحت أمي وزوجة أخي وأولادها بلا مأوى, واعتقل أخي منذ أربع سنوات, واعتقل أخي إبراهيم, واستشهد أخي خالد, كل ذلك هين في سبيلك, ولكن كل الذي أرجوه منك يا رب أن تكون راضياً عني, وأن لا تضيع أولاد أخي فهم من غير مُعيل.. والجدير بالذكر أن أخاه الأكبر إبراهيم قاتل قتال الأبطال في شباط 1982 واستشهد, وكم سمعته وهو يتأوه ويقول: يا رب ارزقني الشهادة في سبيلك فما قيمة الحياة بعد إخواننا الذين سبقونا الى الجنة؟ ولكأني به قد عرف أنه سيستشهد لكثرة ما كان يرددها على لسان الصدق والإخلاص.
أما عدنان فإنه رغم قسوة تلك الظروف التي مرت عليه وعلى أسرته إلا أنه والله كان صابراً محتسباً, لم يعبأ بما فعل المجرمون بذويه, لأنه لا يريد إلا إرضاء الله , ودخول جناته وكم مرة دعا الله أن يرزقه الشهادة في سبيله.
وبعد استشهاد البطل بسام أرناؤوط, رفيق جهاده, وحبيب فؤاده الذي يكن له المودة خاصة ندرت بين الشقيق وشقيقه، ومن عرف بسام عرف الصدق والتضحية والتقوى والإخلاص والتفاني والعزة وكل معاني الإسلام وبسام أعرفُ من أن يُعرَّف.. فقد عرفه أبناء سورية من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، ولما استشهد هذا البطل ثارت ثائرة عدنان وقال: لا, أبو محمود (ويعني بسام) لم يستشهد, وعلى أثرها انطلق الشهيد أبو الحسن نحو شارع 12ربيع الأول (الثامن من آذار), مع ثلة من إخوانه الأطهار, وشنوا عدة هجمات ناجحة على الوحدات الخاصة وأصابوا منهم مقتلاً وكانت المدينة حينذاك محاصرة يعيث فيها المجرمون فساداً وتمشيطاً.
وقد كان الأخ عدنان على موعد مع إخوانه المجاهدين, من أجل القيام بمهمة جهادية, ومر في طريقه بأحد إخوانه المجاهدين فتوضأ وصلى صلاته ثم انطلق رغم إلحاح الأخ عليه بأن يمكث قليلاً حتى يفتح الطريق من حيه إلى الحي الآخر الذي يقصده لكنه أبى, وبينما كان ينتقل من حي إلى آخر وهو مدجج بسلاحه, بعد أن استكشف الدرب أصابته رصاصة غادرة في صدره من أحد عملاء السلطة فتحامل الأخ على جرحه البليغ ووصل إلى أحد البيوت, ووضعت أمه رأس ولدها على يديها, فأوصاها بالصبر وعدم الحزن, وبشرها بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للشهداء.
وتنزف دماء أبي الحسن, ويدرك أن ساعة اللقاء باخوانه الشهداء قد دنت وقد حالت السلطة دون إسعافه فطلب من أمه أن توجه وجهه صوب القبلة ففعلت, ثم نطق الشهادتين, وفاضت روحه إلى بارئها, حيث النعيم المقيم.
أخي أبا الحسن ستظل ذكراك في قلوبنا ما حيينا, وعهداً لله لا نحيد عنه, إننا سنظل على الدرب سائرين, مهما اشتدت المحن, وادلهمت الخطوب, والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ومن الملاحظ ان أسرة عجعوج هي ثاني أسرة منكوبة في حماة بعد أسرة الحاج وجيه العلواني, فقد تعرض بيتهم للهدم, ونالت المحنة سائر أفراد الأسرة بلا استثناء.
وسوم: العدد 699