الشهيد مهدي الإدلبي، من شهداء الإخوان في حرب فلسطين
وكما ينمو البرعم الغض في الدوحة الغناء، ويتفتق نضارة وعطراً، شب أبو معاذ وترعرع في روضة الشيخ محمد الحامد رحمه الله، ورضع من رحيق مختوم، حيث كان الشيخ يضوع أنفاسه العطرة، ويوزعها لحناً خالداً، يشيع البِشْرَ والطمأنينة في القلوب المنكسرة إلى الله.. ويجذبها برفق إلى حيث أراد لها سبحانه..
وكما ينتقل الشبل من جانب إلى آخر في العرين، وينتقل الطائر الغريد من غصن إلى آخر في الروضة الغناء، انتقل أبو معاذ من روضة الشيخ الطاهر إلى حيث الشهيد مروان حديد.. فلازمه ملازمة الرجل لظله، ونهل من معينه العذب ما أَهَّله للسير قدماً على طريق الشهداء الصادقين..
كان رحمه الله وسيماً كريماً ذا شخصية مرحة، لا تكاد البسمة تفارق فمه ولا تكاد تراه غير حامد شاكر، رغم قسوة الحياة.. ووعورة الدرب، ورغم ضيق السجن حيناً وقسوة الأجراء حيناً آخر.. ورغم عربدة النظام وسلطته الوحشية في كل الأحيان.. وهذا ما أهله إلى السير قدماً على طريق الجهاد فالتحق بمعسكر المجاهدين في الأزرق.. في الأردن.. عام 1968م حيث تعرف هناك إلى المجاهدين المسلمين.. الذين قدموا من أقطار شتى.. لغرض الجهاد في سبيل الله على رحاب الوطن السليب ويقدم مهدي وأَكْرِمْ به من مقدم.. بطلاً شجاعاً ينتزع الإعجاب.. ويحوز على ثقة الإخوان المجاهدين.. فيفرز للتدريب في المعسكر ليضوع ذات الأنفاس الطيبة، التي عَبَّها ذات يوم من كلا المجاهدين الكبيرين.. الشيخ محمد الحامد.. والشيخ مروان حديد.. رحمهما الله.. فيجدد نسغ الحياة، بتجدد الينابيع.. ويتجدد العطاء.. ببروز الكمون.. وتَفتُّقِ الطاقة.. وبالانكشاف عن المعدن الثمين.. بعد أن ران عليه ما ران.. حيث فلسطين تمد ذراعيها كالغرقى، وحيث المجاهدون في الخضم المصطخب يغالبون صخبه وعتوه ويمدون سواعدهم الفتية بغية الإنقاذ..
وفي ليلة الخامس من حزيران عام 1969م ليلة الذكرى الثانية لهزيمة حزيران – قام الأخ أبو معاذ بتنفيذ عملية فدائية جسورة على بطاح فلسطين.. بعد أن تسلل وإخوانه عبر الأغوار.. وبعد تنفيذ العملية بنجاح.. أصابت بضع طلقات غادرة الأخ أبا معاذ.. فسقط شهيداً على ثرى الوطن الطاهر.. الذي طالما حن إلى دماء الشهداء في ليل الحاضر المظلم..
وقد كان على آل الإدلبي الذين قدموا ولدهم البار مهدي الإدلبي مجاهداً شجاعاً على بطاح فلسطين الحبيبة أن يتحملوا تبعات ذلك وأن يكون جزاؤهم جزاء سنمار – على يد الخائن أسد بعدوان جديد عليهم.. فاستشهد ابنهم الثاني في مجازر حماة 1982م ونُهب متجرهم وهدم بيتهم بالإضافة إلى حيهم بالكامل.
كل ذلك جرى ولسان الحال يقول وقد تحول الحاضر إلى أطلال:
لقد وجدت اليهودية في أسد شقها الآخر.. لتحارب العروبة والإسلام.. بينما كانت عطاءات المجاهدين تؤكد حتمية النصر رغم أنف العدوان.. وصولة المعتدين..
رحمك الله يا أبا معاذ.. ورحم آلك وإخوانك وأثابك جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.
وسوم: العدد 701