الشيخ الداعية الفقيه المحقق محمد صبحي حسن حلاق
( 1372ه/ 1954م – 1438ه / 2017م )
اسمه وولادته ونشأته :
ولد الشيخ الفقيه أبو مصعب محمد صبحي بن حسن حلاق في مدينة تفتناز، في ريف إدلب في شمال سورية، عام 1372 هـ الموافق عام 1954 م .
نشأ الشيخ محمد صبحي حلاق نشأةً إسلامية بحتة، ومنذ نعومة أظفاره بدأ يقرأ العلم الشرعي على شيوخ عصره وأعلام مصره والأمصار التي وصل إليها في شبابه، كالأردن حيث جلس فيها ستة أشهر، ثم ذهب إلى بلاد الحرمين للحج والعمرة في عام 1981 م، ثم اتجه لليمن منذ ذاك الوقت إلى يومنا هذه .
شيوخه ودروسه على أهل العلم، والعلوم التي تلقاها عنهم:
تلقى شيخنا علوم العقائد والقرآن وعلومه، والحديث ومصطلحه، والفقه وأصوله، وعلوم العربية على علماء عدة في مدينة حلب الشهباء، وحماة ، ودمشق، وهاك تفصيل شيوخه والعلوم التي تلقاها عنهم :
من أبرز شيوخه:
1) الشيخ عبد الحميد عز - رحمه الله - والشيخ خالد بن محمود خطيب - رحمه الله - قرأ في الكتَّاب القرآنَ الكريم كاملاً عليهما، وهو مجاز برواية حفص عن عاصم فقط .
2) أخذ عن الشيخ محمد عبدو ديب درساً عامةً وخاصة بمعرتمصرين في محافظة إدلب عام 1962 م .
3) أخذ عن الشيخ الدكتور نور الدين عتر الحلبي: علوم القرآن وعلوم الحديث في ثانوية إبراهيم هنانو في حلب عام 1965 م -1966 م . وأخبرني أنه التقى بشيخه مرةً أخرى بعد مجيئه اليمن، ودار بينهم حوار .
4) حضر دروس العلامة الشيخ عبد الله سراج الدين التي كانت تعقد في حلقته العلمية إذ ذاك .
5) حضر دروس العلامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة الحلبي التي كانت تعقد في حلقته العلمية وفي مسجده إذ ذاك .
6) قرأ على الشيخ محمد أديب الكيلاني الحموي، - في حلب الشهباء في جامع العادلية - الكتب التالية ( المعرفة لعبد الكريم الرفاعي )، و( قصة الإيمان للشيخ نديم الجسر ) و( شرح جوهرة التوحيد للشيخ إبراهيم الباجوري ) .
7) قرأ على الشيخين : عدنان سرميني الحلبي وهشام سرميني الحلبي – في جامع العادلية حلب – الفقه الشافعي والفقه الحنفي .
8) حضر دروس الشيخ العلامة محمد الحامد الحموي – رحمه الله – وأجازه بجميع كتبه، وكتب الإجازة عليها بخطه مع الإهداء .
9) حضر دروساً عدَّة في مساجد دمشق التي كانت تبلغ الدروس في مساجدها بـ(360 ) درساً في اليوم .
10) أخذ عن الشيخ العلامة محمد هاشم المجذوب شافعي عصره وفريد مصره الملقب بالشافعي الصغير – في جامع السنجقدار في دمشق – الكتب التالية: ( الترغيب والترهيب للمنذري ) و( المجموع شرح المهذب للنووي ) ، و( إعانة الطالبين للنووي )، وكتب أخرى مختصرة ومطولة في الحديث ومصطلحه .
11) قرأ على الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي – في دمشق الفيحاء – كلاً من ( كبرى اليقينيات الكونية ) له، و( فقه السيرة ) له .
12) أخذ عن العلامة المقرئ عبد الوهاب دبس وزيت الدمشقي الفقه الحنفي .
13) أخذ عن الشيخ عبد الحفيظ الحافظ الدمشقي ( شذور الذهب في معرفة علوم العرب لابن هشام الأنصاري ) و( قطر الندى لابن هشام أيضاً ) و( شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ) .
14) حضر دروس العلامة الشيخ خالد شقفة فقيه الشافعية في مدينة حماة .
15 ) قرأ على مجموعة من أهل العلم في عصره الذين كانوا يدرسون في معهد الروضة الهدائية بحماة الكتب التالية :
في النحو ( شذور الذهب لابن هشام ) و( قطر الندى لابن هشام ) و( شرح ابن عقيل على الألفية ) .
في الفرائض ( شرح الرحبية للسبط المارديني ) .
في مصطلح الحديث ( تدريب الراوي للسيوطي ) .
في أصول الفق ( أصول الفقه لعبد الوهاب الخلاف ) .
في التوحيد ( جوهرة التوحيد ) . قلتُ: والشيخ على عقيدة أهل السنة والجماعة، وإنما هذه الكتب في بداية الطلب .
في الفقه الشافعي ( إعانة الطالبين ) و( الإقناع في حل مسائل أبي شجاع للخطيب الشربيني ) .
في الحديث ( سبل السلام للصنعاني ) .
في التفسير ( تفسير آيات الأحكام للسايس ) .
في البلاغة ( البلاغة الواضحة لعلي الجارم ) .
وكتب أخرى في المنطق ...وغيره .
16) حضر بعض الدروس لفضيلة الدكتور عبد الوهاب بن لطف الديلمي في تفسير أبي السعود، وخرَّج بعض الأحاديث التي تمرُّ خلال الدرس، ويتلوها على الحاضرين الشيخ الديلمي لحسن ظنه به وحبه له، ولذلك فإنَّ الشيخ الديلمي من المشجعين للشيخ حلاق في استمرارية التحقيق وقدّم له ما يحتاج بقدر الاستطاعة ويقدم له بعض تحقيقاته، ويثني عليه .
17) الشيخ العلامة قاضي اليمن محمد بن إسماعيل العمراني، للشيخ حلاق معه مواقف كثيرة من تشجيع له وتيسير أموره ومساعدته والدعاء له، وقد أجازه العمراني مرات كثيرة وذلك من محبته له، وكانت آخر إجازة له في يوم الأحد 19 محرم 1421 هـ الموافق 23/4/2000 م بحضور الشيخ العلامة ياسين جاسم المحيمدـ، والشيخ الفقيه عامر حسين أبو المقداد، والشيخ المسند عادل حسن أمين، وأولاد شيخنا حسان حلاق، وعبد الرحمن حلاق .
وللمزيد من أخبار الشيخ ومعرفة أسانيده يراجع في كتاب: ( تحفة المشتاق بأسانيد محمد صبحي حلاق ) لعلي بن شيخنا ياسين المحيمد .
** لقد التقى شيخنا المحقق محمد صبحي حلاق بعدد من العلماء وتناقش معهم منهم :
1) الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – التقى به مراراً في الأردن وهو صغير، ثم التقى به في الأردن وأثنى الشيخ الألباني على تحقيق الروضة الندية وأوصاه بالتثبت، ودار بينهم نقاش حول أخذ ما زاد على القبضة من اللحية، لأنَّ لحية شيخنا طويلة فوق القبضة وزيادة .
2) الشيخ المحدث مقبل بن هادي الوادعي – رحمه الله – التقى به ثلاث مرات:
اللقاء الأول: في جامع الدعوة بصنعاء :حول كتاب الشيخ مقبل ( المخرج من الفتنة ) وحضره كل من باغويطة صاحب مكتبة العلاء بن الحضرمي بالمكلا، والشيخ عبد الله اليزيدي .
اللقاء الثاني: حول حجية الإجماع حضره الشيخ محمد عبد الوهاب الوصابي .
اللقاء الثالث: عند الوادعيين الشيخ صالح الوادعي والشيخ محمد الوادعي: وكان موضوع اللقاء حول الاستعانة بالمشركين . وكان اللقاء في بيت الشيخ محمد الوادعي، وحضره الشيخ عبد المجيد الريمي، والشيخ محمد البيضاني .
3) الشيخ المحدث عبد المحسن العباد – حفظه الله – التقى به في بيته بالمدينة النبوية، وكان اللقاء في مواضيع ومنها حول كتاب تطهير الاعتقاد للصنعاني، وحضره الشيخ عبد الرزاق العباد وغيره .
4) الشيخ المحدّث حمَّاد الأنصاري – رحمه الله – بالمدينة النبوية، وكان موضوع اللقاء نقاش حول إطالة التحقيق وأهمية التخفيف في التحقيق .
5) الشيخ المقرئ عبد العزيز عيون السود – ولا أدري الآن في ماذا كان اللقاء -
هذه بعض الجلسات واللقاءات مع أهل العلم التي طلبتها من الشيخ في لقائي معه فذكر لي ما يحضره، وقال لي جلسات أخرى مع بعض أهل لا يحضرها الآن .
وسألته: هل التقى بأحد من الشيخ ابن باز أو العثيمين - رحمهما الله - ؟ فقال: لا .
الأعمال والوظائف التي شغلها :
1) عمل الشيخ إماماً وخطيباً في محافظة دمشق لمدة أربع سنوات .
2) عمل إماماً ومدرساً في محافظة إدلب لمدة ست سنوات .
3) درّس كتاب ( سبل السلام للصنعاني ) وكتاب ( الرسالة للإمام الشافعي ) في جامع الدعوة بصنعاء .
4) عمل إماماً وخطيباً في صنعاء لمدة تسع سنوات .
5) درَّس كلاً من الفقه والأصول والحديث والمصطلح والمواريث، في معهد صنعاء العلمي بأقسامه الثلاثة ( عام ) ( شرعي ) ( معلمين ) لمدة ثمان سنوات، خلَّف كثيراً من الطلاب الذين منهم من صار مدرساً وبعضهم إماماً أو خطيباً أو عالماً أو مهندساً أو طبيباً أو مسئولاً .
6) عمل موجهاً في إدارة الثقافة والنشاط الاجتماعي التابع لوزارة التربية والتعليم في اليمن لمدة خمس سنوات .
7) شارك في وضع مناهج جامعة الإيمان، حيث قرر له كتاب ( بداية المجتهد ونهاية المقتصد ) لابن رشد الحفيد بتحقيقه . وكتاب ( الدراري المضية شرح الدرر البهية للشوكاني ) بتحقيقه .
مؤلفاته :
لم يعتن الشيخ محمد صبحي حلاق بالتأليف إكثاراً وكثرةً قدر عنايته بالتحقيق وإخراج النصوص المحققة وإحياء التراث، وسأتكلم هنا عن مؤلفاته التي ألفها، ومن ثم عن تحقيقاته، أما مؤلفاته فهي كالتالي :
1) الفوائد المجتمعة لخطيب الجمعة . ط: دار ابن حزم – بيروت .
2) اللباب في فقه السنة والكتاب . ط: مكتبة الصحابة – القاهرة .
3) الأدلة المرضية لمتن الدرر البهية . ط: دار الفكر – بيروت .
4) المعين في فقه السنة والكتاب المبين .ط: دار الفكر – بيروت .
5) الشباب عوامل تكوينهم وأسباب مشكلاتهم في ضوء الكتب والسنة .ط: مكتبة المعارف – الرياض .
6) الأحاديث القدسية في الصحيحين وشرح مفرداتها . ط: مكتبة المعارف – الرياض .
7) رجال تفسير الطبري جرحاً وتعديلاً .ط: دار ابن حزم – بيروت .
8) الإيضاحات العصرية للمقاييس والأوزان الشرعية .ط: دار الجيل الجديد – صنعاء .
9) اللباب لتخريج المباركفوري لقول الترمذي وفي الباب . ط: دار إحياء التراث العربي – بيروت .
10) بغية المتفقهين لأدلة منهاج الطالبين للنووي . ط: دار ابن كثير – دمشق .
11) مدخل إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة . ط: دار الندى .
12) الشامل الميسر في الفقه .
وله مؤلفات أخرى لكنها لم تكتمل بعدُ .
تحقيقاته :
لقد قام الشيخ الفقيه محمد صبحي بن حسن حلاق – رحمه الله- بتحقيق التراث اليمني، وتعتبر هذه خدمة للتراث اليمني لم يكن لها نظير من قبل، فقد حقق كل كتب الإمام الشوكاني والإمام الصنعاني وغيرهما، وسأتحدث عن ذلك في غير هذه الوقفة .
وهذه وقفة مع تحقيقه التراث غير اليمني، وما يقوم به الآن، وهو كالتالي :
1) تيسير العلام شرح عمدة الأحكام / عبد الله البسام : مكتبة الصحابة القاهرة، ومكتبة الإرشاد بصنعاء. وهو مقرر المعاهد العلمية والشرعية باليمن، في مادة الحديث .
2) إتحاف الأمة بتخريج أحاديث فقه السنة / بالاشتراك : مكتبة الصحابة القاهرة
3) الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث / ابن كثير : دار الجيل الجديد بصنعاء .
4) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم / أبو السعود : دار الفكر بيروت
5) معارج القبول بشرح سلم الأصول / للحكمي : دار ابن الجوزي بالدمام .
6) بداية المجتهد ونهاية المقتصد / ابن رشد الحفيد : مكتبة ابن تيمية بالقاهرة .
7) العقيدة الواسطية / ابن تيمية : مؤسسة الريان بيروت .
8) الإنصاف في بيان الاختلاف / ولي الله الدهلوي: ( بالاشتراك ) : دار ابن حزم بيروت .
9) تحذير أهل الإيمان من الحكم بغير ما أنزل الرحمن / الأسعردي : دار البيارق : بيروت .
10) شرح الصدور في ذكر ليلة القدر / الحافظ العراقي : مؤسسة الريان بيروت .
11) استخراج الجدال من القرآن الكريم / ابن الحنبلي : مؤسسة الريان بيروت .
12) النبذة في أصول الفقه / ابن حزم : دار ابن حزم بيروت .
13) رسالة في السماع والرقص / محمد المنبجي الحلبي : دار ابن حزم بيروت .
14) إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث ومقدار المنسوخ من الحديث / ابن الجوزي : دار ابن حزم بيروت .
15) شرح وبيان لحديث ما ذئبان جائعان / ابن رجب الحنبلي : مؤسسة الريان بيروت .
16) شرح حديث: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي / ابن تيمية : مؤسسة الريان بيروت .
17) الأول من كتاب التمييز للإمام مسلم : مكتبة المعارف بالرياض .
18) الروضة الندية شرح الدرر البهية لصديق حسن خان / دار ابن تيمية القاهرة .
19) بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام للحافظ ابن حجر / دار ابن تيمية القاهرة .
20) فتح العلام شرح بلوغ المرام لأبي الخير بن صديق حسن خان / مكتبة المعارف بيروت .
21) رد المحتار على الدر المختار ، المعروف بحاشية ابن عابدين ( بالاشتراك ) دار إحياء التراث بيروت .
22) السموط الذهبية الحاوية للدرر البهية - لم يطبع بعد - .
23 ) أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي ( بالاشتراك ) دار الرشيد دمشق .
24) مختصر سنن أبي داود للمنذري (1-2) تحقيق وتعليق وتخريج . مكتبة المعارف بالرياض .
25) مختصر سنن أبي داود للمنذري مع معالم السنن للخطابي (1-3 ) تحقيق وتخريج وتعليق -مكتبة المعارف بالرياض .
26) سير أعلام النبلاء للذهبي ( 28 مجلداً ) دار الرشد - لم يطبع - .
27 ) صحيح مسلم بشرح النووي ( 1-18 مجلداً ) دار الرشد - لم يطبع - .
وغير ها كثير يقوم الشيخ بتحقيقه، نفع الله به الإسلام والمسلمين .
** هذه مجموعة من كتب الإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني - رحمه الله - قام بتحقيقها الشيخ المحقق / محمد صبحي بن حسن حلاق - أثابه الله - وقدَّمها للمسلمين بعد طول غيابٍ لبعضها - جزاه الله عن الإسلام وأهله خيراً - وهي كالتالي :
1) إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة . ط: دار ابن حزم بيروت .
2) سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام . ط: دار ابن الجوزي - الدمام .
3) إجابة السائل شرح بغية الآمل لنظم الكامل . ط: دار ابن كثير - دمشق .
4) تفسير غريب القرآن . ط: دار ابن كثير - دمشق .
5) التنوير شرح الجامع الصغير ( قيد التحقيق لصالح دار ابن الجوزي - الدمام .
6) التحبير لإيضاح معاني التيسير - لم يطبع - مكتبة الرشد ناشرون - الرياض .
7) الإحراز لما في أساس البلاغة من كناية ومجاز - لم يطبع - مكتبة الرشد ناشرون - الرياض .
8) فتح الخالق في شرح مجموع الحقائق والرقائق في ممادح رب الخلائق . ط: المكتبة الإسلامية - القاهرة . ( 1 - 2 ) .
9) عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير . ط: وقد طبع في دار ابن كثير - دمشق، ويتضمن ( 178 ) رسالة ، ويقع في ( 1 - 9 ) مجلدات .
وقد حقق الشيخ جميع كتب الشوكاني .
ومن طريف ما يروى عنه : قصته مع ( الفتح الرباني ) للشوكاني :
ذكر الشيخ قصته مع كتاب ( الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني ) الذي طبع بمكتبة الجيل الجديد بصنعاء، وهي كالتالي :
لمَّا دخل الشيخ صبحي حلاق اليمن في عام 1981 م تقريباً، كان كثير التردد على مكتبة دار القدس بصنعاء، أيام كان يتواجد فيها الشيخ عبد الله اليزيدي وعبد القادر باغويطة، وفي مرةٍ من المرات لقي فيها شيخاً كبير السن، وتعرف عليه، ألا وهو شيخه القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني - فقيه اليمن - وتعرَّف عليه، وذكر له أن يحب الشوكاني ويحب كتبه، فأخبره الشيخ العمراني أنه يوجد عنده بعض الأجزاء من كتاب ( الفتح الرباني ) للشوكاني، فأعطاه ما عنده من الأجزاء، والكتاب مكوَّن من ( خمسة أجزاء ) ثم تابع شيخنا حلاَّق بقية الأجزاء هنا وهناك، حتى اجتمع له ( الجزء الأول والثاني والثالث والخامس ) أما الرابع فلا، فسأل عنه، فأخبره ( المقحفي: من المسؤولين على مكتبة الجامع الكبير ) أنَّه خرج من المكتبة من فترة بعيدة ولم يعد، فهو مفقود .
لكن عزم الشيخ استمرَّ في البحث عن الجزء الرابع هنا وهناك لعله يجده .
وفي يوم من الأيام والشيخ في بيته إذ بطارق على الباب، ففتح شيخنا فإذا هو برجل غريب لا يعرفه، يقول له: هل تشتري مني هذا ؟ فنظر الشيخ فيه فإذا هو الجزء الرابع من ( الفتح الرباني ) صورة منه، فحمد الله، فقال الغريب: أريد ثمانين ألفاً يمنياً، فقال الشيخ : أعطيك ستين ألفاً . فقال الغريب: بل ثمانين ألفاً . فدفع له الشيخ ما أراد من المبلغ، وسأله من أين أتى به ؟ ومَن هو اسمه ليثبته على الكتاب، فرفض، وأخذ المال، وولى .
قال الشيخ فاتصلت على الشيخ العمراني وأخبرته ففرح، وقال لي : ابدأ التحقيق، فبدأ الشيخ التحقيق، حتى خرج الكتاب للناس في طبعته هذه اليوم .
* جواب للشيخ عن منظومات متن (الدرر البهية ) للشوكانى :
نظمه الشيخ الضمدي أحد أعلام اليمن ، وقد قام الشيخ حلاق بتحقيقه وانتهى منه، وهو جاهز للطباعة .
* تذكير من الشيخ في بيان العناء الشديد في تحقيق المخطوطات:
تذكير لأولي النهى في بيان العناء الشديد في تحقيق المخطوطات، وخاصة إذا لم يكن لها إلا مخطوطة واحدة:
يظن بعض الناس أن تحقيق الكتاب المخطوط لا يعدو أن يكون شكلياً، لا يخرج عن مقابلة النسخ دون مجهود ذهني يُذكر من المحقق . وهذا حكم مَن لم يمارس تحقيق المخطوطات، ولم يذق عناءه ومرارته ويكتوِ بناره، والواقع أنَّ التحقيق عملٌ مضني، وعقبة كؤود، وليس بالأمر الهيِّن، بل يحتاج إلى صبرٍ ومصابرة، وفطنة ويقظة، في تقليب الكلمة على كافة وجوه احتمالاتها، حتى يصل به الفكر إلى قرارٍ تطمئنُّ إليه نفسه، ويرتاح ضميره بأنه أصاب ما قصد المؤلف .
وقد قال بعض الأدباء: إنشاء عشر ورقات من حرِّ اللفظ وشريف المعاني أيسر من إتمام نقصٍ أو إصلاح تصحيف أو كلمة ساقطة، حتى يستقيم الكلام ويتصل .
فلذا كان العمل في تحقيق المخطوطات يحتاج إلى دقة وانتباه وحذر، مع تقوى الله سبحانه فيما يقوم به من عمل فلا يحاول أن يزيد حرفاً أو كلمة من عنده دون الإشارة إلى ذلك بالطرق المصطلح عليها، وذلك عند الضرورة .
اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة، ولوجهك خالصة، ولا تجعل فيها شركاً لأحد .
حوار معه :
تحدث عن رفضه عروض من بشار الأسد بالعودة لسوريا : " المشهد اليمني "ينفرد بنشر حوار نادر ولم ينشر مع محقق التراث اليمني العلامة محمد صبحي حلاق
بالأمس توفي في صنعاء الشيخ العلامة محمد صبحي حسن حلاق ربما كثيرون لا يعرفونه ولكن هذا العالم السوري حقق العشرات من كتب العلمية للعلامة شيخ الإسلام الشوكاني ولإبن الأمير الصنعاني ولغيرهم من أعلام اليمن وقدم للمكتبة اليمنية والعربية العشرات من الكتب الهامة التي حققها وألفها ومع هذا يرحل في صمت ويتجاهله الإعلام اليمني والعربي وكأن شيئاً لم يكن فمن هو الشيخ محمد صبحي حسن حلاق ؟
الزميل محمد مصطفى العمراني ألتقى بالشيخ محمد صبحي حلاق في صنعاء قبل سنوات ، وتحدث إليه ونقل للمشهد اليمني خلاصة لقاءه بالشيخ محمد صبحي حسن حلاق رحمه الله :
ـ لقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يلتقي كاتب هذه السطور بالشيخ محمد صبحي قبل سنوات على غير تخطيط وميعاد وفي أحد الأماكن العامة حيث حدثني الشيخ رحمه الله عن أمور شتى سأروي لكم خلاصتها ذلك أن الشيخ عندما علم أنني صحفي وأخبرته أنني أود الكتابة عنه أكد لي مرارا وتكرارا بعده عن السياسة طوال حياته وروى لي أسباب هجرته من سوريا واستقراره في اليمن وأسباب رفضه عروض عديدة من الرئيس السوري بشار الأسد بالعود إلى سوريا وأسباب فشله في الحصول على الجنسية اليمنية رغم خدمته الكبيرة للتراث اليمني وحرصه على الحصول عليها ورغم توجيه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح للمسئولين بمنحه الجنسية اليمنية كما روى لي قطوف من حياته ومواقف وتجارب عاشها فقال :
• أسباب الهجرة من سوريا إلى اليمن ؟؟
ــ أنا من قضاء البوكمال بسوريا كنت قبل أكثر من 35 عاما قد درست القضاء والتوجيه والإرشاد ، وكنت أخطب في الجامع بمنطقتي خطبة الجمعة وبعد الخطبة يأتيني استدعاء من المخابرات فأذهب وأقابل المسئول الذي طلبني فيقول يا شيخ محمد أنت خطبت الجمعة وهاجمت النظام وانتقدت السلطة فأقول : أنا قلت قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم فيقول نعم ولكن الكلام هذا يمكن تأويله على أنه هجوم على النظام ونقد للسلطات وللسياسات الرسمية ـ يقول الشيخ ــ : لكن أنا ما لي دخل بالسياسة أنا ألقي خطبة الجمعة بالحكمة والموعظة الحسنة من كتاب الله ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أما تأويلكم لها على هذا النحو فهذا شيء آخر يخصكم .
ويضيف الشيخ محمد صبحي : ودخلت السجن مرات عديدة ثم أنهم كانوا لا يجدون ضدي دليلاً يدينني فيفرجون علي وبعدها طرحوا علي الأمر بصراحة وقالوا : يا شيخ محمد أنت بعدك 20 ألف غرام في البوكمال قبيلتك والناس يثقون فيك ويسمعون كلامك ولو كنت معنا وانضممت للحزب ـ حزب البعث ـ سنعطيك منصب كبير في الدولة وسيكون لك امتيازات ووو.... ألخ .
ولما يئسوا مني وأنني لن أقول للناس ما يريدون ولكن ما قال الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وحسب وكان هذا أيام حافظ الأسد خيروني بين الانضمام للبعث أو النفي من سوريا، فاخترت الهجرة إلى اليمن .
وجئت إلى اليمن، واستقر بي المقام هنا وكان القاضي محمد بن اسماعيل العمراني من الشخصيات اليمنية التي وقفت معي والقاضي رجل كما يقول المصريون " سُكَرة " أمدني بمخطوطات علمية عكفت على تحقيقها وأخرجت عشرات الكتب والرسائل من مصنفات العلامة الشوكاني وغيره من أعلام اليمن وتلقيت هجوما حادا من مختلف التيارات العلمية اليمنية لكن أحدهم لم يتصل بي أو يناقشني ومع هذا فما قدمته من عمل كنت أريد به وجه الله والله أعلم بالنيات وهو من سيحاسبنا ومن عملنا لأجله .
• لماذا فشلت في الحصول على الجنسية اليمنية ؟
ـ طالما وأنت لك هنا أكثر من 35 عاما فأنت قانونا تستحق الجنسية اليمنية ؟
ـ حاولت جاهدا الحصول على الجنسية اليمنية ولكنني فشلت رغم أن القاضي العمراني وشخصيات يمنية سعوا لي عند الرئيس السابق علي عبد الله صالح وقالوا له : هذا رجل خدم التراث اليمني وحقق مؤلفات علماء اليمن ويستحق الجنسية ..
قاطعته ــ لكن يا شيخ محمد ما هي الميزات التي ستحصل عليها بهذه الجنسية فأنت مقيم في اليمن وتعيش بشكل طبيعي ؟!
ــ أنا كنت أريد الجنسية اليمنية حتى أستطيع الخروج من اليمن إلى بعض الدول والبلدان مثل مصر وغيرها كانت تستقبل أبناء اليمن بدون تأشيرة لكن بالجواز السوري ما أستطيع الخروج من اليمن .
ــ لنعد إلى قصة الجنسية وطالما أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح قد وجه بمنحك الجنسية فما الذي عرقلها ؟
ــ المشكلة أنني شخص معروف ولو كنت مغمور ربما نلتها بسهولة والتوجيه حينها كان من الرئيس إلى وزير الداخلية قبل سنوات طويلة وهذا الوزير رفض وقال : " نحن ما ناقصين مطاوعة وأصحاب لحى " وحاولت ولكنه أصر، فوكلت أمري إلى الله .
• عروض بالعودة إلى سوريا
ــ هل عرضوا عليك العودة إلى سوريا ؟
ـ نعم تواصلوا معي من السفارة السورية وأبلغوني أن الرئيس بشار الأسد يريدني أن أعود إلى سوريا ولكن بنفس الشروط السابقة فرفضت وفضلت البقاء في اليمن وأشكر أبناء اليمن وفي مقدمتهم القاضي محمد بن اسماعيل العمراني الذي يتواصل معي باستمرار ويطمئن على أحوالي دائما حفظه الله ونفع بعلمه .
• البعد عن السياسة والإعلام وشكر للقاضي العمراني
ـ والآن شيخنا كيف ترى الأمور ؟
ــ بالنسبة لي أنا مستقر هنا بصنعاء واستأجرت بيت لي في ذهبان وخصصت دور كامل للمكتبة فأنا لدي كتب كثيرة ودور لي وللعائلة وقد أوصيت أولادي بعدم الخوض في السياسة وحتى ابتعدت عن الظهور الإعلامي رغم أني تلقيت دعوة من الفضائية اليمنية التي عرضت استضافتي ولكني رفضت .
لقد صاهرت أبناء اليمن فأحد أولادي زوجته بفتاة يمنية من البيضاء والآخر زوجته بفتاة من عمران والحمد لله على كل حال .
وفاته :
توفي الشيخ محمد صبحي حسن حلاق- رحمه الله - يوم السبت 9 ربيع الآخر 1438 هجرية / الموافق 8 كانون 2 عام 2017م ، في العاصمة صنعاء بعد مرض شديد ألم به، وقد تمت الصلاة عليه بعد صلاة العصر في مسجد الخير بمنطقة شميلة في صنعاء عاصمة اليمن .
أصداء الرحيل :
وقد نعاه تلميذه الشيخ أبو إسحاق محمد بن سعيد بكران الحضرمي فقال :
19 موقفًا مع شيخنا محمد صبحي حلاق –رحمه الله-
بلغني اليوم 9 ربيع الثاني 1438هـ وفاة شيخنا المحقق محمد صبحي حسن حلاق –رحمه الله- في صنعاء، فأحببتُ أن أدوِّن بعض ما يحضرني من مواقف وفوائد من خلال صحبتي للشيخ –رحمه الله- ولقاءتي به ومراسلاتي إيَّاه.
أقول:
أوَّل لقاء لي مع شيخنا محمَّد صبحي حسن حلاق –رحمه الله- كان في: 6/7/1423هـ، في جمع من شباب حضرموت في زيارته إلى بيته وأهدانا فيها تحقيقه على "الفتح الرباني" للشوكاني، و"معارج القبول" للحكمي، ثمَّ زرتُه في الليلة التي بعد هذه الليلة، وكتب لي تزكية كنتُ أريد تقديمها لمواصلة الدراسة.
ثمَّ توالت زيارتي له كلَّما سافرتُ إلى صنعاء، ويهدينا غالبًا شيئًا من تحقيقاته وغير تحقيقاته، وأذكر أنَّي زرته بعد زواجي في رجب سنة 1430هـ بصحبة الأهل، وقرأتُ عليه يومها ثلاثيات الإمام البخاري ومقدِّمات بعض كتب الإمام الشَّوكاني وغيرها، وأجازني خطِّيًّا مرتين، وأقام لي وليمة في اليوم الثَّاني بمناسبة زواجي، وفي هذه الزيارة كتبتُ له ترجمة أملاها عليَّ، وناولني بعض ما عنده ممن كتب عنه، وأخبرني أنَّ زوجته كتبت كتابًا بعنوان "زوجي العالم الذي عرفتُه"، وقمتُ بنشر ترجمته على موقع ملتقى أهل التفسير، وهي الترجمة الأولى له تنشر على النت، ونقلها النَّاس بعد ذلك عن ملتقى أهل التفسير.
ثمَّ زرتُه بُعيد أحداث الثورة اليمنيَّة في ربيع أوَّل سنة 1433هـ في بيته الجديد الذي انتقل إليه بعد الأحداث التي حصلت بصنعاء وما أصيب به بيته بمنطقة الحصبة، وهجرته إلى الحديدة مدَّة أسبوعين أو نحوها، وهي الزيارة الأخيرة لي إليه في صنعاء، وتوالت بعدها اتصالاتي به ورسائلي إليه حتى قبل وفاته بشهر وقليل.
وهنا أسجِّل بعض المواقف والدروس والعبر من حياته رحمة الله عليه:
1) أخبرني أنَّه ولد في سوريا سنة 1372هـ المواقف: 1954م، وأخذ عن علماء الشَّام، وسافر إلى الأردن وجلس بها ستة أشهر، وسافر إلى بلاد الحرمين للحج والعمرة أكثر من عمرة، وسافر إلى تركيا أيَّامًا، واستقرَّ به المقام في اليمن حتى وفاته صباح اليوم السبت 9/4/1438هـ.
2) تميَّز شيخنا -رحمه الله تعالى- بتنوع مشايخه وكثرتهم في الأخذ عنهم، ومنهم: الشيخ محمد عبدو ديب –من إدلب-، والشيخ د. نور الدين عتر الحلبي –في حلب-، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة الحلبي، والشيخ محمد أديب الكيلاني الحموي –في حلب-، والشيخين: عدنان سرميني الحلبي وهشام سرميني الحلبي، والشيخ محمد هاشم المجذوب شافعي عصره وفريد مصره الملقب بالشافعي الصغير –في دمشق-، والشيخ د. محمد سعيد رمضان البوطي –في دمشق-، وفي اليمن حضر مجالس الشيخ القاضي محمد إسماعيل العمراني والشيخ د. عبد الوهاب الديلمي –في صنعاء-.
وأجازه جماعة من هؤلاء العلماء وغيرهم، وقد جمعهم الشيخ علي ياسين المحيميد في كتابه "تحفة المشتاق بأسانيد الشَّيخ محمد حسن صبحي حلَّاق" رأيتُ مسودته عند شيخنا –رحمه الله- وصورتُ بعضه.
3) أخبرني أنَّه التقى بعدد من علماء العصر، ومنهم:
- الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله- وهو صغير، ثم التقى به في الأردن وأثنى الشيخ الألباني على تحقيق الروضة الندية وأوصاه بالتثبت، ودار بينهم نقاش حول أخذ ما زاد على القبضة من اللحية، لأنَّ لحية شيخنا طويلة فوق القبضة وزيادة.
- التقى بالشيخ المحدث مقبل بن هادي الوادعي –رحمه الله- ثلاث مرَّات.
- الشيخ المحدث عبد المحسن العباد –حفظه الله- في بيته بالمدينة، وكان اللقاء في مواضيع ومنها حول كتاب تطهير الاعتقاد للصنعاني.
- الشيخ المحدّث حمَّاد الأنصاري –رحمه الله- بالمدينة، وكان موضوع اللقاء نقاش حول إطالة التحقيق وأهمية التخفيف في التحقيق.
- الشيخ المقرئ عبد العزيز عيون السود –رحمه الله-.
4) شغل عددًا من الأعمال والوظائف، ومنها: عمل شيخنا إمامًا وخطيبًا في محافظة دمشق لمدة أربع سنوات، وكذا عمل إمامًا ومدرسًا في محافظة إدلب لمدة ست سنوات.
وأمَّا في اليمن: عمل إمامًا وخطيبًا في صنعاء لمدة تسع سنوات، ودرَّس كلاً من الفقه والأصول والحديث والمصطلح والمواريث، في معهد صنعاء العلمي بأقسامه الثلاثة –لمدَّة ثمان سنوات-، وعمل موجهًا في إدارة الثقافة والنشاط الاجتماعي التابع لوزارة التربية والتعليم في اليمن لمدة خمس سنوات، وغير ذلك من الأعمال.
5) لم يعتن شيخنا بالتأليف كثرةً قدر عنايته بالتحقيق وإخراج النصوص المحققة وإحياء التراث، وكتبه المحققة المطبوعة شاهد عيان على ذلك، بدار ابن الجوزي بالدمام، ومكتبة الرشد بالرياض، ومكتبة المعارف بالرياض، ودار ابن كثير بدمشق، وغيرها من دور النَّشر التي طبعت للشيخ كتبه وتعاقدت معه في ذلك.
6) أول كتاب ألَّفه "الفوائد المجتمعة لخطيب الجمعة"، وأول كتاب حققته "الدراري المضيّة، شرح الدرر البهية في المسائل الفقهية" للإمام الشوكاني، وهو مقرر في جامعة الإيمان بصنعاء.
7) كتاب "فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير" حققه شيخنا محمد صبحي بن حسن حلاق -رحمه الله- وهو من المشاريع العلمية لصالح دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع بالدمام.
8) حدَّثني شيخنا محمد صبحي بن حسن حلاق –رحمه الله- أنه رأى في المنام الإمام الشوكاني، وهو مسرور لما يقوم به من تحقيق لكتبه ونشرها بين المسلمين، وشعر منه شيخنا الرضى، والدعاء له.
ثم أخبرنا شيخُنا حلاق شيخَه القاضي محمد إسماعيل العمراني –حفظه الله- بهذه الرؤيا، ووصف الرجل الذي رآه في المنام، فقال له القاضي العمراني: إنه الإمام الشوكاني. وذلك أنَّ القاضي العمراني يعرف الشوكاني عندما رآه في قبره بعد فترةٍ من الزمن وحفر قبر الشوكاني لحادثةٍ حصلت وأرادوا نقل جسده، فرآه الشيخ العمراني، ونزل إلى قبره.
9) ذكر لي شيخنا –رحمه الله- قصته مع كتاب "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني" الذي طبع بمكتبة الجيل الجديد بصنعاء، وقد سمعتُ هذه القصة من شيخنا أكثر من مرة، وهي كالتالي :
لـمَّا دخل شيخنا صبحي حلاق اليمن في عام 1981م تقريبًا، كان كثير التردد على مكتبة دار القدس بصنعاء، أيام كان يتواجد فيها الشيخ عبد الله اليزيدي وعبد القادر باغويطة –حفظهما الله-، وفي مرةٍ من المرات لقي فيها شيخًا كبير السن، وتعرف عليه، ألا وهو القاضي القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني –حفظه الله- وتعرَّف عليه، وذكر له أن يحب الشوكاني ويحب كتبه، فأخبره القاضي العمراني أنه يوجد عنده بعض الأجزاء من كتاب "الفتح الرباني" للشوكاني، فأعطاه ما عنده من الأجزاء، والكتاب مكوَّن من "خمسة أجزاء" ثم تابع شيخنا حلاَّق –رحمه الله- بقية الأجزاء هنا وهناك، حتى اجتمع له "الجزء الأول والثاني والثالث والخامس" أما الرابع فلا، فسأل عنه، فأخبره المقحفي -من المسؤلين على مكتبة الجامع الكبير-: أنَّه خرج من المكتبة من فترة بعيدة ولم يعد، فهو مفقود.
لكن عزم شيخنا استمرَّ في البحث عن الجزء الرابع هنا وهناك لعله يجده.
وفي يوم من الأيام وشيخنا –رحمه الله- في بيته إذ بطارق على الباب، ففتح شيخنا –رحمه الله- فإذا هو برجل غريب لا يعرفه، يقول له: هل تشتري مني هذا ؟ فنظر شيخنا –رحمه الله- فيه فإذا هو الجزء الرابع من "الفتح الرباني" صورة منه، فحمد الله، فقال الشخص الغريب: أريد ثمانين ألفًا يمنيًا، فقال شيخنا –رحمه الله-: أعطيك ستين ألفًا. فقال الغريب: بل ثمانين ألفًا. فدفع له شيخنا –رحمه الله- ما أراد من المبلغ، وسأله من أين أتى به ؟ ومَن هو اسمه ليثبته على الكتاب، فرفض، وأخذ الفلوس، وولَّى.
قال شيخنا –رحمه الله-: فاتصلت على القاضي العمراني وأخبرته ففرح، فجاء من بيته في ساعتها فرحًا، وقال: ابدأ التحقيق. فبدأ شيخنا –رحمه الله- التحقيق، حتى خرج الكتاب للناس في طبعته هذه اليوم في 12 مجلدًا.
10) حدَّثني مرَّة فقال: أنا لا أحب الكتب والتحقيق، بل أعشق الجلوس مع الكتب والتحقيق.
11) قد يظن البعض أن شيخنا –رحمه الله- يحسن استخدام الكمبيوتر وآلات البحث الحديثة، والمكتبة الشَّاملة، ولكن شيخنا على عكس ذلك تمامًا فهو لا يحسن استخدام الكمبيوتر ولا الانترنت إلى آخر عهد لي به سنة 1433هـ، ولكن شيخنا يكتب بيده كل ما يحقق ولديه نهمة عجيبة في الصبر على قراءة المخطوطات، فهو يجلس يوميًّا على التحقيق اثنا عشر ساعة، من السادسة صباحًا إلى السادسة مساءًا عدا الجمعة، هكذا أخبرني –رحمه الله-، وفي السَّنوات الأخيرة أخبرني أن لديه بريد إلكتروني ويستخدم الواتساب، وبيني تواصل وإياها بالواتساب كثيرًا.
15) ينتقد بعض اليمنيين إخراج شيخنا –رحمه الله- كتب أهل اليمن كالشوكاني والصنعاني وغيرهما، قال شيخنا –رحمه الله-: (لقد أعجبني شيخي العمراني –حفظه الله- عندما قيل له: هذا حلاق سوري يحقق التراث اليمني. فقال: نمتم فجاء هذا السوري ليخرج لكم تراثكم -جزاه الله خيرًا-).
16) تميَّز شيخنا بتخصصه بكتب علماء أهل اليمن وعلى رأسهم الإمامين الشوكاني والصنعاني وأصبح له بكتبهما اختصاص، فهو أدرى بما فيها من غيره.
17) أخبرته بوفاة الشيخ شعيب الأرناؤوط –رحمه الله- فكتب إليَّ: (رحم الله الشيخ شعيب الأرناؤوط رحمة واسعة وأسكنه في عليين، اللهم تجاوز عنه وأكرم نزله وأخلف الأمة خيرًا، لقد ثلم سيف الإسلام بموت الشيخ شعيب، وهكذا بموت العلماء يثلم سيف الإسلام).
18) سألته قائلاً له: الشيخ شعيب الأرناؤوط –رحمه الله- هل أكمل تحقيقه للمستدرك؟
فقال –رحمه الله-: لا. لم يكمله والكتاب يحتاج إلى جهد كبير جدًّا، أنا لو وجدتُ دار تطبعه لعملته على ست مخطوطات نادرة، وقريب بعضها من عصر الحاكم على مستوى عالٍ بـ: 16 مجلدًا.
19) سألته قائلًا له: ما أحب كتبكم وتحقيقاتكم إلى قلبك، رأيتَ النَّاس انتفعت به؟
فقال –رحمه الله-: (أحبها هو "نيل الأوطار" و"فتح القدير" لابن الأمير، والآن "فتح البارئ" يخرج إن أطال الله العمر بـ: 36 مجلدًا، و"النيل" نموذج مصغر عن "الفتح").
ثم قال: (وأبشر،، من فترة طويلة سلَّمتُ دار ابن الجوزي الكتب التالية –محققة ومراجعة-:
- صحيح مسلم بشرح النووي 13 مجلد، على 6 مخطوطات.
- الترغيب والترهيب للمنذري، على ست مخطوطات، بمجلد.
- زاد المعاد لابن القيِّم، على 17 مخطوطًا، يخرج بـ: 6 مجلدات.
- فتح القدير للشوكاني، على مخطوطتين، إحداهن بخط الشوكاني، ويخرج بـ: 16 مجلدًا.
- التنوير شرح الجامع الصغير، لابن الأمير، محقق على 4 مخطوطات، ويخرج في 14 مجلدًا).
ثم قال: (والأهم "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" لابن حجر، الهدي مقدمة الفتح على 4 مخطوطات، والصحيح على 3 مخطوطات، والفتح على 12 مخطوط، وتوفرت عندي طبعة اليونيني والسلفية والبابي الحلبي وكل مطابع لهذا الشرح، منذ 10 سنوات أعمل به، ينتهي إن شاء الله بعد سنتين، ويبلغ 40 مجلدًا بعون الله).
وقال: (أنا نويتُ أن يكون الفتح خاتمة أعمالي، بكلِّ ما أوتيت من علم ومعرفة) ثم ذكر لي منهجه في تحقيقه. وهذه من آخر مراسلتي معه قبل عدَّة أسابيع.
فهذه مواقف وفوائد كتبتُها بحسب ما تحضرني الذَّاكرة ووجدته بين يدي الآن، والمواقف مع شيخنا –رحمه الله- كثيرة، ويكفيه فخرًا في خدمة تراث الأمة وتحقيقاته لكتب الإمامين الشوكاني والصنعاني –رحمهما الله تعالى-، فأسأل الله تعالى أن يغفر له ويرحمه، ويثبته بالقول الثابت في قبره، ويرفع درجته في عليين، وأن يجزيه خيرًا على ما قدَّم لأمة الإسلام،،، اللهم آمين .
وكتب الأستاذ عمير الجنباز ( حماة ) على صفحته على الفيسبوك :
هو أستاذنا العلَّامة الجليل محمد صبحي حسن حلاق ، الذي سطعت شموس تحقيقه ومعارفه، وزكت عروس تدقيقه وعوارفه، وطابت في النَّاس سيرته، وحسنت سجاياه وسريرته، مع التَّواضع والوقار وبذل العلم لطالبيه، رحمه الله تعالى وكرَّم مآله ومآبه....
وكتب الشاعر الإسلامي الكبير يحيى حاج يحيى يقول :
عرفته في مكتبة الأخ عبد الباسط حلي بجسر الشغور، في أواسط السبعينيات وكان كثير التردد إليها، يحمل من الكتب والمراجع ما يجعلني أشفق عليه حملاً لها ، ودفعاً لثمنها ! ثم اشتدت أواصر الأخوة بيننا وبينه ، فدعوناه لإلقاء دروس في جامع البكري في الفقه ، وكنا نتناوب على ذلك في ستة أيام خلال شهر رمضان : شيخنا نور الدين الخطيب - رحمه الله - والأخوان عبد الرحيم ومحمد منصور،. ومن يأتينا زائراً من أهل العلم ! وتم تحديد يوم الاثنين له بعد صلاة العصر لكثرة
الوافدين إلى المدينة من الأرياف والقرى المجاورة ، فنفع الله به وبعلمه أناساً كثيرين !! وفي انتفاضة الثمانين لم ينقطع التواصل بيننا، فحين كنا في الجبال، كان إخواننا يزورونه كل فترة ، للاطمئنان عليه، في الوقت الذي كان فيه مجرمو البعث البائد يحصون خطواته وحركاته !؟
وحين أحسوا باقتراب اعتقاله ؛ إذ لم يبق أحد من معارفه ، أصروا على إخراجه، ولسان حاله :
(( والله لولا أنهم أخرجوني لما خرجت )) ، فقلبه معلق بمسجده ورواده ، وبمكتبته العامرة التي تعدل عنده المال والولد ! ثم أخبرنا الإخوةُ ونحن خارج البلاد أن أبا مصعب أصبح عند الشباب في الجبل ، وهو بخير ! فرأى بعض الأخوة أن يأتينا
ووصل إلى عمّان فكان لقاؤنا حافلاً امتزجت به دموع الفرح مع دموع الشكر ، وامتد اللقاء بنا إلى صلاة الفجر، يحدثني وأحدثه ! ثم استقر الرأي أن يذهب إلى اليمن للعلم ، والدعوة !
وأعلم بعضُ الإخوة أستاذنا أبا محمود، محمد الحسناوي بحضوره ، ولم يكن بينهما سابق معرفة إلا بالاسم ، فعاتبني على رحيله ! وأن هناك حاجة لأمثاله، ثم اقتنع بعد ذلك بأن مقامه بيننا يمكن أن يسده أخ آخر وأن سفره الى اليمن خير للدعوة وله ! وهكذا كان ! فتفرغ - رحمه الله - للعلم والاطلاع والتحقيق ، فأفاد ولله الحمد تأليفاً وتحقيقاً ودعوة وتبليغاً! ولم ينقطع التواصل بيننا بالرسائل والهاتف ، أسأله وأنتفع بأجوبته ، ويرسل لي بعض كتبه مع القادمين للحج، وأحصل على قسم منها من المكتبات والمعارض !!
وقد بارك الله له في علمه ووقته ! فتجاوز ما ألفه واختصره وحققه عشرات المجلدات والكتب النافعة رحم الله أخانا أبا مصعب، وجمعنا به في مستقر رحمته تحت لواء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم !
مصادر الترجمة :
- مشاركة في موقع ملتقى أهل التفسير .
- ملتقى أهل الحديث .
- الموقع الرسمي للمكتبة الشاملة .
- صفحة الأستاذ يحيى بشير حاج يحيى على الفيسبوك .
- صفحة الأستاذ عمير الجنباز على الفيسبوك .
- موقع الشيخ مقبل الوادعي ، وقد أجاب فيه على سؤال حول الشيخ الحلاق.
- وفاة الشيخ المحقق محمد صبحي حلاق – شبكة أنا المسلم على الانترنت .
- موقع أخبار اليمن - على الشبكة العالمية .
- أعلام وشخصيات – موقع هوية بريس ..وغيرها .
وسوم: العدد 702