الشيخ الداعية محمد عيد سليم البغا
((1930- 2009م ))
ولد الشيخ الداعية أبو سليم محمد عيد سليم البغا في دمشق عاصمة سورية عام 1930م لعائلة كريمة وعريقة .برز فيها الدكتور مصطفى البغا أحد أساتذة كلية الشريعة في دمشق ، ...
ونشأ، وتربى في جو الميدان في دمشق بين الشيوخ الكبار، ونهل العلم والأدب والأخلاق منهم .
أعماله :
وعمل معلماً، ثم موجهاً في المدارس السورية .
ثم افتتح مكتبته الشهيرة (( مكتبة دار الفتح ))، وعمل فيها لغاية خروجه من سورية مع عائلته إلى لبنان .
وبعد أربع سنوات عاد مع عائلته إلى سورية، وتابع عمله في المكتبة .
وفي عام 1980م غادر مع عائلته إلى الأردن .
وكان أحد الأعضاء المؤسسين في حركة الإخوان المسلمين في سورية ، وارتبط بعلاقات طيبة بجميع الأطراف ، وكانت له صحبة خاصة بالأستاذ الداعية عصام العطار حفظه الله، وانتخب في القيادة المشتركة عام 1980م ومثل الطلائع الإسلامية تحت قيادة فضيلة المراقب العام د. حسن هويدي رحمه الله .
ومن أبرز أصدقائه : الشيخ زهير شاويش ، والكاتب المؤرخ محمود شاكر ، ود . موفق دعبول ، ..وغيرهم .
وكان – رحمه الله – جريئاً يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم ، ولا يعرف أسلوب اللف والدوران ولا يجامل أحداً ويمقت الكذب ولو كلفه ذلك كثيراً .
الاهتمامات الشخصية :
وقد ملأت الدعوة المباركة قلبه وفكره، فكان دائم الحركة، ومهتماً بالسياسة والعمل الاجتماعي والتربوي والخيري .
أحواله الاجتماعية :
وفضيلته الشيخ أبو سليم تزوج من السيدة الفاضلة أمل محمد عرار عام 1966م وله منها عدة 8 أولاد عرف منهم الأستاذ خالد أبو عبادة ...
وفاته :
توفي رحمه الله تعالى في عمان عاصمة الأردن في 24 / 12 / 2009م ودفن في مقبرة سحاب ، واستراح ذلك المجاهد بعد حياة حافلة بالبذل والعطاء والدعوة إلى الله ونشر العلم وطباعة المفيد من الكتب وترك عائلة مسلمة ملتزمة وتلاميذ كثيرين رحمه الله تعالى وعوض الأمة برجال من أمثاله .
أصداء الرحيل :
-ومما كتبه الأستاذ عصام العطار عن المرحوم أبي سليم :
لقد كانت حياتُه كلُّها من نشأته إلى شيخوخته ووفاته ، لِدينِهِ وأمتِه وبلادِه ، حسبما بَلَغَتْهُ طاقتُه ، ووصلَ بهِ إليهِ اجتهادُه ، فكان له وجودُه الملحوظُ في ميادين الدعوة والحركة والسياسة والعمل الاجتماعيّ والخيريّ ؛ ولكنَّ الخطَّ الأصيلَ المستمرَّ الأبرزَ في حياته إنّما هو خطُّ التربيةِ والتعليم ، والصفةَ الحميدةَ المتقدّمةَ في صفاتِه إنّما هي صفةُ الأبِ أو الأخِ المعلِّم المربِّي
مارسَ التعليمَ والتربية شاباً في بعض المدارس ، ومارسَ التربيةَ والتعليمَ حيثما وُجِدَ من بَعْدُ في مدرسة الحياةِ التي لا تعرفُ الحدودَ والجدران
وكانت صلتُه بالشبابِ حيثما حَلَّ من البلادِ صلةَ الأبِ والأخِ والمربّي ، يحبُّهم كما يحبُّ أبناءَه ، ويرعاهم كما يرعى أبناءه ، ويحرص على دينهم وخُلُقهم وتقدّمهم كما يحرصُ على ذلك عندَ أبنائه ، وهذه مَزِيّةٌ يعرفُها له مَنْ عرفوه عن قُرْب ، ويذكرُها له مَنْ رعاهم من التلاميذ والطلاب ، وأصبحوا من بَعْدُ أساتذةً كباراً ، وعناصرَ بارزةً مِعْطاءَةً في مجالاتهم المختلفة
أما مكتبته التي أنشأها في دمشق قبل أن يغترب عن دمشق : « دار الفتح » ، فلم تكن مجرد مكتبة كبيرة تجمع عدداً كبيراً من الكتب فحسب ؛ ولكنها كانت قبل ذلك مدرسة ثقافية حرّةً أمينة راقية ، يدخلها الطلبة والتلاميذ وشداةُ المعرفة والثقافة فلا يجدون في صاحبها (أبي سليم) التاجرَ بائعَ الكتب الذي يهمه تصريف بضاعته بأيّ شكل ؛ بل يجدون فيه قبل ذلك الأستاذَ المعلّمَ المثقّف الناصح : هذا الكتابُ يفيدُك في دراستك أو بحثك ، هذا الكتابُ لا يفيدك كثيراً ، هذا الكتابُ يوجدُ في موضوعه ما هو أفضل منه . ويسألُه سائلون في مشكلاتٍ دراسية ، ويسأله سائلون في مشكلاتٍ شخصية ، فيجدون عنده الصدر الرحب ، والمشاركة الوجدانية ، والرأيَ السديد ، والعون العمليّ حيثما أمكنَ العون .. لقد كانت مكتبة دار الفتح مدرسةً فَذَّة ، مدرسةً ثقافيةً واجتماعيةً وخلُقية ، روحُها وفكرُها وأداتُها التنفيذية بالدرجة الأولى أبو سليم
وتتقدّم بأبي سليم السن ، أو بالجدِّ أو بالعمِّ أبي سليم -كما يحبُّ أن يدعوَه بعضُ الشبابِ والكهولِ والشيوخ - فيضعفُ منه الجسم ، ويُلِحُّ عليه المرض ، فيُلزمُه الفراشَ أو يُصَعِّبُ عليه المسير ، ولكنْ لا يحول بينه وبين ما يستطيعُه من عطاء . ونراه بيننا في ألمانيا ، في بعض قَدَماتهِ الاضطراريةِ إلى ألمانيا ، فنفرح ونحزنُ في وقت واحد ، نفرح للقاء أخ حبيب قد لا نلقاه من بَعْد ، ونحزن لروحٍ عظيم ، وطموحٍ عظيم ، وعزمٍ عظيم في جسم سقيم سقيم لا يكاد يقوى على المسير ، وعلى تحقيق اليسيرِ اليسيرِ من آمالهِ الكبار الكبار
الروحُ في الأفقِ آمالٌ مُجَنَّحَةٌ والجسمُ في القيد لم يُسْعِدْ جناحاهُ
ويرحلُ عنّا أبو سليم إلى ما نرجوه له ، وندعو له به من رحمة الله ومغفرته وثوابه وفضله .
ولا أقول وداعاً يا أبا سليم، ولكنْ أقولُ إلى اللقاء .
اليوم مات علم من أعلام الدعاة :
-ومما كتبه الأستاذ الدكتور منير محمد غضبان عن المرحوم أبو سليم (( اليوم مات علم من أعلام الدعاة )) :
اليوم مات علم من أعلام الدعاة، والدعاة بعضهم من يملأ الدنيا دوياً بقوله وخطبه، أو بمقالاته وكتبه، وهم لمأجورون إن شاء الله إن أحسنوا النية.
ونوع ثانٍ منهم يملأ قلوب أبنائه وإخوانه ثقة وتوجيهاً وتسديداً، وهو بعيد عن الظل، لا يكاد يعرف اسمه إلا من تربَّى على يده، وأفخر أني كنت ممن تربيت على يديه، والذي علمني أصول العمل الإسلامي وضوابطه، وكان يلجم عواطفنا بالحكمة، ويربينا بالموعظة الحسنة.
ذلكم العلم الهادي هو الأستاذ محمد عيد البغا، والذين يعرفون اسمه هذا قلّة جداً، أما هو فقد عُرف بين الدعاة بـ أبي سليم.
نشأ وتربى في جوِّ الميدان في دمشق بين الشيوخ الكبار ونهل منهم، ولم يتجاوز في سلمه الوظيفي معلماً في المرحلة الابتدائية، ثم اختار بعدها الموقع العظيم لإدارة معمل الدعاة من خلال مكتبته الشهيرة التي يعرفها القاصي والداني من أجيالنا حين كنا شباباً، مكتبة دار الفتح، حيث يجد الدعاة بغيتهم، والعلماء المخلصون مصادرهم وتراثهم، والأدباء ذخائرهم، والسياسيون مراجعهم، وكان في هذا الموقع خلية نحلٍ تتعامل مع كل فئة ممن ذكرنا بما يناسبهم.
صوته الهادئ المتواضع وسَمْته الحياء المبتسم، يفرض عليك أن تتلقَّى نصائحه كما تتلقَّى حبات اللؤلؤ النضيد، ورافق الدعوة الإسلاميةـ دعوة الإخوان المسلمين في سورية منذ نعومة أظفاره، ونعومة أظفارها شريكاً في قراراتها المصيرية، وشريكاً في محنها وانتصاراتها، ولعله يبرز عند المحنة أكثر من بروزه عند النصر. ويحسُّ أنه يحمل عبء الدعوة والدنيا على كتفيه، ويحمل عبء الشباب المندفع الذي يريد أن يقاوم الباطل بسلاحه الأعزل، فكان عليه أن يوزِّع المهمات والتوجيهات، على كل هذه النماذج الشبابية، فهو حبيب الشباب، وحبيب الشيوخ، كنا نهابه، ونخشى خلافه، وكنا نحبه، فمخزن الأسرار والأخبار عنده.
ولا أدري كيف أستطيع أن ألمَّ بكليمات في مقال، بقائد وعلم سار عمره كله الذي ناف على التسعين عاماً، لم يكل عن متابعة المسيرة الدعوية للأمة لحظة واحدة، وكان صنوه الحبيب، وقائده وشريكة في هذه المسيرة، رائد الجيل الإسلامي في سورية الأستاذ عصام العطار المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين في سورية، ونتقدم من هذا المنبر للأستاذ عصام القائد الشريك بوافر التعزية ولأبناء الأستاذ البغا ومحبيه بالتعزية في وفاته، وهو بحمد الله حي في قلوب عشرات الألوف الذين يعرفونه دون مظاهرة جماهيرية، إنما من خلال لحمة فردية.
وسأتناول ذكرى واحدة من ألوف الذكريات هزتني وربتني على يديه:
حضر إلى التل من دمشق مع كل إخوانه ومحبيه من قادة الجماعة ليشارك في حفلة عرس في منتصف الستينيات، وحيث كنا غارقين في عالم الدعوة من خلال المسرحيات والتمثيليات، وكانت مسرحية العرس: بائعة اللبن، وهي المرأة التي سمعها عمر رضي الله عنه ترد على أمها التي تدعوها إلى خلط اللبن بالماء:
يا أمه إن لم يرانا عمر أفلا يرانا رب عمر.
وكنا لأول مرة قد أشركنا شاباً في وضع الموسيقى التصويرية للمسرحية، وتم تناول العشاء، وابتدأت المسرحية، وبعد أقل من ربع ساعة استدعاني قائلاً: حضرنا من دمشق لمشاركتكم فرحتكم. فإما أن توقفوا الموسيقى التصويرية، ونتابع حضور الحفل. وإما أن ننسحب من الحفل عائدين إلى دمشق.
وتألمنا كثيراً لكن لا مندوحة لنا من الطاعة، وأتممنا المسرحية دون موسيقى تصويرية، وفي اليوم الثاني ونحن نتناول الغداء قال الأخ الدكتور أحمد فرحات له:
أنتم تدرسوننا كتاب منهج الفن الإسلامي للأستاذ محمد قطب يقول فيه: الموسيقى فنٌّ إسلامي أصيل، فقال: هذا على العموم لا على التفصيل.
فقال له الدكتور فرحات: وابن حزم يبيح كل أنواع الموسيقى.
فأجاب أستاذنا الحبيب: قال العلماء: من الحزم أن لا تأخذ برأي ابن حزم.
وعاش في دمشق في أجواء المحنة والصراع المحموم بين النظام السوري والحركة الإسلامية، وكان ضد المواجهة المسلَّحة للنظام، وحاول ما استطاع الحيلولة دون التفلت والأعمال غير المسؤولة التي قد يقدم عليها الشباب، ثم مضى إلى الأردن آملاً أن يصحِّح المسيرة كلها، لكن تيار المواجهة المسلحة كان أكبر منه.
وحاول أن يُرشِّد تيار المواجهة نفسه، وقال لأكبر المتحمِّسين للمواجهة آنذاك:
أنت لا تصلح للقيادة، وأنت رجل متسرِّع، ولا يصلح للقيادة إلا الرجل المكيث.
وعندما وجد نفسه عاجزاً عن ترشيد المسيرة اعتزلها وجلس في بيته مكتفياً بالدعاء والصلاح للعاملين.
وكان يرى في نظرته الاستراتيجية المستقبل المظلم لآثار هذه المواجهة، وكنا شباباً آنذاك نخالفه الرأي، فيصبر علينا، ويبلِّغنا رأيه، ويتَّسع صدره العظيم لكل ترهاتنا.
لقد خلق داعية صموتاً، ومصلحاً للقلوب من خلال القطرات الندية التي تبنت الإيمان والهدى والبصيرة في القلب، حتى كان إخوانه يسمونه الجدار الإسمنتي، لأنه لا يستجيب لأي داعية من دواعي الهيجان العاطفي، وأكتفي بالقول عنه كما وصف الشاعر طوقان الفدائي:
صامت لو تكلما لفظ النار والدما
لا تلوموه قد رأى منهج الحق مظلما
وبلاداً أحبها ركنها قد تهدما
قل لمن عاب صَمْته خُلِقَ الحزم أبكما
هو بالباب واقف والرَّدى منه خائف
فاهدئي يا عواصف خجلاً من جرأته
رحم الله فقيدنا الغالي، وعوض الأمة أمثاله: وإننا يا حبيبنا أبا سليم نقول لك:
إنَّ العين لتدمع، وإن القلب ليخشع، وإنا على فراقك يا أبا سليم لمحزونون، وما نقول إلا ما يرضي الرب.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
وستبقى ذكراك في قلوبنا ونصائحك نبراساً في عقولنا، نسأل الله تعالى لك المغفرة والمثوبة والرحمة، وأن يحشرك الله تعالى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
- عندما يموت الدعاة :
وكتب الشيخ محمد هيثم عياش مقالة نشرها في 02كانون 2010م :
غيب الموت الذي كتبه الله على عباده أجمعين مؤخراً بالعاصمة الأردنية عمان كما قرأتم وسمعتم الأستاذ محمد عيد البغا / أبو سليم / .
ونعاه الأفاضل مثل أستاذنا الكبير عصام العطار حفظه الله تعالى وهو أعلم به مني ومن الجميع .
والأستاذ أبو سليم - رحمه الله - يمتُّ بصلة رحم من قبل أبواي وإن كنت لم أعاشره كثيراً إلا أنني كنت ألمس منه صدق الجهاد والدعوة إلى الله تعالى بالإحسان فقد روينا عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول : إن الله يحب من عباده العبد التقي النقي الغني الخفي فالذين أمثال هؤلاء العباد قليلون في أيامنا هذه .
لما كنت صغيراً وأثناء اقامة والدي في بيروت أواسط الستينات حتى أوائل السبعينات كنا نألف العم أبو سليم نذهب إلى دار الفتح ، ونقرأ القرآن، ويستمع لنا، ويصحح لنا ، ولما سمح حافظ أسد عليه من الله ما يستحق لبعض قادة الإخوان المسلمين السوريين بالعودة إلى سوريا بعيد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 كنت ممن رافق الأستاذ عيد البغا - رحمه الله - بالعودة إلى دمشق في سيارة صغيرة لنقل البضائع كان صاحبها لبناني مسيحي يعمل في صناعة تجليد الكتب اسمه / أبو الياس / وقال لأبي سليم : إن سألك شرطة الجمارك أمعك شيء يجب عليه دفع الضريبة فقل / لا / وعند نقطة الجمارك منطقة / المصنع / سألة موظف الجمارك إن كان معه شيء فقال / لا / ولكن جهاز رائي / تلفزيون / فأخذ منه الضريبة ، فقال أبو الياس لأبي سليم ألم أقل لك : إن تقول له / لا / فقال أبو سليم - رحمه الله - : أنا لا أستطيع أن أكذب .
إلا أن أبا سليم لم يبقَ في عاصمة الأمويين إلا أشهراً معدودات وغادرها مع من غادرها إلى عمان والله بيننا وبين النظام السوري فالطاغوت عندما يحكم يصبح أعمى أصم فاقد للحكمة جاهل بالسياسة لا يحب أناني لا يتمتع بأي مسئولية .
وكان أبو سليم رحمه الله ينصحني بالتزام العلم والابتعاد عن الغوغائية ، ورأيته آخر مرة في دمشق قبل أن أغادرها، ونصحني بالتزام الحكماء من الناس، ثم رأيته في مدينة آخن قبل سنوات كثيرة وعمره السرور لما علم بأنني على وشك الانتهاء من رسالة علمية حول الإعلام ، وكنت إذا رأيتَ أبا سليم ترى نور الإيمان ، فالإيمان إذا ما خالطت بشاشته القلوب يصبح صاحبه أكثر جمالاً ولو بلغ من العمر عتياً .
رحم الله أستاذنا أبا سليم اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفنا بعده، واغفر لنا وله .
وقاتل الله النظام السوري الذي يرفض استقبال الموتى من الدعاة من الدفن في بلدهم .
فالدعاة عندما يموتون تصبح الدنيا للوهلة الأولى .
مثل قول الشاعر :
دعيني للموت أسعى فإني رأيت الموت قد نقب عن هشام
وهو هشام بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم المعروف بالكرم
ومثل قول الشاعر :
كأن لم يكن بين الحجون والصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر
عندما تموت الورود :
خاطرة بقلم السيدة ظلال عدنان عقله ،نشرتها في 18 كانون الثاني 2010م تقول فيها :
(( أقف في حياتي لحظات تأمل ... أحاول فك رموزٍ وألغاز؛ لأفهم بعض ما يجري حولي.. . في حياة متقلبة متبدلة ... تخفي في باطنها حِكماً كثيرة يظهر لنا بعضها ويخفى كثير...
الموت :
لغز حيرني ... أذهلني.. . وقفت عند عتباته طويلاً… لم يفتحَ لي أبواب فهمه ... ولا إدراك كنهه ... ولا التوصل لحقيقته ...
تذهلني سرعته... يختطف الأحبة سريعاً... دون استئذان، أو تمهل، أو إمهال، وتخيفني دقته ... يختطفك ... ينتقيك، دون غيرك من المئات أو الآلاف حولك ... ينقلك إلى عالم مغاير مخالف ... إما إلى الجنة أو إلى النار ... قبر مظلم ... يلفك وحيداً... تلتحف ذرات ترابه... وتُآخي أمواتاً سبقوك ... ويرحل عنك أهل أحببتهم، وأحبوك ... للموت لغته الخاصة التي قد لا نفهمها ... لكننا قد ندركها بعد حين ... وللموت ظلال ... ترى... تُنذر بقدومه واقترابه ... لكن قلة منا ممن رقى بروحه ... وترفع عن طين الأرض ... ولامس نور السماوات هو من يدرك اقترابه ...
وكنت قد قرأت ذات مرة أن بعض المخلوقات تشعر بموت صاحبها وتتأثر له ... وبعضها قد يلحق بصاحبه ... لكن أن أرى ذلك بأم عيني ... جعلني أؤمن به ... وأوقن أن بعض مخلوقات الله تعالى وإن نفينا عنها صفة العقل، إلا أننا لا نملك أن لا نثبت لها صفة الإحساس والمشاعر ...
جارنا الطيب "العم أبو سليم: "( العالم العلامة "محمد عيد" الــبُـغَــا ) انتقل إلى جواره تعالى ... تلقيت الخبر ببعض من الذهول ... فلغز الموت لازلت لا أفهمه :
كيف يرحل من كان بيننا ؟؟
كيف نفتقد خطوه ؟؟
ونشتاق صوته ؟؟
ونبحث عن آثاره ؟؟
ونحتفظ بكل أثر له ؟؟
ونلتمس صورته في كل إشراقة شمس ...
لم أعِ حقاً أنني لن أعود أصادفه يصعد درجات البيت ... يحمل وعاءً يسقي به نباتاته ... بحنو وعطف ... وكأنها أحد أبنائه ...
وذاك الطريق الذي اعتاد تلمس قدميه ... وتسجيل أثر خطوه ... بتؤدة ... وببطء ... وتمهل ... على قدر ما تبقى له من صحة ... في أعوامه الثمانين ... يغدو ... بلا كسل ... إلى صلاة الجمعة ... ذاك الطريق ... أشعر به ينادي رفيقاً طال غيابه ... رفيق يحب المساجد ... في زمان أقفرت فيه المساجد من أهلها
وصباح كل عيد ... بعد صلاة كل عيد ... يطرق الباب ... يطلب دلة القهوة ... يملؤها لنا بقهوة زكية الرائحة ، لذيذة الطعم ، سكب بها بعض أنفاسه الطهور ... في عيد الأضحى الماضي ... افتقدنا قهوته … ودمعت عيون أمي ... حين رأت إحدى نباتاته ... خالطها اصفرار ... وعانقها ذبول ... وتساقطت أوراقها ... تفتقد يداً كانت تحنو عليها ... ترويها قبل الماء حباً وعطفاً ...
رحل العم أبو سليم - رحمه الله تعالى - تاركاً في قلوبنا أمواج ذكرى طيبة ... تلهج ألسنتنا بها ... تدعو له بمغفرة ورحمة من الرحمن ... وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين
رحل ... ولازال الذبول يعانق وروده
مصادر الترجمة :
1- الـرائـد - العدد 270 – ربيع الاول 1431 ﻫ - شباط / فبراير 2010م .
2- موقع الأستاذ عصام العطار على الشبكة العالمية .
3- صفحة الشيخ محمد عيد سليم البغا أبو سليم على الفيسبوك .
وسوم: العدد 702