ذكرى رحيل الشيخ عبد الفتاح أبو غدة
نبذة عن حياة العم فضيلة الأستاذ
الشيخ عبد الفتاح أبوغدة
في الذكرى ( 20 ) لوفاته رحمه الله ونفع بعلومه
هو أبو زاهد عبد الفتاح بن محمد بن بشير بن حسن أبو غدة الخالدي نسبة إلى الصحابي سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه. ولد في مدينة حلب شمال سورية في السابع عشر من رجب من سنة 1336 هـ / 1917 م في بيت ستر ودين فقد كان والده محمد رجلاً مشهوراً بين معارفه بالتقوى وكان يعمل في تجارة المنسوجات.
نشأته العلمية
عمله في التدريس والوعظ والتوجيه:
بعد أن أكمل الشيخ دراسته في مصر، عاد إلى سورية وتقدم سنة 1951 لمسابقة اختيار مدرسي التربية الإسلامية لدى وزارة المعارف فكان الناجح الأول. درَّس أحد عشر عاماً مادة التربية الإسلامية في ثانويات حلب، كما شارك في تأليف الكتب المدرسية المقررة لهذه المادة.
ودرَّس إلى جانب ذلك في (المدرسة الشعبانية) وهي معهد شرعي أهلي متخصص بتخريج الأئمة والخطباء، ودرَّس في الثانوية الشرعية (الخسروية) التي تخرج فيها.
انتدب للتدريس في كلية الشريعة في جامعة دمشق، ودرس فيها لمدة ثلاث سنوات (أصول الفقه)، و(الفقه الحنفي) و(الفقه المقارن بين المذاهب). وقام بعد ذلك بإدارة موسوعة (الفقه الإسلامي) في كلية الشريعة بدمشق لنحو عامين، أتم خلالها كتاب (معجم فقه المحلى لابن حزم) وكان قد سبقه للعمل فيه بعض الزملاء فأتمه، وأنهى خدمته، وطبعته جامعة دمشق في ضمن مطبوعاتها في مجلدين كبيرين.
اعتقاله في سورية لمواقفه الإسلامية:
أدخل السجن سنة 1966 مع ثلة من رجال العلم والفكر في سورية، ومكث في سجن تدمر الصحراوي أحد عشر شهراً. وبعد حرب الخامس من حزيران سنة 1967 اضطر الحاكمون إلى الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وكان الشيخ من بينهم.
انتقاله للتدريس والتوجيه في السعودية:
انتقل إلى المملكة العربية السعودية، متعاقداً مع جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض حيث عمل مدرساً فيها، وفي المعهد العالي للقضاء، وأستاذاً لطلبة الدراسات العليا، ومشرفاً على الرسائل العلمية العالية، فتخرج به الكثير من الأساتذة والعلماء. وقد شارك خلال هذه الفترة (1385 - 1408 هـ) (1965 -1988) في وضع خطط جامعة الإمام محمد بن سعود ومناهجها، واختير عضواً في المجلس العلمي فيها، ولقي من إدارة الجامعة كل تكريم وتقدير.
انتدابه للعمل زائراً في جامعات إسلامية عالمية:
انتدب الشيخ أستاذاً زائراً لجامعة أم درمان الإسلامية في السودان ولمعاهد الهند وجامعاتها، وشارك في الكثير من الندوات والمؤتمرات الإسلامية العلمية، التي تعقد على مستوى العالم الإسلامي. وكانت له جهود طيبة في جميع هذه المجالات. ثم عاد للعمل مع جامعة الملك سعود في الرياض.
شيوخه رحمه ورحمهم الله تعالى:
كان يتمثل بقول التابعي الجليل سفيان بن عيينة عندما سُئل عن شيوخه فقال: ( إن ذكر أسماء مشايخنا هو مدعاة البركة واستجرارٌ للرحمة )، وفي مناسبة أخرى قال رحمه الله: ( تلقيت العلم عن نحو مائة عالم والحمد لله في بلدي حلب وفي غيرها من بلاد الشام ومكة والمدينة المنورة ومصر والهند وباكستان والمغرب وغيرها، فلي من الشيوخ قرابة مائة شيخ تلقيت عنهم وأخذت منهم وكل واحد منهم له مشربه ومذهبه وما التزمت قول أحد منهم لأنه شيخي وأستاذي، بل ألتزم ما أراه صواباً وأعتقده حقاً أو راجحاً ).
ومن أبرز شيوخه:
الشيخ عيسى البيانوني الرجل التقي الورع الزاهد صاحب الدمعة السريعة.
الشيخ إبراهيم السلقيني الجد ويقول عنه الشيخ عبد الفتاح: (كان شيخاً من الأولياء، وكان يدرسنا النحو في (القَطْر) وكان يغلبه البكاء فكان حاله ينفعنا أكثر من انتفاعنا بالمواعظ).
الشيخ محمد راغب الطباخ، مؤرخ حلب ومحدثها، كان يعتني بالحديث الشريف ويهتم بنشر السنة المطهرة.
الشيخ النحوي الأديب محمد الناشد.
الشيخ محمد سعيد الإدلبي.
الشيخ الفقيه الأديب أستاذ الأساتذة فقيه القرن العشرين الأستاذ مصطفى الزرقا.
الشيخ محمد نجيب سراج الدين والد الشيخ عبد الله سراج الدين.
الشيخ مصطفى صبري شيخ الإسلام في الدولة العثمانية وله تآليف عديدة صارع فيها الملاحدة والعلمانين فصرعهم وطرحهم كما يقول تلميذه الشيخ عبد الفتاح.
الشيخ محمد زاهد الكوثري، الإمام المحدث الأكبر من شهد له بالإمامة البعيد والقريب والصديق وغير الصديق كما قال الشيخ عبد الفتاح، وكان ينتفع به جميع علماء عصره من شتى أقطار البلاد الإسلامية.
الشيخ محمد يوسف البنوري.
رحلاته العلمية:
رحل العم الشيخ عبد الفتاح رحمه الله إلى العديد من الدول ومنها مصر والتقى فيها بعلمائها الكبار أزهريين وغير أزهريين منهم: الشيخ يوسف الدجوي، والشيخ مصطفى صبري، والشيخ محمد زاهد الكوثري، والشيخ محمد الخضر حسين التونسي شيخ الأزهر، والشيخ أحمد محمد شاكر الحسني أحد مؤسسي حركة أنصار السنة المحمدية، والتقى كذلك بالإمام الشهيد الداعية حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين، ويعد الشيخ من أوائل العلماء السوريين الذين انضموا وناصروا الحركة هو والشيخ محمد الحامد الحموي، وكذلك الشيخ الدكتور مصطفى السباعي الذي يعد مؤسس التنظيم في سوريا وأول مرشد للحركة في سوريا.
كما رحل إلى الحرمين الشريفين حاجاً لبيت الله الحرام في عام 1376 هـ قبل عمله في السعودية، والتقى في هذه الزيارة بكبار العلماء منهم الشيخ بدر عالم، والشيخ إبراهيم الختني رحمهما الله، والشيخ محمد يحي أمان، والسيد علوي المالكي، والد الشيخ الدكتور محمد علوي المالكي، والتقى كذلك بالشيخ حسن مشاط المالكي المكي، والشيخ أبي الفيض محمد ياسين الفاداني الملقب بمحدث العصر.
كما رحل إلى العراق والتقى هناك بالشيخ أمجد الزهاوي وأخذ منه الإجازة والتقى بمشايخَ آخرين.
ورحل إلى الهند وباكستان والتقى بأجلة علماء وشيوخ تلك الديار منهم العلامة المحدث محمد زكريا الكاندهلوي، والشيخ عتيق الرحمن كبير علماء دهلي، والداعية محمد يوسف الكاندهلوي أمير حركة التبليغ وصاحب كتاب حياة الصحابة، والتقى بالداعية أبو الحسن الندوي، والتقى في باكستان بالشيخ محمد شفيع مفتي باكستان وغيره.
وحاضر في ملتقى الفكر الإسلامي بمدينة قسنطينة في الجزائر عام 1983 م تحت عنوان الاجتهاد،.
ورحل إلى المغرب بدعوة من ملك المغرب لإلقاء محاضرات في الدروس الحسنية.
ورحل إلى اليمن ودرس في جامعتها ودخل صنعاء وتعز وزبيد، وأخذ عن علمائها منهم المقرئ يحيى الكبسي، والشيخ ثابت مهران، والتقى كذلك بعلماء تريم.
ورحل كذلك إلى أفغانستان ساعياً للإصلاح بين الفئات المتقاتلة هناك.
و رحل إلى العديد من بلاد العالم الإسلامي.
وسافر إلى أوروبا في دعوة من جامعة أكسفورد في بريطانيا لإلقاء بعض الدروس، وقد رافقه فيها الشيخ يوسف القرضاوي.
وسافر في زيارات متعددة للأحساء شرقي السعودية، والتقى فيها بالكثير من العلماء منهم الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مبارك الأحسائي المالكي، وكذلك الشيخ عبد الرحمن البوبكر الملا الحنفى، والتقى كذلك بالشيخ أحمد آل دوغان الشافعي الأحسائي.
بعض كتبه وتحقيقاته:
للشيخ الكثير من المؤلفات (أكثر من سبعين مؤلفاً) وأغلبها في علم الحديث، ومن هذه الكتب ما يلي:
رسالة المسترشدين، وهو كتاب في التصوف النقي وصاحبه هو الإمام المحاسبي، وقد وضع فيه الشيخ زيادات وافية ونوادرَ غالية وقد نفع الله بهذا الكتاب، وصار يدرس في بعض الجامعات كمادة للأخلاق الإسلامية.
الرفع والتكميل في الجرح والتعديل: ومؤلفه هو الإمام اللكنوي الذي اهتم بكتبه حتى أنه حقق أغلبها وطبعها.
إقامة الحجة على أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة: للإمام اللكنوي أيضاَ حققه.
التصريح بما تواتر في نزول المسيح: لإمام العصر في الهند الشيخ محمد أنور كشميري، حققه.
فتح باب العناية بشرح كتاب النقاية: وهو في فقه الإمام أبي حنيفة، ولهذ الكتاب قصة معه ذكرها في كتابه (صفحات من صبر العلماء) ص279-281 وفي مقدمة تحقيقه لهذا الكتاب.
صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل: وهو كتاب نافع ممتع لا يستغني عنه طالب علم.
قواعد في علم الحديث: لشيخه الشيخ ظفر أحمد التهانوي الباكستاني الحنفي، حققه.
كلمات في كشف أباطيلَ وافتراءات: وهو رد على الألباني وصاحبه زهير الشاويش.
قيمة الزمن عند العلماء: من مؤلفاته.
سباحة الفكر في الجهر بالذكر: للإمام اللكنوي، حققه.
أمراء المؤمنين في الحديث: من مؤلفات.
الإسناد من الدين: وهو من أجل كتب.
من أدب الإسلام.
الحلال والحرام وبعض قواعدهما: لشيخ الإسلام ابن تيمية، حققه.
الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم وأساليبه في التعليم: من كتبه.
المنح المطلوبة في استحباب رفع اليدين في الدعاء بعد الصلوات المكتوبة: للمحدث أحمد ين الصديق الغماري، حققه.
سنن النسائي: حققها.
عودته المؤقتة إلى سورية رحمه الله تعالى:
في عام 1415 هـ / 1995 تلقى الشيخ دعوة من الرئيس السوري حافظ الأسد، حيث أعرب على لسان فضيلة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي أنه يكن احتراما كبيرا للشيخ وعلمه ويرغب أن يزور سورية بلده، مبدياً رغبته في الالتقاء بالشيخ، فاستجاب الشيخ لهذه المبادرة لعله يصلح ما بين الدولة والحركة الإسلامية، وعاد إلى بلده بعد غيبة سبعة عشر عاما وكان موضع حفاوة رسمية ممن التقى به من المسؤولين، لكنه لم يهيأ له أن يلتقي بالرئيس.
وفاته رحمه الله تعالى:
في شهر شعبان 1417 هـ / 1996 م شعر الشيخ بضعف في نظره وآلام مستمرة في رأسه، فسارع في العودة من حلب إلى الرياض ليتلقى العلاج، ثم اشتكى في أواخر رمضان من ألم في البطن أدخل على إثره مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض وتبين أنه ناتج عن نزيف داخلي بسبب مرض التهابي، ثم ما لبث أن لحق بالرفيق الأعلى فجر يوم الأحد 9 شوال 1417 هـ الموافق 16 فبراير 1997 عن عمر يناهز حوالي الثمانين عاما ....
رحمه الله تعالى وأسكنه الفردوس مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً...
وجمعنا بهم في مستقر رحمته...
وسوم: العدد 708