الشهيد زهير سعدو
في حماة، وفي حي الشيخ عنبر. ولد شهيدنا البطل زهير حسين سعدو عام 1950 لأسرة كريمة، فطرت على تقوى الله، وحب الخير تعلق رحمه الله بدروس الشيخ العالم محمد الحامد المسائية فتكونت شخصيته تكويناً سليماً.. حيث امتزجت الفطرة الطاهرة بالتربية الصالحة، فكانتا أساساً لسلوكه السليم، فسما وترفَّع عن صغائر الحياة وسفاسف الأمور، ولذّ له التأسي بالصالحين، في هجران ملاذ الحياة وشهواتها، كما طاب له الانطلاق إلى حيث ينادي منادي الجهاد، حيث تصرخ الأطفال، وتجأر الثكالى والأرامل، ويستغيث مسجد جامع أقفل الظالمون أبوابه.
التحق شهيدناً زهير(1) بقواعد المجاهدين في غور الأردن عام 1968م وقد آلمه وترك في قلبه الأسى واللوعة أن يغدو الأقصى بأفيائه الظليلة، وأرجائه الطاهرة بأيدي أبناء صهيون أسيراً ينتظر الخلاص، في يد أذل أمة في الأرض، يعبثون بمقدساته ما شاؤوا والمسلمون مفرقون مشتتون متخلفون.. وأرض فلسطين الحبيبة ترزح تحت وطأة اليهود على مسمع ومرأى العرب والمسلمين قاطبة وصراخ آلاف الرجال والنساء المشريدن يستصرخون وينادون ولا مجيب: ألف مرة وامعتصماه وامعتصماه. دون أن يسمعها أحد من أهل الدثور أو القصور، فقد استوت في أعين القوم الظلمات والنور:
لقد أسمعتَ لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
ونارٌ لو نفختَ بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد
لقد آلى زهير على نفسه أن يكون ميدانه فلسطين العروبة والإسلام، فلسطين الإسراء والمعراج.. ليقاتل أبناء اليهود الصهاينة، لأنه كان يرى في كل حبة رمل من وطننا السليب، قدساً متفرداً بذاته، مزيجاً من لحم ودم وعرق، ومن شهادة (لا إله إلا الله).. وهي تنتفض في وجه الغزاة والطامعين.. ولا عجب إذا قيل لك: إنه شهيد متفرد بخواص ومزايا كريمة.. فهو تارة يقول: إنه يقتدي بقائده البار وأستاذه العظيم، وشيخه العالم الورع الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله وهو يقود كوكبة من الإخوان المسلمين في سورية للجهاد في فلسطين هناك حيث جرى دم الإخوان المسلمين مهراقاً على ربى فلسطين الجريحة بعد أن سطر المجاهدون آيات الفخار.. وصور العزة والإباء ويتحامل الدكتور السباعي رحمه الله وهو على ما هو عليه من مرض وألم، ويرفض كل أشكال الوجاهة أو الراحة.. ويقول: لقد جئت لأقاتل كجندي، ما جئت لأقبع في الخيمة أصدر الأوامر الجوفاء.. التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وتارة أخرى تسمع زهيراً يذكر إخوانه المجاهدين في مصر والأردن الذين ضربوا أروع الأمثلة في قتال اليهود..
وأحياناً يحاول أن يقتدي بالفاتحين المجاهدين من الرعيل الأول أمثال (خالد) و(أبي عبيدة) و(شرحبيل) و(صلاح الدين) وأمثالهم من قادة الفتح الإسلامي، الذين دوخوا العالم ببطولاتهم النادرة، وشجاعتهم المتميزة.
لقد اعتبر زهير أن قضية فلسطين قضية إسلامية بالدرجة الأولى وأن هذه أرض قد فتحها الله على أيدي الصحابة ورووها بدمائهم فلا بد من استرجاعها ومما لا شك فيه أن تكون عقبى المجاهدين صحبة النبيين والصديقين والصالحين في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وتكون الشهادة، فترتفع روحه إلى بارئها.. وقد شرفه الله بذلك بينما كان عائداً من عملية نصب للصواريخ في الأرض المحتلة.
استشهد في فلسطين ليلحق بجوار قبر الصحابي الجليل شرحبيل ابن حسنة الذي كان يلقب به قبل استشهاده.
لقد ارتوت تلك الربوع العطشى بدم الشهيد البطل الذي أرضى مولاه بانتصاره للحق، وجهاده المعتدين الآثمين.. وقد استطاع المجاهدون سحب جثته بعد ثلاثة أيام من استشهاده، رغم تفخيخها من اليهود ومن ثم تم نقله إلى حماة ودفنه في مقبرة العشر، حيث أقيم له حفل تأبين إسلامي، في مخيم فلسطين في حماة أم الفداء، حضره جمع غفير من أبناء حماة الأوفياء.
وكما تتساوق وردتان نضرتان في أصيص واحد، وتتعانقان بأنسامهما العذبة عناق الأحباب، كرمت دار آل سعدو بالأخوين الشهيدين.. فقد سقط الابن الثاني شهيداً على أرض سورية الحبيبة برصاص الغدر الطائفي الحاقد، فكان الدرس والمثل والقصة.. وكان التساوق والعناق.. ومن ثم كان الإقناع المفحم لكل تائه أو مضلل بوحدة القضية.. وحتمية المجابهة، وفرضية الجهاد لكل قوى العدوان والشر سواء تمثلت بأسد وعصاباته والطائفيين أم ببيغن وشارون وغيرهما من بني يهود.
رحم الله زهيراً وآل زهير، وجمعه وأخاه وأهله في جنة عدن عند مليك مقتدر، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً..
عهداً إليكما أيها الشهيدان الأخوان، أننا سوف نثأر لدمائكما من يهود وأسد، وعندها ستعود القدس بأقصاها الشريف، وتعود الشام بغوطتها الفيحاء بجهود المجاهدين من المسلمين، ويكون العناق والتساوق، تماماً كزهير وأخيه، بعد طول افتراق، وغياب.
ونحن على ثقة بنصر الله الأكيد، فنصر الله آتٍ يا إخوان زهير ويا أهل زهير.. ويامن عرف زهيراً وأمثاله من المجاهدين الذين قضوا في سبيل الله، ليكونوا في حواصل طيور خضر يرتعون في جنات الخلد التي أعدت للمتقين.
عهداً إخوة الشهادة فنحن على طريقكم ماضون حتى يحكم الله بيننا وبين الخارجين على دين الله وهو خير الحاكمين.
وسوم: العدد 714