توركت أوزال
من هو تورجوت اوزال الذي زار قبره اردوغان امس.
تورغوت أوزال
اقتصادي ليبرالي، بدأ مهندسا للسدود في ستينيات القرن الماضي، قبل أن يأخذه العمل السياسي إلى قمة هرم السلطة في الدولة التركية بعد أن وجد فيه قادة انقلاب عام 1980 الشخصية الأفضل لتولي الحكم وسط مناخ إقليمي ودولي مضطرب، ليكون عهده زمن هدنة في صراع الهوية بين الإسلاميين والعلمانيين.
حمل أوزال المبادئ الإسلامية بنفس قدر التزامه بالعلمانية الغربية، وبقدر ما كان مرتبطا شخصيا أو من خلال عائلته بالطريقة النقشبندية الصوفية، فإنه تعلم من الجامعات الأميركية التي درس فيها نمطا علمانيا يبقيه في خانة المخلصين للجمهورية الكمالية.
وحتى الآن ليس من اليسير تفسير ذلك، فأوزال كان يمارس طقوسا دينية مثل الصلاة وأدى فريضة الحج ثلاث مرات وكان عضوا في حزب السلامة الوطنية الإسلامي، ومع ذلك تولى رئاسة الوزراء والجمهورية على التوالي لنحو عقد كامل من غير صدام مع الجيش ولم ينه حياته السياسية غير وفاته، بل إنه برز سياسيا في عهد انقلابيي عام 1980، وكأنه كان مطلوبا منه وله أن يكون موجودا في ذلك الوقت حصرا.
أسس أوزال حزب الوطن الأم عام 1983، وقبل نهاية ذلك العام فاز هذا الحزب في الانتخابات العامة ليتولى السياسي الجديد تشكيل الحكومة منفردا، في الوقت الذي كان فيه الجنرال كنعان إيفرين قائد الانقلاب رئيسا للجمهورية، وخلال حكمه أظهر أوزال تعاطفا شديدا مع النشاطات الإسلامية، لكنه نفى وجود حركة إسلامية منظمة في تركيا ليقلل من مخاوف الجيش والأوساط العلمانية.
حرص أوزال على أداء صلاة الجمعة بحضور عدد من وزرائه، واستقطب إلى جانب حزبه مريدي الطرق الصوفية الذين كان لهم دور مؤثر في فوزه للمرة الثانية في انتخابات عام 1987، وهو لم يكتف بأنه فسح المجال للحركات الإسلامية بالانتشار العلني، بل ضم في قيادات حزبه الحاكم وجوها إسلامية سياسية معروفة كان بعضها جزءا من حزب السلامة الوطني.
توسعت في عهد أوزال المدارس الدينية ودخل الإسلاميون حقل الثقافة والإعلام، حيث أصدروا صحفا وأسسوا دورا للنشر ومحطات خاصة للإذاعة والتلفزة، واندمجوا بشكل كبير في البيئة الليبرالية الجديدة، وحينما تولى أوزال رئاسة الجمهورية عام 1991 وصل سلوكه (الإسلامي) ذروته حينما قام قصر الرئاسة، باستضافة احتفالات دينية صوفية بالمولد النبوي الشريف، وكان ذلك من المشاهد التي لم تشهد لها تركيا نظيرا منذ تأسيسها، وهي لم تتكرر بعد تلك المرحلة.
رغم كل ذلك وقف الجيش دون حراك، بل إن أوزال قضى دورتين انتخابيتين في رئاسة الوزراء بينما كان الجيش يتولى موقع رئاسة الجمهورية من خلال قائده السابق إيفرين، في حين أن الجنرالات الأتراك كانوا يتحركون ضد أي حكومة لأسباب أقل من ذلك، كما حدث في انقلاب عام 1960 الدموي الذي انتهى بإعدام رئيس الوزراء مندريس ووزرائه بسبب اتهامه بالتراجع عن العلمانية برغم أنه لم يكن إسلاميا، ولم تصل الحريات التي منحها للإسلاميين إلى ما وصلت إليه في عهد أوزال.
" كان أوزال يؤكد دوما أنه علماني التوجه، لكن عهده تضمن حريات واسعة للتدين وكان هو نفسه يمارس الصلاة وأدى فريضة الحج من غير أن يستفز الجيش "
ويعزو المحللون أسباب ذلك إلى عوامل خارجية تتمثل في الحرب آنذاك في أفغانستان ضد الاتحاد السوفياتي ورغبة أميركا في توسيع المشاعر الدينية في البلدان الإسلامية ومنها تركيا لتغذية المجاهدين هناك، وكذلك إلى أسباب داخلية تتمثل بمحاولة استيعاب الحركات الإسلامية في إطار الدولة ونظامها العلماني لسحب البساط من تحت أقدام التيار الإسلامي السياسي.
وبالطبع فقد حرص أوزال على أن يؤكد في كل مرة أنه علماني التوجه، وكان يرى أن العلمانية غير متعارضة مع حرية الدين والاعتقاد، ومثل هذا الرأي بالطبع مرفوض بالمطلق من قبل المنهج العلماني الكمالي الذي من بين أركانه احتواء التدين ومنع مظاهره.
وبرغم صمت الجيش وهو المؤسسة الأشد ولاء لمبادئ أتاتورك العلمانية، فإن القوى العلمانية السياسية وجهت انتقادات واسعة لسياسة أوزال تلك، ومن بين ذلك تقرير أصدره الحزب الديمقراطي الاجتماعي الشعبي عام 1990 قال فيه: "إن تطور الاتجاهات والميول الأصولية الإسلامية يهدد الدولة التركية، حيث يستهدف الأصوليون التحول عن إصلاحات أتاتورك وإقامة نظام إسلامي يتناقض مع العلمانية".
ومع أن هذا التقرير أسهب في وصف مخاطر صعود الإسلاميين، فإن أوزال استمر في سياسته وبدلا من إبعاده من رئاسة الحكومة أصبح بعد عام من ذلك التقرير رئيسا للجمهورية قبل أن يتوفى إثر أزمة قلبية في ربيع عام 1993، لتنتهي مع وفاته حقبة لم تتكرر بعد ذلك.
وسوم: العدد 716