الشهيد القائد عدنان شيخوني

هو الشهيد عدنان شيخوني من مواليد حماة في وسط سورية عام 1943م .

درس الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدينته .

ثم درس في دار المعلمين في حلب .

وبعدها درس في كلية الآداب في جامعة حلب، وكان معه الشاعر يحيى بشير حاج يحيى ود. عثمان مكانسي، والأخت أم حسان إلهام صبري بيره جكلي، وزينب بيره جكلي، وكان موجهاً لإخوانه .

أعماله :

درّسَ اللغة العربية سنة 1977م بحلب، وكان من تلاميذه محمد غسان الخليلي .

ولما سافر د. عثمان قدري مكانسي وزوجته إلى الجزائر عام 1978م عاش الشهيد في بيتهم في حلب، وفيه اعتقل .

تعلموا الصبر:

عدنان شيخوني مدرس لغة عربية، متوسط الطول، عريض المنكبين، ضخم الجسم من غير ترهل، قوي البنية، كأن جسده منحوت من الفولاذ. وهو جندي مثلما هو قائد. ولكنه كان في التحقيق أسطورة.

تلقى الضرب على قدميه بالخيزرانات يوماً كاملاً، وعدد الخيزرانات التي تكسرت على قدميه غير معروف، وخلال تعذيبه جاؤوا بزوجته وأطفاله وأخيه ليضغطوا عليه. قال المحقق أليف لزوجته: انصحي زوجك بأن يعترف.

ردّت الزوجة بهدوء أعصاب زلزل أليف: زوجي معلم، وهو طوال عمره يعلم الناس ماذا يقولون، فماذا أقول له!؟.

ولما يئس منها، انطلق إلى أبنائه... فأوقفهم أمام الأب المدمى كليث جريح، وقال لهم: انصحوا أباكم أن يعترف، ويعود إليكم، فبكى الأولاد جميعاً، فاقترب منهم الأب، وجثا على ركبتيه أمام أكبر أبنائه خالد، الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، وقال:

لا تبكوا يا أولادي، وتعلموا الصبر، ألم أحدثكم عن بلال، وعمار، وخباب، وكيف كان المشركون يعذبونهم ، وهم صابرون!؟

وجن جنون شيخو، وصاح: أنحن كافرون!؟

وصرخ أليف: أتعمل بطلاً هنا!؟ أخرجوهم. واستمر التعذيب.

وطيلة عشر ساعات كان السجناء يسمعون أصوات العصي والجلادين، من غير أن يصحبها صراخ وعويل وتوسلات. أما الذين هم في زنزانة قريبة من قبو التعذيب، فكانوا يسمعون بين حين وآخر، صوتاً هامساً: أحد... أحد... يا رب... يا الله .

وقال أحد السجناء: أنا لا أصدق ما يجري، هذا الرجل ليس من البشر، إنه إما ملك، وإما حجر. وأخيراً بدا اليأس في ملامح أليف، والإرهاق والنقمة في وجوه السجانين، وقال أليف: اتركوه، كفى، فنحن نسلخ شاة مذبوحة.

وفي جوف الليل نقلوه إلى العاصمة، وهناك لبث خمسة عشر يوماً يخرج فيها إلى دورة المياه زحفاً على كفّيه وركبتيه، لأن جلد قدميه كان قد تلاشى تماماً.

وكنت مرة أتحدث مع صديق حوله، فقلت:

إن أبا خالد سجين مثالي.

- فعلاً.

- وثباته في التعذيب أقرب ما يكون إلى أسطورة مسرفة في الخيال.

- حقاً.

ثم تملكني استغراب شديد حين سمعت الأخ يعقب:

ولكنه اعترف في النهاية.

- غير ممكن!؟

- هذه هي الحقيقة.

قلت كمن تذكر شيئاً ذا أهمية: بعدما بردت جروحه.

فقال الصديق: بالضبط، فحين وصل إلى العاصمة، أدخلوه مكتب النقيب تركي، فقال: لو ضربتموني عصاً واحدة فسوف أموت. هات أمض لك بالعشرة على ما تريد.

ولما لقيت أبا خالد في السجن سألته عن حقيقة الأمر، فقال:

ذلك صحيح.

وتابع، وهو يبتسم: كلنا اعترفنا، بشكل أو بآخر...ولما رآني ارمقه باستغراب، تابع:

ليست القضية هي أن نعترف أو لا نعترف، وإنما المهم هو ألا تسقط الدعوة من قلوبنا.

هروب السبعة عشر:

في عام 1980م كانت هناك أحداث واضطرابات سياسية كبيرة عمت سورية، واكتظت السجون بآلاف المعتقلين السياسيين، وفي سجن كفر سوسة بالعاصمة دمشق كان هناك 17 سجيناً سياسياً تجري محاكمتهم محاكمة عسكرية صورية جائرة، وتمّ الحكم عليهم بالإعدام، وتم أخذ بصمات أيديهم وأقدامهم تحضيراً للإعدام ، فخطط هؤلاء مع السجان (طاهر) للتحرر من السجن، ولكن السجان في الخدمة الالزامية (طاهر حورية) جاء مساء الاثنين مرتبكاً إلى السجن وأبلغ السجناء بأن عليهم الهرب من السجن في تلك الليلة وإلا فسيتم أخذهم فجر الثلاثاء بعد ساعات لسجن آخر لإعدادهم للإعدام يوم الخميس وتلك المعلومات حصل عليها بسماعه مكالمة هاتفية مع عمه مدير السجون حيث طلبوا منه تحضير الـ 17 لأخذهم.

نبذة عن خطة الهروب :

في يوم السبت 17 مايو 1980 حضر الرقيب السجان طاهر إلى مهجع المعتقلين متوتراً، وقال بصوت مرتجف من خلال نافذة الباب الحديدي للمهجع الهروب اليوم وليس الاسبوع القادم وانصرف ... قرع السجناء الباب عاد مرتبكا اليوم الهروب والا لا فرصة اخرى لكم لأني سمعت مكالمة مع عمي امروه بتحضيركم فجر الغد لأخذكم إلى مكان آخر للقيام باجراءت الاعدام ليتم اعدامكم فجر الخميس.

 إنها فرصتكم الأخيرة… لقد اعددت لكم كل شيء وسائل التخدير للسجانة وبعض المسدسات لتستعينوا بها اثناء خروجكم لأي طارئ. والإخوة في الخارج وضعوا خططهم لإيوائكم فقط عليكم ترتيب خطة خروجكم والباقي على الله واتركوا أمر الخارج لإخوانكم. كانت الخطة مرسومة بدقة، وجاهزة للتنفيذ تماماً وكل سجين عرف دوره المحدد… في مساء الاثنين 19 مايو، في الثانية عشر ليلاً بدأ تنفيذ الخطة التي رسمت بإحكام بالغ.. اتصل طاهر بفرع الحلبوني.

وطلب سيارة إسعاف بحجة نقل أحد السجناء إلى المستشفى، بعد نصف ساعة كانت سيارة الجيب تجتاز البوابة الرئيسية للمبنى، لتقف أمام باب السجن… طلب طاهر من العنصرين القادمين أن يساعداه في حمل السجين إلى السيارة… دخل العنصران بحذر وتردد… سارا في الممر الضيق الذي يفضي في نهايته إلى باب المهجع الثالث حيث يتمدد المريض...بينما كان ثلاثة سجناء يتسللون من خلفهم قادمين من المهجع المقابل في لباس النوم، في هيئة المتطفلين على ما يجري ...أصبح العنصران بين فكي كماشة...نادى أحدهم بالسجناء من خلفه: عودوا إلى أماكنكم ...في لمح البصر انقض اثنان من السجناء على العنصرين حيث تم اعتقالهما وتقييدهما وإدخالهما إلى المهجع وحقنهما بالمخدر… وفي دقيقة واحدة بدل السجناء ملابسهم وخرجوا بترتيب ونظام من باب السجن، كأنهم ذاهبون في استدعاء للتحقيق…وحدثت أخطاء قاتلة وأخطاء مضحكة في تلك اللحظات ، ولكن الله سلّم... انطلقت السيارة تنوء بضعف حمولتها باتجاه البوابة الرئيسية… وما أن خرجت السيارة من باب السجن حتى شرع بعض السجناء بالتكبير… وتم إسكاتهم بسرعة.. انطلقت السيارة في شوارع العاصمة، تتجاوز حتى إشارات المرور الحمراء… وفي أماكن محددة كان بعض الإخوة ينتظرون بسياراتهم في الظلام… ترك السجناء الهاربون سيارة الجيب، وانتقلوا إلى السيارات الأخرى الخاصة التي ذهبت بكل مجموعة إلى مخبأ جاهز أمين…

ما لا ترونه:

وقد أرخ الكاتب الشاعر (سليم عبد القادر زنجير) أحد الهاربين، حوادث الاعتقال والتحقيق والهروب في كتاب عنوانه ما لا ترونه من منشورات ناشرون بلا حدود لعام 2007م

أسماء السجناء السبعة عشر:

عدنان شيخوني، أمين أصفر، سليم زنجير، عادل غنوم، جمال عقيل، هيثم عقيل، مالك عقيلي، أسعد بساطة، نبيل حاضري، عبد الحكيم جلال، بشير خليلي، جلال جلال، هيثم منلا عثمان، عبد الستار عبود، أحمد ماهر قولي، صديق شعبان، محمد زهير الخطيب.

جهاده بعد الحرية :

وبعد تحرير الشهيد عدنان شيخوني من السجن استقر في دوما ومعه جمال عليان وسرد للناس تفاصيل اعتقاله وعذابه .

ورأى الناس قدميه، وكان السير عليهما صعباً، ثم ذهب إلى حلب وهناك عمل مع الشباب المجاهدين .

الشهيد عدنان شيخوني :

مواكب الشهداء

أبا خالد... يا أخا المصير في دروب الكفاح المرير...

كنت أوثر أن ترثيني أيها الأخ الحبيب... لا أن أرثيك...

وكان إحساس الذي صحبني سنوات يقول لي: ستقضيان معاً ذات يوم، وسيرثيكما الراثون من إخوانكما... وما كان يعن على البال أن أرثيك...

عندما كنا معاً نعبر المنعطفات مسرعين، واصطدمت بنا السيارة، نظر بعضنا إلى بعض نظرات باسمة، راضية بمقدورها، ما دمنا سنقضي معاً...

وفي سفراتنا الطويلة كنا نجوب القطر السوري من أدناه إلى أقصاه، نستجيش الهمم والعزائم من أجل بناء عمل جهادي مركز، والآمال العِراض تراود أحلامنا الوردية، عبر التطلعات الجهادية لتزيل دولة الكفر والبغي والخيانة، وتقيم على أنقاضها دولة الحق والقوة والحرية... دولة الإسلام...

وفي مجالات التربية والتكوين، كنتَ الفارس المجلي، تعمل بصمت ودأب، قلّ نظيرهما بين الدعاة والمربين، وكنتُ أنظر إلى عملك، فيشدني إليك عقلك واتزانك وتفانيك في عملك، حتى لم تعد تعرف أو يعرف لك الناس حياة خاصة...

كنت في حياتك كلها الجندي والقائد... وقلّ من يجمع بين الجندية والقيادة في آن.

تَسارعَ أهلُ الدنيا إلى دنياهم ينهبون من لذاتها، وعجلتَ إلى ربك ليرضى عنك... فلم تأتها لبيت تبنيه، أو أثاث تقتنيه، أو مال تدخره لحوالك الأيام...

لم تشغلك زوج ولا ولد عن أداء الواجب كما تفهم الواجب أنت، لا كما يفهمه الأقزام وظائف حياتية تملأ الفراغ... فراغ التافهين.. وكلاماً معسولاً لا يبني بقَدْرِ ما يهدم ويشتت ويضيع....

وجاءت المحنة... وكان الابتلاء... وأي ابتلاء....

وصبرت... وصبرت... وصبرت...

عشر ساعات... صبَّ فيها المجرمون كل ما يملأ أجوافهم من صديد أحقادهم السود عليك أيها البطل، وأنفك شامخ، يزيده شموخاً تاج الإيمان، الذي ملأ كيانك، وضوّأ لك دروبك، وضوّأ أجواءك.....

استخدم المجرمون ألوان التنكيل بالجسد الحديد، والنفس العملاقة، وباؤوا بالفشل... أوهنوا الجسم ولم يتمكنوا من الاقتراب من الروح... فهي روح (أبي خالد)... وأي روح.. قالت لهم شياطينهم: هيا ائتوا بزوجه وأولاده، لعله يستكين...

ولكن هيهات هيهات!!..

جيء بالأسرة الكريمة... ونظرت رفيقة الدرب إلى الفارس المعلم نظرات مترعة بالأمل في صمود البطل... فاستمد البطل عزيمة لا أمضى ولا أقوى...

وتقدم (علجهم) من أبناء البطل: خالد وعمار وطارق قائلاً:

قولوا لأبيكم أن يتكلم ويرحم نفسه ويرحمكم...

وجاء صوت البطل: صبراً آل ياسر، موعدكم الجنة...

وصبر آل ياسر على مشهد الوالد البطل يمزق جسده أربعة وحوش، منهما وحشان طائفيان.. هيهات يشفي غليلهم غير الدم... غير الدم... غير الدم...

وينتهر الأجير الصبية الصغار وأمهم، ويأمرهم أن يتحركوا لينقذوا معيلهم قبل أن يموت فيقتلهم الجوع، والمعيل البطل الأسير ينظر إليهم نظرات نسر محتضر...

أتذكرُ – أبا خالد- قولك: والله لو تابعوا تعذيبي نصف ساعة أخرى لمت؟.

أجل.. لا بد أنك تذكر هذا وأنت في عليائك، مع رامز وعصام ومحمود وهمام ووليد ومع عبد الله وإبراهيم وعمر وموفق ومع عبد الستار وأمين، ومئات شهدائنا الأبرار... لا بد أنك تذكر هذا وتحدث صحبك من جيل الشهداء به، وفرحتكم بالشهادة تطير بكم على جناح سحابة العبير، مستبشرين بالذين لم يلحقوا بكم بعد...

عشر ساعات من العذاب الشديد، وليس لك ما تقوله سوى: يا الله... يا الله... وليس للعتاة المجرمين إلا أن يزدادوا غيظاً لأنهم لم يستطيعوا أن ينطقوا لسانك بغير اسم الله... إنهم يريدون إرضاء سادتهم في دمشق، فأسلاك الهاتف بين حلب ودمشق قد أتعبها الآثمون. كلها تسأل عن عدنان شيخوني، وهل فتح فمه؟.

ويتميز أولاد الأفاعي من الغيظ، وهم يصخبون حول اللسان الذي كبح جماحه صبر البطل فيسوقونك إلى دمشق، حيث أعتى الوحوش الطائفية: ناصيف وأبو رمزت و(غير) الفاضل وأجيرهم (تركي) الذي حاول خداعك، فلم تقع، وكان صبرك وعقلك أكبر من باطلهم، وأرجح من أحابيل خداعهم ومكرهم.. فاستعليت واستعليت، ولقنتهم دروساً في كيفية الجندية والقيادة اللتين يجب أن يتمتع بهما الدعاة الوعاة المخلصون...

وتبقى في (المنفردة) شهراً، ثم تعود إلى حلب.. لتلقى الألاقي في زنزانات السجن المركزي، وتكون لكم أيها الأحبة مسامرات ما أُحيلاها، وأنتَ أنت – أبا خالد- تشحذ الهمم آناً، وتروح عن النفوس المتعبة آناً آخر، بحكاياتك الشفافة، التاريخية والشعبية...

ثم يشاء الله أن يعيدك المجرمون إلى حيث أنت، لترى إخوانك هناك، وتلقي عليهم محاضراتك الثلاث في مهجعك، تلك التي كانت عن (النصيرية عبر التاريخ).. عن نشأتهم وعقائدهم ومؤسسهم، ثم عن خياناتهم عبر القرون، حيث كانوا مع الصليبيين أيام حملاتهم على ديار الإسلام والمسلمين. الأمر الذي حدا بشيخ الإسلام ابن تيمية ليصدر أحكامه عليهم في فتواه، ويعتبرهم أكفرَ من اليهود... والمجوس.

وتلفت انتباه الإخوة المعتقلين إلى مسرحية (على أسوار دمشق) لنجيب الكيلاني الذي فضح فيها خيانة أحد شيوخهم الكبار، وإلى (الفتاوى الكبرى) لابن تيمية، وإلى ما كتبه عنهم الكاتب الشيعي (ابن أبي الحديد) شارح (نهج البلاغة) في شرحه ذاك، ثم خياناتهم في العصر الحديث حيث كانوا مع الفرنسيين ضد أبناء الأمة الإسلامية؛ وأسهبتَ وأسهبتَ والإخوة المستمعون مأخوذون بغزارة معلوماتك عن الوحوش الطائفية، وَجِلُون من عيون السلطة المبثوثين في المهجع، أن ينالك المجرمون بسوئهم، ولكنك لم تهتم لتحذير الأحبة، لأن إيمانك كان يجري على لسانك أسواء الفئة الحاقدة الخائنة لله ولرسوله وللمؤمنين.... بل زدت الإخوة معرفة جديدة عندما أعلنت لهم أنك حاضرت بهذا في مخيم إسلامي عالمي ضخم، وحضر المحاضرة بعض الأساتذة الجامعيين وأخذوا نسخاً من المحاضرة ليجعلوها في ثبت المراجع التي يرجعون إليها، بل وليدرّسوها طلابهم...

ومحاضرتك الثانية عن الفراعنة وأساليبهم ونفسياتهم في كل زمان ومكان. بدءاً من فرعون الأول الذي قال لموسى عليه السلام (لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين). وإسقاط الماضي على الحاضر... حاضرِ الرجيم حافظ أسد الذي وضعنا في السجن لأننا اتخذنا رب العزة إلهاً وركلنا حافظ أسد بأرجلنا...

ومحاضرتك الثالثة عن فرعون موسى والسحرة مستخلصاً إياها من هذه الآيات التي تقص قصة كبار المجرمين مع المؤمنين... عندما آمن السحرة برب موسى وهارون... "قال آمنتم له قبل أن آذن لكم"؟.

واقتادك المجرمون إلى المحكمة المهزلة التي نُصّب عليها المجرم التافه الصفيق: فايز النوري فتريه أنت وإخوانك وتُسمعونه ما لم يكن في حسبانه، فيؤجل المحكمة، ويرفض أن يرافع عنكم أي محام تختارونه، ولا تكترثون، وأنتم تعلمون علم اليقين أن أحكام الموت ستصدر بحقكم...

ويأذن الله بالفرج، عندما هيأ لكم وسيلة، يخرجكم فيها من ظلمة القبور التي ألقاكم فيها الطائفيون... ولكنك – أيها الهمام- ترفض الخروج بادئ ذي بدء ما لم يخرج سائر الإخوان، ثم يشاء الله أن تكون على رأس كوكبة السبعة عشر أخاً الذين هربوا من السجن، وأنوف الوحوش الطائفية وأزلامهم راغمة، حتى لقد قال كبيرهم صاحب الصوت المتهدج:

(كنت أتمنى أن يقتل سبعة عشر ألفاً من سرايا الدفاع ولا يهرب هؤلاء السبعة عشر).

وعندما تحررت – أيها البطل الحبيب- بادرت إلى العمل، فسهرت، وتعبت في تجميع فرسان النهار ورهبان الليل، كما بادرت إلى رص صفوف المقاتلين، الأوفياء لدعوتهم وجماعتهم، لتفقأ بهم عين الشيطان.

وفرح المؤمنون، وانخذل إبليس وجنوده... ثم حان لقاء الله وقضت حكمته أن تختارك شهيداً إلى جواره...

وباستشهادك – أبا خالد- طويت صفحة مُنَدَّاةً بالعرق والدمع والدم، وفتحت صفحة هي ما تزال وستبقى مفتوحة – بإذن الله- صفحة تلاميذك الأبطال ممن يمسك القلم عن ذِكْرهم.. رعاهم الله بعين رعايته، وكتب لنا النصر على أيديهم...

والآن! أبا خالد... هل تسمح لي أن أناديك وأستنفرك، كفعلي في سالف الأيام عندما كنت أراك متعباً أو مريضاً أمَضَّه برد الشتاء وحر الصيف في بيتك المتواضع الذي ما كان يدفع برداً ولا حراً:

أبا خالد، يا انفِر، فلست بخالد      وما جعل الرحمن عذراً لقاعد

لقد خلفت بعدك رجالاً ربيتهم على عينك، ولم تستشهد إلا وأنت مطمئن أن وراءك على الطريق أبطالاً.

سلاماً أبا خالد يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حياً...

سلاماً عليك وعلى إخوانك الذين سبقونا بالإيمان ونالوا الشهادة والرضوان...

سلاماً عليكم في الخالدين...

وإلى لقاء في عليين... مع الأنبياء والشهداء والصديقين.

وسوم: العدد 667

قد كنت إلفاً :

كان رحمه الله مدرسة بل أمة في رجل، واسع الصدر، شجاع القلب، قائداً محنكاً لا يتردد .

رثاه الشاعر الدكتور عثمان قدري مكانسي بقصيدة جاءت في مقدمتها :

مهداة إلى أخي الحبيب المجاهد عدنان شيخوني "أبي خالد" رحمه الله تعالى الذي استشهد في تشرين الأول عام ثمانين وتسع مئة وألف (1980) .

كُنتَ إلفاً عَزَّ أَنْ ألقى له * من يضاهِيهِ صِفاتٍ وخِصالا

كنتَ بدراً يملأُ الأجواءَ سِحراً * يُرسل النورَ جلالاً وكمالا

يا أخي حبّةَ قلبي يا صديقي * عِشتَ في لُبي وفي فِكري مِثالا

مرَّ عِشرون خَريفاً لستُ أنسى * وَجهَكَ المشرقَ ضوءاً يتلالا

حُبُّنا في الله شِدناهُ مكيناً * سوفَ ينمو في رضا اللهِ تعالى

إنْ تكُنْ رُحْتَ شهيداً إنني * أسألُ المولى لُـحوقاً وَوِصالا ..

دَرْبُنا دربُ الـهُدى لا نَنْثَني * عَنْهُ ما نَبْضٌ بِعِرْقٍ يتوالى

أخوك في الله .... عثمان

وجعل تلك القصيدة صيغة إهداء لكتابه : ( الشعر العربي في الفتوحات العثمانية من عهد السلطان سليم الأول إلى نهاية الدولة العثمانية) .

رحم الله الشهيد القائد عدنان شيخوني، وأدخله فسيح جناته .

وسوم: العدد 732