من أحاديث رمضان : استعراض القرآن في رمضان يكون للتدبر وليس للترنم
تشهد بعض بيوت الله عز وجل خلال شهر رمضان الأبرك إقبالا كبيرا أثناء صلاة التراويح ، بينما لا تعرف أخرى نفس الإقبال إن لم نقل تعرف نوعا من الإهمال ، والسر في ذلك هو القرّاء الذين يؤمون المصلين في هذه الصلاة ، ذلك أن البعض منهم وهبهم الله عز وجل نعمة الصوت الحسن ، بينما حرم البعض الآخر هذه النعمة . ومعلوم أن الله عز وجل أمر بترتيل القرآن الكريم ، فقال جل شأنه : (( ورتل القرآن ترتيلا )) ومعلوم أن الترتيل هو تجويد التلاوة والتأنق فيها مع عدم العجلة . والمفعول المطلق في الآية الكريمة " ترتيلا " يفيد التأكيد . والتأكيد على الترتيل يعني الأمر ببذل الجهد والوسع في تجويد التلاوة والتأنق فيها . ولا يحصل تدبر القرآن على الوجه الذي أمر به الله عز وجل إلا ببذل الجهد والوسع في ترتيله . ويؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر الإلهي بترتيل القرآن الكريم ترتيلا بقوله : " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " والمقصود بالتغني بالقرآن تحسين الصوت بتلاوته ،ولا يعني تأديته كما يؤدى الغناء.
ومن القراء من يلتزم أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم حين يتلو القرآن الكريم فيرتله ترتيلا ، ومثل هذا يستثنى من اللوم الذي يلحق المقصر في تلاوته إما بالميل فيها إلى الطرب والغناء وإما بترك التجويد جملة وتفصيلا ، فلا هذا ولا ذاك يلتزم أمر الله و أمر رسوله في تلاوتهما .
والملاحظ سنة بعد أخرى أن الناس بدأ يستهويهم الذين لا يتميز أداؤهم لكتاب الله عز وجل عن أداء الغناء ، وهذا ما جعل الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله يعيد صلاة صلاها خلف مقرىء التبست تلاوته لكتاب الله عز وجل بالطرب والغناء . ولا يكاد الناس يسمعون بمطرب من مطربي القرآن حتى يحجوا إليه من كل حدب وصوب، ويزداد إقبالهم عليه ،فيغلب عليهم الترنم بصوته على تدبر كلام الله عز وجل. وأمام إقبال الناس على مطربي القرآن صار هؤلاء يتنافسون في التطريب والمقامات لينالوا الشهرة عندهم حتى أفسد الغناء تلاوتهم .
ومن العادات السيئة التي هي في طور الانتشار أيضا اقتناء مطربي القرآن كما يقتنى مطربو الغناء حيث بدأت بعض الأسر الميسورة تقيم في قصورها أو فيلاتها الموائد الفاخرة في ليالي رمضان ثم تدعو إليها ضيوفا من فئتها الاجتماعية ، وتجلب من يطربهم بصوته العذب في صلاة التراويح ، فيتمايلون ويترنمون بلا خشوع ولا تدبر،لأنهم ينشغلون باللحن والصوت العذب . وبعد الترنم يقبلون على ما لذ وطاب من الأطعمة والأشربة ، وتمضي عندهم ليالي رمضان على هذه الوتيرة . ولقد أفسد هؤلاء طباع المقرئين الذي صاروا يتهافتون على موائدهم وطمعا في جوائزهم ، ومن أجل ذلك يذهبون بعيدا في التطريب إرضاء لأذواقهم . وهكذا صارت صلاة التراويح لا تختلف عن سهرات الطرب والغناء .ولقد سبقت هذه العادة السيئة من قبل عادة أسوأ منها هي هجرة بعض القراء المجيدين في رمضان إلى بلاد الغرب ارتزاقا بالقرآن . ولا يكاد شهر رمضان يقترب حتى يحزم بعض هؤلاء حقائبهم خارج الوطن مخلفين وراءهم مساجدهم ينوب عنهم في صلاة التراويح بعض طلبتهم الذين يصيربدورهم حلمهم هو اللحاق بشيوخهم والسير على نهجهم حين يتطور أداؤهم القرائي .
وأسوأ من هؤلاء الذين لا أصوات لهم تصلح لترتيل كلام الله عز وجل، ومع ذلك يتقدمون لإمامة المصلين في صلاة التراويح يسرعون في تلاوتهم كأنهم في سباق ولا يكاد من يستمع إليهم يتبين ما يقولون بله يتدبره ويفيد منه . وهؤلاء لهم جمهورهم الذي يفضلهم لأنهم لا يثقلون عليه ، ويسرحونه سراحا جميلا في وقت قياسي ليتمتع بسهراته الرمضانية في المقاهي أو الشوارع أو أمام الشاشات والهواتف الذكية .
وبين هؤلاء وهؤلاء تضيع الحكمة من تلاوة القرآن الكريم، وهي تدبره للاستقامة على هديه ، ولتزكية النفوس بعد حول كامل من تدسيتها.
وسوم: العدد 774