رمضان شهر التنافس في الخيرات
إن الله ينظرُ الله إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته
فأروا الله من أنفسكم خيرا
عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (أتاكم رمضان، شهرُ بركة، يغشاكم الله فيه، فيُنزل الرحمة، ويَحطّ الخطايا، ويستجيبُ فيه الدعاء، وينظرُ الله تعالى إلى تنافسِكم فيه، ويُباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقيّ من حُرِمَ فيه رحمة الله عز وجل). رواه الطبرانيّ وقال: رجاله ثقاة.
والله عز وجلّ يقول: (ولكلٍّ وجهة هو مُوَلّيها، فاستبقوا الخيرات..) ويقول سبحانه وتعالى في معرِض حديثه عن النعيم الذي يشهده الأبرار المقرّبون: (يُسقَوْن من رحيقٍ مختوم، ختامه مسك، وفي ذلك فلبيتنافس المتنافسون)
في هذا الحديث وهذه الآيات وأمثالها، يحضّنا الله عزّ وجل ورسولُه الكريم، على التنافس في الخيرات، وفي وجوه البرّ، ويخصّ الصائمين في رمضان، ويشجّعهم على ذلك، ويخبرنا بأنه سبحانه وتعالى يباهي بهم ملائكته، ويطالبهم بأن يُروا الله من أنفسهم خيرا، ذلك أنّ الله عزّ وجلّ يُضاعفُ ثواب الأعمال في هذا الشهر، إذ يقول النبيّ صلى الله عليه وسلّم: (من تقرّبَ فيه بخصلة من خصال الخير، كان كمن أدّى فريضة فيما سواه، ومن أدّى فيه فريضة، كان كمن أدّى سبعين فريضةً فيما سواه..). وعن أمّ المؤمنين عائشة رضيَ الله عنها: (كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجتهد في رمضان، ما لا يجتهد في غيره، وفي العشر الأواخر منه ما لا يجتهدُ في غيره)
ورمضان بما خصّه الله عز وجل، هو موسم للطاعة والعبادة لا يضاهيه شهرٌ آخر، وما أكثر أبواب الخير العظيمة في هذا الشهر، التي ينبغي أن نحرص عليها، وأن نتنافسَ فيها، لنُرِيَ الله من أنفسنا خيرا:
- الصوم إيماناً واحتساباً، فمن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه).
- القيام إيماناً واحتساباً، فمن قام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه.
- قيام ليلة القدر، فمن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه.
- الإقبال على كتاب الله تعالى، تلاوةً وتدبّراً وحفظاً، وتعهّدُ الأهل والأبناء والبنات بتلاوته وتدبّر آياته والوقوف عند حدوده، فرمضانُ شهرُ القرآن، وكان جبريلُ عليه السلام يَلقَى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلّ ليلة في رمضان، فيُدارسُه القرآن.
- الانفاق في سبيل الله، وإخراج الزكاة المفروضة، والصدقات، فقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، حين يلقاهُ جبريلُ فيدارسُه القرآن، فلَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسَلة.
- أداء الفرائض على وجهها الصحيح، والاستزادة من النوافل، سعياً للارتقاء إلى مرتبة أحباب الله الذين يحبهم ويحبونه.
- الاعتكاف في العشر الأخير من رمضان ما أمكن، وتلمّس ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر.
- المسارعة إلى أبواب الخير الكثيرة الأخرى، المفتوحة للراغبين، من برّ الوالدَيْن، وصلة ذوي القربى والأرحام، وقضاء حاجات المحتاجين، وتنفيس كُرَبهم، واستثمار الأوقات في العمل الصالح والعبادة.
- تجديد التوبة إلى الله، والكفّ عن معاصي الجوارح ومعاصي القلوب، وحفظ اللسان، وغضّ البصر، والبعد عن كلّ ما يُسخطُ الله ورسوله.
- الإكثار من الدعاء الذي هو مخّ العبادة، للنفس والأهل والإخوة وللمسلمين.. أن يفرّج الله الكرب، ويكشف الغمّة، وأن يعزم لهذه الأمة أمرَ رشد، يُعزّ فيه أهل طاعته، ويُذلّ فيه أهل معصيته، ويؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر.
- وأخيراً: لنجعل من هذا الشهر موسماً للتنافس على الخير، والتدرّب على الإخلاص، والتقوى، والحلم، والصبر، والأناة، والمحبة، والتآلف، ومناسبة للتخلّص من رواسب الاختلاف والفرقة، وفرصة للمراجعة والمحاسبة والتغيير نحو الأفضل، والارتقاء.. رجاء أن يتقبّل الله منا، ويكتبنا من عتقائه من النار.
4 من رمضان 1439 الموافق 20 من أيار 2018
أخوكم: أبو أنس
علي صدر الدين البيانوني
وسوم: العدد 774