الاحتفال بعيد الأضحى المبارك فرصة لتجديد العهد مع الله عز وجل لالتزام نهج الحنفية
من المعلوم أن عيد الأضحى المبارك الذي يتزامن مع فترة أداء مناسك الركن الخامس من أركان الإسلام يرمز مع هذا الركن إلى الحنيفية التي وضع أسسها نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام ، وأتم بناءها الشامخ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر من ربك العزة جل جلاله مصداقا لقوله عز وجل : (( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين )).
والحنيفية هي الميل عن كل شكل من أشكال باطل الشرك بالله إلى حق توحيده . ولقد ضرب خليل الله إبراهيم عليه السلام أروع الأمثلة في مواجهة أشكال باطل الشرك في زمانه حين تحدى عظيم زمانه الذي ادعى الشرك مع الله في القدرة على الإحياء والإماتة ، وحين أثبت للذين أشركوا مع الله تعالى آلهة من الكواكب والأصنام أنهم مشركون ضالون ، وواجه بسبب ذلك أقسى عقوبة إعدام في تاريخ البشرية ، وهي التحريق بالنار. كما أنه واجه أعظم البلاء على الإطلاق حين ابتلاه و امتحن الله عز وجل حقيقة حنيفيته ،فأمره أن يسكن ولده إسماعيل عليه السلام بواد غير ذي زرع بمكة المكرم وقد رزقه إياه على الكبر و تعلقت به نفسه أيما تعلق، لكن الله تعالى اختبر توحيده بهذا البلاء العظيم لينصرف كليا إلى ربه دون أن يشغله حب هذا الولد الغالي . وازداد البلاء عظمة حين أمره ربه سبحانه بذبحه حين بلغ معه السعي لينصرف كذلك كليا إلى ربه دون أن ينشغل به عنه ، وقد بلغ بذلك منتهى الحنيفية بحيث لم يدع مجالا لشائبة تشوب خالص توحيده ولو كانت محبة الولد الغالي الذي رزقه على الكبر ، وقد زاده ذلك تعلقا شديدا به .
وهكذا صارت عملية نحر الأضاحي رمزا للمسلمين لتجديد العهد مع الله عز وجل بالتزام الحنيفية على طريقة خليله الذي جعل لهم إسوة ، ذلك أن المضحي المسلم يلتزم أمام ربه بالبراءة التامة من كل أشكال باطل الشرك ما ظهر منه وما بطن ، وما التبس بين ظاهر وباطن .
ومع شديد الأسف يحضرنا كل شيء حين تحل هذه المناسبة العظيمة إلا تجديد العهد بالتزام الحنيفية ، واغتنام فرصة حلول عيد الأضحى لقياس المسافة الفاصلة بيننا وبينها ، ذلك أن مواقف الناس عندنا في هذه المناسبة هي كالتالي :
ـ منا من يختزل هذه المناسبة في التفكير في اقتناء الكبش الأقرن الأملح وفي نفس الوقت الأرخص ، وقد لا يبالي بكيفية الحصول عليه أيكون ذلك بكسب مشروع أم بسحت ؟ ومنا من يشتري أضحيته بقرض ربوي ، ومنا من يقتنيه برشوة أو بسرقة وغصب أو غير ذلك .
ـ ومنا من يجعل هذه المناسبة فرصة لممارسة الغش في أقبح صوره ، ويتعلق الأمر بمربي الماشية الذين يجعلون همهم هو الربح في هذه المناسبة بكل الطرق والوسائل ، فيطعمون مواشيهم العلف الموبوء ، ويحقنونها بالحقن المضرة بها وبصحة من يطعم لحومها ، ويغالون في أثمنتها ، ويحلفون على ذلك بأحرج الأيمان دون أن يخطر ببالهم شيء من دلالة أو مغزى أو رمزية عيد الأضحى .
ـ ومنا من يجعل همه التعبير عن تبرمه من ثمن الأضحية ، وهو يراها وزرا يثقل كاهله ، ويرهق جيبه ، ويسويه بغيره من المصاريف كمصاريف العطل والاصطياف على شواطىء البحر ، ومصاريف الدخول المدرسي حتى بلغ الأمر ببعضهم حد التعبير عن التبرم من هذه المناسبة الدينية العظيمة بواسطة رسم كاركاتوري منشور على موقع رقمي يصور أحدهم وهو يحمل على كتفه الأيمن خروفا ، وعلى الأيسر حزمة كتب مدرسية ، وهو بذلك يجعل الأضحية في مرتبة الكتب المدرسية مستخفا بها دون أن يدور بخلده ما تحمله تلك الأضحية من رمزية دينية .
ـ ومنا من يشكو الفاقة في هذه المناسبة مصرا على الحصول على أضحية مهما كلفه ذلك من ابتذال كرامته لأنه همه هو التفكير في استهلاك اللحم .
ـ ومنا من يتكبر عن اقتناء الأضحية ، ويرى ذلك مجرد عادة بالية عفا عنها الزمن بل يراه تخلفا لا يليق بمستواه الاجتماعي والفكري والثقافي، وهؤلاء من فئة الميسورين الذين يغادرون إلى البلاد الأجنبية فرارا من هذه المناسبة العظيمة ، واشمئزازا من ذبح الأضاحي التي يعتبرونها مجرد زبالة قذرة .
ـ وقليل منا من تحضره رمزية المناسبة ، ويستحضر عهده مع خالقه سبحانه بالتزام الحنيفية التي أمر باتباعها .
وبقي أن نقول في الأخير أنه لا معنى للاحتفال بعيد الأضحى إذا ما كانت مظاهر الشرك الظاهر والباطن والملتبس بينهما شائعة فينا .
فهل يعتبر حنيفا مسلما من يتقرب بالأضحية وهو يشرك بالله تعالى الشيطان الرجيم لعنه الله ،فيطيعه بارتكاب معاصي الزنا والخمر والقمار والرشوة والسرقة ... إلى غير ذلك من الموبقات ؟
وهل يعتبر حنيفا مسلما من ينحر وهو يلجأ إلى العرافين وقراء الفناجين أوالرمل أوالكف والسحرة والمشعوذين ، ويتصفح أعمدة الأبراج على صفحات الجرائد ليكشفوا له عن غيب استأثر الله عز وجل بعلمه أو يلتمس عندهم الرزق والولد... وغير ذلك مما لا يلتمس إلا عند الخالق سبحانه وتعالى عن الشركاء علوا كبيرا ؟
وهل يعتبر حنيفا مسلما وتقبل منه ذبيحته من يحضر مواسم الأولياء ويأكل ما ذبح عليها وهي بمنزلة النصب زاعما أن اسم الله قد ذكر عليها ولكن بنية تقديمها عند الأضرحة، علما بأن معظم العوام يلتبس عليهم الأمر في ذلك ،فيشركون مع الله تعالى علوا كبيرا أصحاب تلك الأضرحة جهلا منهم ؟
وهل يعتبر حنيفا مسلما و ينحر يوم عيد الأضحى من يشرك بالله تعالى هواه وهو يتبع ما يمليه عليه ، فتمتد يده إلى ما حرم الله من أموال الأمة التي قد يختلس منها لشراء الكبش الأقرن الأملح زاعما أنه يقتدي في ذلك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وهل يعتبر حنيفا مسلما من ينحر أضحية سرقها ؟
إن كل هؤلاء لا علاقة لهم بالحنيفية كما وضع أسسها الخليل عليه السلام ، وكما أكمل بناءها المصطفى صلى الله عليه وسلم بل هم مجرد أكلة لحوم لا غير قد حولوا عبادة عظيمة القدر عند الله عز وجل إلى مجرد عادة يلابسها الشرك بكل صوره وأشكاله .
وسوم: العدد 785