دروس في فقه الجهاد والقيادة الراشدة 14
دروس في فقه الجهاد والقيادة الراشدة
نماذج جهادية متألقة (14 )
د. فوّاز القاسم / سوريا
بناءً على فهم الأمة العميق لمعاني الجهاد في سبيل الله ، فقد تألق التاريخ العربي الإسلامي بنماذج جهادية باهرة ، لم تكن لتحصل إلا في أمة عريقة كأمة العرب ، وفي ظل نظام رباني كنظام الإسلام ..
فعن صفوان بن عمرو قال : كنت والياً على حمص ، فلقيت شيخاً كبيراً من أهل دمشق ، قد سقط حاجباه من الهرم ، وهو راكب راحلته يريد الغزو في سبيل الله ، فقلت له يا عمّ .! أليس قد أعذر اللهُ إليك .!؟
فرفع حاجبيه وقال : يا ابن أخي ، لقد استنفرنا الله خفافاً وثقالاً ، إلا أنه من يحبّه الله يبتليه .. الكشاف(2/34).
ولقد خرج سعيد بن المسيّب ( رض ) إلى الجهاد وقد ذهبت إحدى عينيه ، فقيل له : إنك عليلٌ وصاحبُ ضرر ، فقال : استنفرنا الله الخفيف والثقيل ، فإن لم يمكنني القتال ، كثّرت سواد المسلمين ، وحفظت متاعهم .
ولقد عُثر على عبد الله بن أم مكتوم الأعمى ، صاحب رسول الله (ص) في جند القادسيّة ، وهو يحمل لواء المسلمين ، وعندما سُئل عن سبب خروجه للجهاد وقد أعذره الله ، فقال : أفلا أكثّر سواد المسلمين .!؟ الاستيعاب (2/494).
بل حتى النساء كنّ يتسابقن إلى نيل شرف المشاركة في الجهاد العربي الإسلامي ، فلقد شهدت نُسيبة بنت كعب المازنيّة ( أم عمارة رضي الله عنها ) ، أغلب غزوات الرسول ( ص ) ، ولقد أبلت في أُحد بشكل خاص بلاءً عظيماً ، حتى جُرحت بين يدي رسول الله ( ص ) جراحات عدّة ، كما شاركت مع خلفائه من بعده رضوان الله عليهم ، ولقد قاتلت المرتدّين في اليمامة مع القائد المبدع خالد بن الوليد ( رض ) وأبلت بلاءً حسناً حتى قطعت يدها وجُرحت بضعة عشر جرحاً .
الإصابة ( 8/198).
ولقد ركبت أم حرام بنت ملحان ، زوجة عبادة بن الصمت رضي الله عنها وعن زوجها ، البحر مجاهدة في سبيل الله ، وذلك في غزوة قبرص ، سنة (27) للهجرة الشريفة ، واستشهدت هناك ، وقبرها معروف في قبرص إلى اليوم .!!!
وهكذا كان تفاعل أبناء الأمة مع دعوتهم ورسالتهم ومبادئهم ، تفاعل جهاد وعطاء وتضحية ، حتى غيّروا بجهادهم خارطة العالم ، وعدّلوا بتضحياتهم مسار التاريخ ، وبالتالي فقد ألبسهم الله ما يستحقّون من أثواب العزّة والكرامة والنصر والتمكين ، مكافأة لهم على صدقهم وحسن بلائهم …
وها هم أولاء اليوم ، أحفاد القرامطة والحشّاشين ، وأحفاد ابن العلقمي وأبي رغال ونصير الكفر الطوسي ، من الأسديين والصفويين ومن مالأهم من المنافقين والمرتدين ، ها هم أولاء ، يعيثون في شام الأنبياء والصدّيقين والفاتحين ، فساداً وتخريباً ، وإذلالاً ، وقتلاً ، واعتقالاً ، وتشريداً ، متوهّمين – خسئوا – بأن شامنا الحبيبة ، يمكن أن تكون فريسة سهلة لهم ، وأن خيراتنا يمكن أن تكون مشاعاً لأوباشهم …
وما درى أولئك الأغبياء الأشقياء ، بأن لحمنا في الشام مرّ لا يؤكل ، وأننا يمكن أن نصبر ساعة ، ولكننا لا نقبل بالذل والمهانة إلى قيام الساعة ...!!!
فخابوا وخسئوا ... وفي الرجس انتكسوا ...
وأيم الله … لو لم نجد إلا الذرَّ لنجاهد به ، لما تركنا أولئك المجرمين والقتلة والموتورين الحاقدين ، يعيثون بأمننا ، ويستذلون حرماتنا ، وينهبون خيراتنا ...
فيا رياح الجنّة هبّي ..!!! ويا خيل الله اركبي … ولقد قبلنا التحدّي …!!!
وكما انتفضت أجيال الأمة من قبل ، ولبّت بحماسة المجاهدين ، وإقدام المؤمنين الصادقين ، كلّ نداءات التاريخ ، فكذلك انتفض المؤمنون الغيارى من أبناء سورية الحبيبة ، شيباً وشباباً ، رجالاً ونساءً ، وفي مقدّمتهم الرجال الغيارى من أبناء قواتنا المسلحة ، من أسود الجيش السوري الحرّ البطل ، يعاونهم ويشد من أزرهم ويقف في خندقهم كل أصيد أغر من أبناء هذه الأمة المجاهدة ، من المحيط إلى الخليج ، مع تسجيل أسمى آيات المرحى ، وأعلى نياشين الفخر ، للتقاة الكماة أصحاب السبق من أبنائنا النجباء ، وبناتنا الماجدات ، مدنيين وعسكريين ، من أقصى جنوب الوطن إلى أقصى شماله ، ومن أقصى غربه إلى أقصى شرقه ، فقد والله شرّفوا الأمة ، ورفعوا رأس العرب ، وأثلجوا صدور المؤمنين والإنسانيين ...
وكما انتصرت القلّة المؤمنة في ( بدر ) و ( القادسيّة ) و ( اليرموك ) وغيرها …
فكذلك ستنتصر – بعون الله – إرادة الحق والخير والإيمان والفضيلة ، التي يمثّلها المؤمنون المجاهدون من أبناء جيشنا السوريّ الحر البطل ، وستندحر – بإذن الله – قوى الكفر والظلام والحقد والطغيان والسّاديّة ، متمثّلة في عصابة الأسد وشبّيحته الغادرة الفاجرة ، ومن ساندهم من أحفاد ابن العلقمي ، ونصير الكفر الطوسي وسيشرق فجر الشام والعرب والإسلام من جديد ، وتعود سورية الحبيبة إلى دورها الريادي والقيادي في الأمة …
(( ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ، ينصر من يشاء ، وهو العزيز الرحيم ))
الروم ( 5) صدق الله العظيم