تأملات في القران الكريم ح415 سورة الملك الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم
أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ{16}
تضمنت الآية الكريمة سؤالا تحذيريا للكفار ( أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء ) , ملائكته , قدرته وسلطانه جل وعلا , ( أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ ) , ان يخسف بكم الارض كما خسفت بقارون وغيره , ( فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ) , تضطرب وتتحرك بكم حتى تهلكوا .
أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ{17}
تستمر الآية الكريمة ( َمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء ) , ملائكته , قدرته وسلطانه جل وعلا , ( أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ) , ان يرسل عليكم ريحا ترميكم بالحصباء "حجارة صغيرة" , ( فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ) , فستعملون كيف انذاري , عندما تعاينون المنذر به , عندها لا ينفعكم الاعلام .
كلا الآيتين الكريمتين هددتا بعذابين مختلفين , احدهما من الارض "كالخسف" , والاخر من السماء "كالحجارة وغيرها" , هذه اغلب اراء المفسرون القدامى , اما اليوم وبعد التقدم العلمي الحاصل في جميع المجالات , اثبت ان الارض مهددة بنوعين من التهديد :
1- نار في باطنها , تقدر حرارتها بـ 5000 – 6000 درجة .
2- اما التهديد الاخر , فمن السماء نفسها , حيث مليارات الكتل الملتهبة من النجوم , او الكواكب ذات الاحجام الهائلة , اضافة الى المذنبات التي تجوب الكون , كل ذلك قد يشكل خطرا حيويا على الكرة الارضية فيما لو حدث تغيير ما ولو بمقدار بسيط .
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ{18}
تنعطف الآية الكريمة محققة مؤكدة ( وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) , الامم السابقة , ( فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ) , انكاري عليهم بالهلاك والعذاب , وفيها :
1- شيئا من التسلية للرسول الكريم محمد "ص واله" .
2- تهديدا لكفار مكة .
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ{19}
تضيف الآية الكريمة ( أَوَلَمْ يَرَوْا ) , ينظروا , ( إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ ) , باسطات اجنحتهن في الهواء , ( وَيَقْبِضْنَ ) , ويضممن اجنحتهن الى جنوبهن احيانا , ( مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ ) , ما يمنعهن من الوقوع بعد البسط والقبض الا الرحمن جل وعلا بقدرته , ( إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ) , يعلم جل وعلا كيف يخلق الخلق ويهيأ لكل منها مميزات خاصة , تمكنه من الطيران , وبعضها يمكنه الغوص في الماء ... الخ , فلا يرى في خلقه جل وعلا من نقص او تفاوت .
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ{20}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ ) , اعوان او من تظنونه ناصرا لكم , او هو ما يعبده المشركون من الاصنام وغيرها , ( يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ ) , كيف سينصركم ان اراد الرحمن جل وعلا بكم الخسف او ارسل عليكم الحصباء , وهو يشابه قوله جل وعلا {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ }الأنبياء43 , ويلاحظ في النص المبارك ( يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ ) , ولم يقل "ينصركم من دون الله " مثلا , وذلك لعدة اسباب منها :
1- بيانا ان الكفار تشملهم رحمته جل وعلا الرحمانية , دون الرحمة الرحيمية الخاصة بالمؤمنين فقط .
2- الكفار في الآية الكريمة في طور الإنذار , والإنذار قبل العذاب , لذا فهم لا زالوا في رحمته جل وعلا .
( إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ ) , يقرر النص المبارك ان الكافرون لا معتمد لهم , فقد غرهم الشيطان بأن العذاب لن ينزل بهم .
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ{21}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ايضا ( أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ ) , من دون الله تعالى , او من هذا الرازق المزعوم انه يرزقكم , ( إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ) , ان منع الله تعالى اسباب الرزق عنكم , ( بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ ) , بل تمادوا في تكبر او عناد , ( وَنُفُور ) , وتباعد عن الحق .
أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{22}
تستمر الآية الكريمة ( أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ ) , أفمن يمشي منكسا وجهه لا يدري اي طريق يسلك , او يتعثر ويسقط على ووجهه لوعورة الطريق الذي اختاره , ( أَهْدَى ) , اكثر هدى , ( أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) , أمّن يمشي قائما , سالم القامة على طريق واضح لا اعوجاج ولا انحراف فيه , طريقا صالح للسير , وهذا مثل للكافر والمؤمن .
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ{23}
الآية الكريمة تخاطب الرسول الكريم محمد "ص واله" ( قُلْ ) , للكافرين يا محمد "ص واله" , ( هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ ) , خلقكم انشاءً من العدم , ( وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ) , لتسمعوا المواعظ , وتبصروا دلائل قدرته جل وعلا , ثم تتدبروا وتفكروا وتعقلوا , ( قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ) , الشكر يقسم الى عدة اقسام , منها شكر اللسان والقلب , ومنها ان تستعمل النعم فيما خلقت لأجله , ومنه ان الله يحب ان يرى نعمته على خلقه الى غير ذلك , ومنه ايضا معرفة المنعم جل شأنه , اما الكافرون فقليلي الشكر , لانهم اصابوا بعض انواع الشكر واغفلوا اكثره او اغفلوا اهم موارده .
قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ{24}
تستمر الآية الكريمة ( قُلْ ) , لهم يا محمد "ص واله" , ( هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ ) , خلقكم ونشركم فيها , ( وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) , للجزاء .
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{25}
تروي الآية الكريمة قول الكفار سائلين النبي الكريم محمد "ص واله" والمؤمنين ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ ) , الحشر , ( إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) , فيه .
قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ{26}
الآية الكريمة تخاطب الرسول الكريم محمد "ص واله" ( قُلْ ) , للكافرين يا محمد "ص واله" , ( إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ ) , لا يعلم وقت مجيئه الا الله جل جلاله , ( وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) , مقررا انه "ص واله" نذير واضح الإنذار .
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ{27}
تستمر الآية الكريمة ( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً ) , أي فلما رأى الكفار العذاب قريبا منهم , ( سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) , اسودت وجوههم , وبانت عليها الكأبة , وساءتهم رؤيته , ( وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ ) , قالت لهم خزنة جهنم "هذا العذاب الذي كنتم تزعمون انكم لن تبعثوا" , او "هذا العذاب الذي كنتم تطلبون تعجيله في الدنيا" .
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{28}
تستمر الآية الكريمة ( قُلْ ) , للكافرين يا محمد "ص واله" , ( أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ ) , ان اماتني الله تعالى ومن معي من المؤمنين كما تتمنون , ( أَوْ رَحِمَنَا ) , بتأخير آجالنا وعافانا من عذابه , ( فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) , فمن يحمي او يمنع الكافرين من عذاب شديد الإيلام , أي لا منجي ولا ناصر لهم منه .
قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{29}
تضيف الآية الكريمة ( قُلْ ) , للكافرين يا محمد "ص واله" , ( هُوَ الرَّحْمَنُ ) , ادعوكم اليه , مولى النعم , والناصر , ( آمَنَّا بِهِ ) , صدقنا به , ( وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ) , وثقنا واعتمدنا , ( فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) , عند معاينة العذاب ستعلمون من كان في الضلال الواضح , نحن ام انتم ؟ ! .
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ{30}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( قُلْ ) , للكافرين يا محمد "ص واله" , ( أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً ) , غائرا في الارض , لا تناله الدلاء , وليس لديكم وسيلة لإخراجه , ( فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ ) , فمن غيره جل وعلا يأتيكم بماء جار تراه الاعين وتتناوله الايدي , ينبغي لقارئ النص المبارك ان يجيب بما يناسب , مثلا "الله يأتينا بالماء المعين".
وسوم: العدد 805