كان من إعداد الله تعالى لنبيه موسى ألا ينشأ في بني إسرائيل
كان من إعداد الله تعالى لنبيه موسى ألا ينشأ في بني إسرائيل، أولئك الذين بلغوا من الذل والخضوع حدَّ أن يأتي الشرطي فينزع من الرضيع من يدي أمه فيقتله أمام والديه، ولا يملكان المقاومة!!
لذلك لم يتركه الله في هذه البيئة، بل بمجرد ولادته أرسله ليتربي حيث لا يوجد الذل.. في قصر فرعون!!
في قصر فرعون شرب موسى أمران:
1. عزة الأمراء، إذ هو المقرب المحبوب من فرعون وزوجته.. فلم يعرف معنى الذل والخضوع أبدا.
2. أنه رأى فرعون بشرا -لا إلها، ولا أسطورة، ولا شيئا رهيبا- رآه كالبشر، يفرح ويحزن ويغتم ويتألم ويمرض ويضعف وينكسر.. فلم يعتقد فيه ما يعتقده أولئك الأذلاء من سطوة وجبروت وسلطان وصولجان!!
ثم لما بدأ الاحتكاك بينه وبين قوم فرعون حين صار شابا، هيأ الله له السبيل لكي يهرب، فلا يذله سجن ولا يقهره تحكم الرجال، ولا يلامسه سوط ولا أذى.
فظل نبي الله عزيزا، ولو كان فقيرا أو غريبا أو مشردا..
هذه المعاني لا يدركها المرء إلا بالمعاناة، والكلام عنها هو من قبيل فتح الأذهان لا نقل الحقائق، فهي معاني أوسع من الألفاظ.
الحياة في ظل الطغيان ضارة بالنفس، مُذهبة للعزة والكرامة، دافعة لقبول الضيم والذل والخضوع.. ولذلك لا تتغير الشعوب من مواقع العز إلى الذل في عام أو عامين، بل يُحسب هذا بالجيل! فالأجيال التي تعودت الذل لا تصنع نصرا ولو توفر لها كل إمكانيات النصر
(يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم)
(إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها)
ولذلك..
فمعركة كسر الانقلاب الحالية هي معركة جيل لا معركة سنوات، إذا خسرناها فلا يكن لديك أمل إلا بعد نصف قرن آخر..
لهذا، فالتحدي الحقيقي أن نستمر في المقاومة مهما كانت صعبة، ومهما كانت مكلفة، ومهما استمرت المعركة شهورا أو سنوات..
والثمن الذي سندفعه في المقاومة مهما كان عظيما، هو أقل بكثير من الثمن الذي سندفعه عبر نصف قرن من الذل.
وارجع بالتاريخ إلى الخلف: ترى لو لم يؤثر الإخوان حقن دماء عبد الناصر وشلة العسكر الفاسدين المجرمين، كم ضحية كانت ستذهب في ذلك الصراع وقتها.. ثم كم ضحية دفعناها عبر ستين سنة سوداء، انهار فيها البلد في كل المناحي حتى صارت دماء الناس هي أرخص شيء فيه.
وسوم: العدد 808