فِي رِحَابِ آيةٍ...
وَفِي قَولِهِ تَعَالَى: (وَمَا كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنْتَ فِيهِم، وَمَا كانَ اللهُ مُعذِّبَهُم، وَهُم يَستَغفِرُونَ). [الأنفال:33]
جَاءَ خبرُ (كانَ) الأُولَى علَى خلافِ ما أَتَى بِهِ فِي الثَّانِيةِ، لماذا؟ وَهُنا نَقرأُ أَمرَيْنِ اثنَيْنِ، الأَوَّلُ: إِمَّا أَنْ يكونَ مَحذُوفاً، وَهُوَ الإِرادةُ، وهذا تقديرُ البصريِّينَ، أي: ما كانَ اللهُ مُريداً لِتَعذِيبِهِم، وَانتِفاءُ إِرادةِ التَّعذِيبِ أَبلَغُ مِن نَفيِ العَذابِ ، والآَخرُ إِمَّا أَنَّه أَكَّدَهُ باللَّامِ علَى رأي الكُوفِيِّينَ لأنَّ وُجُدَهُ فِيهِم أَبلَغُ مِن استِغفارِهِم، فَشَتَّانَ بينَ وُجُودِهِ علَيهِ-الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- فِيهِم وَبَينَ استِغفارِهِم. واللهُ أَعلَمُ.... وهذا رأي السمين الحلبي في الدر المصون 5: 598.
وَوَجَدْتُ كلامَ أبي حيَّانَ الأَندَلُسِيِّ (ت745هـ) كلاماً سائِغاً للشَّارِبِينَ إذ يَرى أَنَّ حُسنَ المَساقِ لِهاتَيْنِ الجُملَتَيْنِ يُبهِرُ السَّامِعَ، فَقالَ: " لمَّا كانَتْ كَينُونَتُهُ فِيهِم سَبَباً لانتِفاءِ تَعذِيبِهِم، أَكَّدَ خبرَ كانَ باللَّامِ علَى رَأيِ الكُوفِيِّينَ، أو جَعَلَ خبرَ (كانَ) الإِرادةَ المنفِيَّةَ علَى رأي البَصرِيِّينَ. وَانتِفاءُ الإِرادةِ لِلعَذابِ أَبلَغُ مِن انتِفاءِ العَذابِ. وَلمَّا كانَ استِغفارُهُم مِن دُونِ تلكَ الكَينُونةِ الشَّرِيفةِ لم يُؤكِّد بِاللَّامِ بل جاءَ خبرُ كانَ قَولُهُ: ( مُعَذِّبَهُم) فَشَتَّانَ ما بَينَ استِغفَارِهِم وَكَينُونَتِهِ-صلَّى الله علَيهِ وَسَلَّمَ- فِيهِم". البحر الحِيط 4: 483. والله أعلَمُ...
وسوم: العدد 822