حقيقةً سُنَنية
لقد غرس القرآن الكريم في ذهن المصطفى صلى الله عليه وسلم ووعي المؤمنين به إلى قيام الساعة، حقيقةً سُنَنية تقول: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا}، وفي ذات الآية نهاه تعالى عن الإكراه، وذلك عبر أسلوب تعجبي واستفهام استنكاري، فقال: {أفأنتَ تُكرِه الناس حتى يكونوا مؤمنين؟!}. فهل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم مارس الإكراه مع أحد من الناس بأي صورة وفي أي زمن؟.. بالطبع لم يثبت من ذلك شيئ، فقد كان صلى الله عليه وسلم حرا ويقدر حرية الآخرين. فما هو إذاً الإكراه المَنهي عنه في الآية؟ ..لقد كان صلى الله عليه وسلم كما وصفه ربه رحمة للعالمين، وكان خائفا عليهم من جحيم الدنيا وسعير الآخرة، ولهذا فقد كثّف دعوته لهم في كل وقت حتى كاد أن يُهلك نفسه، كما قال له ربه: {لعلك باخعٌ نفسك ألا يكونوا مؤمنين}، وكان برحمته السابغة وشخصيته الآسرة يمارس في دعوته لهم صورا من التأثير العاطفي الشديد الذي يؤثر على الاختيار العقلي الحر للبعض، فاعتبر القرآن هذا الحرص الشديد على الهداية إكراهاً، فهل هناك تقدير للحرية أشد من هذه الصورة الخفية؟!
وسوم: العدد 835