تأملات في القران الكريم ح433، سورة الأنسان الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً{14}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا ) , قريبة منهم اشجار الجنة , تظلهم بأغصانها واوراقها , ( وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً ) , تيسر لهم قطف ثمارها من غير بذل جهد , فينالها القائم والقاعد .
وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا{15}
تستمر الآية الكريمة ( وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا ) , تطوف عليهم الغلمان المخلدون بآنية من الفضية واكواب "اقداح لا عرى له" .
قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً{16}
تضيف الآية الكريمة ( قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ ) , جمعت صفات الزجاج , فيرى ما في داخلها , وبياض الفضة , ( قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً ) , فيها عدة اراء منها :
1- صنعت لهم على قدر تقلبهم لا تحجر فيها ولا فضل . "تفسير القمي" .
2- أي قدروها في انفسهم , فجاءت كما قدروا وتمنوا في الشكل واللون والحجم والمذاق .
3- او انهم قدروها بأعمالهم الصالحة , فجاءت على قدرها .
4- او ان الطائفون بالشراب قدروا حاجتهم منها على قدر ما يشتهون .
( عن الصادق عليه السلام والقمي قال ينفذ البصر في فضة الجنة كما ينفذ في الزجاج ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً{17}
تستمر الآية الكريمة ( وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً ) , الكأس بمعنى الخمر , ( كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً ) , مزجت الخمرة بشراب الزنجبيل , وهذا مما كان يستلذ به عرب الجاهلية .
عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً{18}
تضيف الآية الكريمة ( عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً ) , أي ان الزنجبيل ينبع من عين في الجنة تسمى "السلسبيل" , سميت بهذا الاسم لان شرابها سهل الانحدار في الحلق , مستساغ , طيب , وسلامته من كل منغص .
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً{19}
تستمر الآية الكريمة ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ ) , غلمان , لا يشيبون , دائمون على شكلهم ومظهرهم , ( إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً ) , من صفاءهم وانتشارهم في كل مكان .
وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً{20}
تضيف الآية الكريمة ( وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ) , ملكا واسعا , لا يزول ولا يفنى .
( عن الباقر عليه السلام في حديث يصف فيه حال المؤمن إذا دخل الجنان والغرف إنه قال في هذه الاية يعني بذلك ولي الله وما هومن الكرامة والنعيم والملك العظيم وأن الملائكة من رسل الله ليستأذنون عليه فلا يدخلون عليه إلا بإذنه فذلك الملك العظيم
عن الصادق عليه السلام إنه سئل ما هذا الملك الكبير الذي كبره الله عز وجل حتى سماه كبيرا قال إذا أدخل الله أهل الجنة الجنة أرسل رسولا إلى ولي من أوليائه فيجد الحجبة على بابه فتقول له قف حتى نستأذن لك فما يصل إليه رسول ربه إلا بإذنه فهو قوله وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً{21}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ) , يعلوهم ثياب حرير اخضر , والسندس ما رقم من الحرير , والاستبرق ما غلظ منه , ( وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ ) , زينتهم فيها من الذهب والفضة , ( وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ) , بيانا لمزيد من طهارة هذا النوع من الشراب.
(عن الباقر عليه السلام في الحديث السابق وعلى باب الجنة شجرة ان الورقة منها ليستظل تحتها ألف رجل من الناس وعن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية قال فيسقون منها شربة فيطهر الله بها قلوبهم من الحسد ويسقط عن أبشارهم الشعر وذلك قول الله عز وجل وسقيهم ربهم شرابا طهورا من تلك العين المطهرة ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً{22}
تقرر الآية الكريمة مضيفة ( إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء ) , ان هذه المنزلة كانت ثوابا لكم , ( وَكَانَ سَعْيُكُم ) , عملكم في الدنيا , ( مَّشْكُوراً ) , غير مضيع .
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً{23}
تستمر الآية الكريمة مقررة ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً ) , اياك اعني , واسمعي يا جارة , الخطاب للنبي الكريم محمد "ص واله" والمعني كل من سمع النداء .
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً{24}
الآية الكريمة تخاطب النبي الكريم محمد "ص واله" ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ) , وهو تأخير النصر على الاعداء , ( وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً ) , قائم بالإثم وهو عتبة بن ربيعة , ( أَوْ كَفُوراً ) , كثير الكفر , وهو الوليد بن المغيرة , فمما يروى إن عتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة قالا للنبي الكريم محمد "ص واله" : ارجع عن هذا الامر , هذا من ناحية الخصوص , اما بالعموم , فيشمل كل قائما بالإثم وكثير الكفر في أي زمان ومكان .
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً{25}
يستمر الخطاب للنبي الكريم محمد "ص واله" في الآية الكريمة ( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) , بالغداة ومنتصف النهار .
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً{26}
تستمر الآية الكريمة ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ ) , صلاتي العشاءين , او صلاة الليل , ( وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ) , صلاة الليل كما تقدم في سورة المزمل الشريفة .
(عن الرضا عليه السلام أنه سئل وما ذلك التسبيح قال صلاة الليل وقيل بكرة صلاة الفجر وأصيلا الظهران ومن اليل فاسجد له العشاءان وسبحه ليلا طويلا أي وتهجد له طائفة طويلة من الليل ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً{27}
تقرر الآية الكريمة ( إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ) , الدنيا , ( وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ) , ويتركون يوما هم مقبلون عليه , ثقيلا , لشدته وكثرة اهواله .
نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً{28}
تستمر الآية الكريمة ( نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ ) , من العدم , ( وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ) , احكمنا خلقهم , ( وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً ) , اهلكناهم وخلقنا خلقا اشبه بخلقهم , اكثر وادوم طاعة منهم .
إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً{29}
تستمر الآية الكريمة مقررة ( إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ ) , السورة عظة , ( فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ) , فمن طلب الخير , فليطلبه في موارده وليسلك مسالكه .
وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً{30}
تضيف الآية الكريمة مبينة ( وَمَا تَشَاؤُونَ ) , لا مشيئة لكم ولا تفويض , ( إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ) , المشيئة والتفويض لله تعالى , ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً ) , بخلقه , ( حَكِيماً ) , بحكمه وتقديره , وبعبارة اخرى , لا يشاء الا حسب ما يقتضيه علمه وحكمته جل وعلا .
يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً{31}
تختتم الآية الكريمة مؤكدة ( يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ) , الدخول في الرحمة يوجب دخول الجنة , وهذه الشريحة هم الذين وفقوا الى الايمان والطاعة , ( وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ) , اما من لم يدخل في رحمته , ليس له سوى العذاب , وهم الفئة التي استحبت وفضلت الدنيا على الاخرى , فلم يوفقوا الى الايمان والطاعة .
وسوم: العدد 838