اعرفوا قدر رسولكم صلى الله عليه وسلم والحال يسري من الشيخ للتلاميذ
أدب السلف الصالح مع الرسول ﷺ :
أما أدبهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد بلغوا فيه القمة،
فهذا الإمام مالك بن أنس عالم المدينة الذي قيل فيه: "لا يفتى ومالك في المدينة" من أشد الناس إجلالا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روي أنه كان إذا أراد أن يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويغتسل ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه، ويجلس على ركبتيه كجلسة الصلاة، ويبقى على هذه الصورة حتى ينتهي المجلس. كما نقل عنه أنه لدغته عقرب عدة لدغات، ولم يغير مجلسه أدبًا مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعن من اكتسب هذا؟
يقول مالك رحمه الله
١-وقد سئل عن أيوب السختياني: "ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب أفضل منه، قال: وحج حجتين فكنت أرمقه -وكلمة (أرمقه) مهمة في معايشة أهل العلم والفضل والأدب والمربين- فلا أسمع منه غير أنه إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرحمه، فلما رأيت منه ما رأيت وإجلاله للنبي صلى الله عليه وسلم كتبت عنه".
٢-وقال مصعب بن عبد الله: "كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه، وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه، فقيل له يوما في ذلك؟!
٣-فقال: لو رأيتم ما رأيت؛ لما أنكرتم علي ما ترون، لقد كنت أرى محمد ابن المنكدر، وكان سيد القراء، لا نكاد نسأله عن حديث أبدًا إلا ويبكي حتى نرحمه،
٤-ولقد كنت أرى جعفر بن محمد، وكان كثير الدعابة والتبسم؛ فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم اصفر لونه، وما رأيته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة،
ولقد اختلفت إليه زمانًا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصليًا، وإما صامتًا، وإما يقرأ القرآن، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان من العلماء والعباد الذين يخشون الله..
٥-ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم فينظر إلى لونه كأنه نزف من الدم، وقد جف لسانه في فمه هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
٦-ولقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع،
٧-ولقد رأيت الزهري، وكان من أهنأ الناس وأقربهم، فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم كأنه ما عرفك ولا عرفته،
٨-ولقد كنت آتي صفوان بن سليم، وكان من المتعبدين المجتهدين؛ فإذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه".
٩-بل روي أن الخليفة أبا جعفر المنصور ناظر مالكًا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن الله أدب قومًا فقال: {..لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ..} [الحجرات:2]. ومدح قومًا فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ..} [الحجرات:3]. وذم قومًا فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الْحُجُرَاتِ..} [الحجرات:4]. وإن حرمته ميتًا كحرمته حيًا، فاستكان أبو جعفر. رحمنا الله ورحمهم ما أعظم أدبهم وفقههم في الدين.
وصلى الله وسلم وبارك وعظم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
وسوم: العدد 873