المؤمنون بالغيب والمؤمنون بالشهادة
المؤمنون بالغيب والمؤمنون بالشهادة
حسام العيسوي إبراهيم
يتصور البعض (بحكم تربيتهم الفكرية والروحية) بأن العمل الدنيوي لا يتبعه مساءلة أخروية، وهم تبعًا لهذه الفكرة دنيويون يؤمنون بما تحت الحس والمشاهدة منكرون ما دونهما، هؤلاء القوم يبطشون ويعيثون في الأرض فسادًا، فهم (على حد زعمهم) بعيدون عن المراقبة، بلا مساءلة ولا مناقشة ولا حساب، من أجل ذلك فأرواح الصالحين عندهم رخيصة، وقلوبهم ران عليها الكبر والحقد والبغضاء، لا تسمع منهم إلا الشر، ولا يتحركون إلا بالمكيدة والمكر السيء لعباد الله.
هذا الصنف المذكور لا تجدهم حاملين إحساس، ولا عندهم مشاعر بهموم الآخرين وأحزانهم، يعيشون في الدنيا كأنهم سيخلدون، يكثرون من البطش والأذي وكأنهم لن يقفوا أمام الحق (تبارك وتعالى).
لكن هناك صنف آخر يتيقنون جيدًا أن هذه الحياة إلى زوال، وإن ملك هؤلاء لا محالة زائل، يعلمون أن هناك يومًا ترد فيه المظالم، وترجع الحقوق إلى أهلها، متيقنون في نصر الله وعزة دينه، يرون أمام أعينهم مصارع الظالمين، فتطمئن قلوبهم، وترتاح نفوسهم، ويبذلون طاقاتهم، فعندما تستفرغ الطاقات يأتي النصر من الله.
شتان شتان بين الصنفين، بون شاسع بين هذين النوعين، فكلاهما مؤمنون، لكن الأول مؤمن بعالم الشهادة، بقدراته وطاقاته، ببطشه وجبروته، بجنوده وعتاده، بتأييده من الغوغاء وأصحاب النفوز.
أما الثاني فهو مؤمن بما عند الله، سلاحه يقينه، إيمانه قائده، علاقته بربه عزوته وناصره.
لكن بلا شك أن الفائز في النهاية، ورافع راية الظفر هو من آمن بعالم الغيب، وشهد لله بالوحدانية، وتيقن في نصر الله لعباده المؤمنين.