إشراقات من سورة الأنعام 7

إشراقات من سورة الأنعام:

جزاء الصبر والجهاد، هو: الجنّة

د. فوّاز القاسم / سوريا

لقد مكّن الله للرعيل الأول من المسلمين ، لأن الذين أقاموا هذا الدين في صورة دولة ونظام وشرائع وأحكام ; كانوا قد أقاموه من قبل في ضمائرهم وفي حياتهم , في صورة عقيدة وخُلق وعبادة وسلوك . وكانوا قد وعدوا على إقامة هذا الدين وعدا واحدا , لا يدخل فيه الغلب والسلطان . . ولا حتى النصر لهذا الدين على أيديهم . . وعدا واحدا لا يتعلق بشيء في هذه الدنيا . . وعدا واحدا هو الجنة . .

هذا كل ما وعدوه على الجهاد المضني , والابتلاء الشاق , والمضي في الدعوة , ومواجهة الجاهلية بالأمر الذي يكرهه أصحاب السلطان , في كل زمان وفي كل مكان , وهو:"لا إله إلا الله" !

فلما أن ابتلاهم الله فصبروا ; ولما أن فرغت نفوسهم من حظ نفوسهم ; ولما أن علم الله منهم أنهم لا ينتظرون جزاء في هذه الأرض - كائنا ما كان هذا الجزاء ولو كان هو انتصار هذه الدعوة على أيديهم , وقيام هذا الدين في الأرض بجهدهم .. ولما لم يعد في نفوسهم اعتزاز بجنس ولا قوم , ولا اعتزاز بوطن ولا أرض ، ولا اعتزاز بعشيرة ولا بيت ، ولا اعتزاز  بكتيبة ولا لواء ولا ، ولا اعتزاز براية ولا ( بجبهة ) ولا ( بدولة ) ...

لما أن علم الله منهم ذلك كله , علم أنهم قد أصبحوا - إذن - أمناء على هذه الأمانة الكبرى . أمناء على العقيدة التي يتفرد فيها الله سبحانه بالحاكمية في القلوب والضمائر وفي السلوك والشعائر , وفي الأرواح والأموال , وفي الأوضاع والأحوال. .  وأمناء على السلطان الذي يوضع في أيديهم ليقوموا به على شريعة الله ينفذونها , وعلى عدل الله يقيمونه , دون أن يكون لهم من ذلك السلطان شيء لأنفسهم ولا لعشيرتهم ولا لقومهم ولا لجنسهم ولا لكتائبهم ولا لراياتهم ولا لجبهاتهم  ; إنما يكون السلطان الذي في أيديهم لله ولدينه ولشريعته , لأنهم يعلمون أنه من الله , وهو وحده الذي آتاهم إياه .

ولم يكن شيء من هذا المنهج المبارك ليتحقق على هذا المستوى الرفيع , إلا أن تبدأ الدعوة ذلك البدء , وإلا أن ترفع الدعوة هذه الراية وحدها . .

راية لا إله إلا الله . . ولا ترفع معها سواها . . وإلا أن تسلك الدعوة هذا الطريق الوعر الشاق في ظاهره ; المبارك الميسر في حقيقته .

وما كان هذا المنهج المبارك ليخلص لله , لو أن الدعوة بدأت خطواتها الأولى دعوة قومية , أو دعوة اجتماعية , أو دعوة أخلاقية ، أو دعوة حزبية ، أو دعوة مناطقيّة  أو رفعت أي شعار إلى جانب شعارها الواحد:" لا إله إلا الله "..