دعوة وإجابة
دعوة نحتاجها دائماً ، سبقنا بها صالحو بني إسرائيل الذين عاشوا مع موسى عليه السلام في مصر فنالهم أذى فرعون وقومِه، هذه الدعوة دليل الإيمان لقوله تعالى على لسان موسى عليه السلام( إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين) فسبق التوكُّلَ إيمانٌ، وتبعه إسلامٌ ، فالتوكلُ نابع من الإيمان الذي يجعل المؤمن يُسلمُ أمره لله..
فما كان ممن آمن بموسى إلا أن نطقوا بما يدل على إيمانهم وسألوا الله تعالى أمرين :
- أن لا يجعلهم فتنة للظالمين
- وأن ينجّيهم من جبروت الكافرين، ( فقالوا على الله توكلنا..)وتوجهوا إلى الله يسالونه الحفظ من ظلم الظالمين وفتنتِهم والنجاةَ من الكافرين.
(ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين) سورة يونس الآية 85
سبقَ الدعاءَ توكلٌ على الله ، فمن توكل على الله كفاه ويقال له: (...كُفيتً ووقيتَ).
لا بد من اللجوء إلى الله والاعتماد عليه في كشف الكروب والسلامة منها ومن أهلها.فسَألوا الله ربهم (ربنا) فهم ينتمون إليه سبحانه ، عبادُه الذين يحبونه وينتصرون به،
وكلمة ( لا تجعلنا )تحويل من حالة إلى أخرى ، فهو وحده- سبحانه- من يفعل ذلك، ولكن التغيير لا يكون إلا إذا غيّر الناسُ( إن الله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بانفسهم)والبراهين على ذلك كثيرة، أهمّها : " فاستهدوني أهدِكم،" فنحن نطلب الهداية ممن يهدي فيجيبنا إلى ذلك،وواضح أيضاُ من قوله تعالى ( إنك لا تهدي من احببت ولكنَّ الله يهدي من يشاء، وهو أعلم بالمهتدين) فالله وحده الهادي ،على أن تطلب منه الهداية ، (وأنت المهتدي : أنت طالب الهداية) ومنه الدعاء المعروفُ " اهدنا فيمن هديت).
يروي الطبري رحمه اللهُ في قوله تعالى(لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين:لا تختبرْ هؤلا وتمتحنْهم فينا كي لا يظهروا علينا ،فيظنوا أنهم خير منهم وأنهم إن سُلِّطوا عليهم فلكرامتهم وهوان الآخرين، وكذلك رُويَ عن وكيع . وقال غيرُه: لا تسلطهم علينا فيزدادوا فتنة في أنفسهم ويفتنونا أيضاً.
وقال مجاهد: لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون، ولا بعذاب من عندك.ويقول آخر: لا تبتَلِنا – ربنا- فتُجهدَنا، فيُفتن غيرُنا إذ يظنون أن هذه الفتنة دليل على صواب ما هم عليه.
ويقولُ ابن كثير رحمه الله: لا تُظفرهم بنا ولا تسلطهم علينا ، فيظنوا أنهم على حق ،ونحن على باطل.
أما القرطبي رحمه الله فيرى المعنى مُلَخَّصاً في جملة قصيرة : لا تُهلكنا بأيدي أعدائنا.
أما الشوكاني رحمه الله فإنه يرى في دعائهم اهتماماً بأمر الدين فوق اهتمامهم بانفسهم.
ويرى القرطبي في قولهم: ( ونجنا برحمتك من القوم الكافرين) رغبة في الخلاص من فرعون وقومه لانهم كانوا يأخذونهم بالأعمال الشاقّة، ولن يكون ذلك إلا برحمة الله كما يقول ابن كثير.
أما الالوسي في روح المعاني فيرى أن التوكل على الله في مقدمة الدعاء أرجى للإجابة ودليلاً على الاستسلام لله تعالى
ولا ننس قوله تعالى يصف جَور الكافرين وإجرام نفوسهم في قوله تعالى : (إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو ...) وقوله : (لا يرقبون في مؤمن إلّاً ولا ذمة ،)وقوله: إن يثقفوكم يكونوا لكم اعداءً ويبسُطوا إليكم ايديَهم وألسنتهم بالسوء ،وودوا لو تكفرون) فهذا الكفر المصحوب بالظلم والإجرام يقف أمامه رحمة الله بالمسلمين ، فترى أتباع موسى عليه السلام يخصّون رحمة الله بالذكر ( ونجِّنا برحمتك)
وهذا ما ينبغي أن يكون دماً متجدداً في قلوب المسلمين ، وكلمة تلهج بها دوماً ألسنتُهم:
(اللهم لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين) .اللهم آمين آمين
وسوم: العدد 894