فاستمتعتم بخلاقكم

تقرأ في سورة التوبة قوله تعالى: (فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخَلاقهم..) التوبة 69

نظرت في معنى الخلاق فإذا المعجم يقول: الخَلاق بفتح الخاء الحظ والنصيب من الخير وهو المقصود بالآية الكريمة هذه، أما الخِلاقُ بكسر الخاء فضرب من الطيب ، أعظمُ أجزائه الزعفران. والمعنيان متناسقان في التمتع بالخير ومتعلقاته.

يقول القرطبي رحمه الله في تفسيره: يقول النبي صلى الله عليه وسلم موجهاً الحديث للمنافقين:إن الكفار تمتعوا بنصيبهم وحظهم من دنياهم ودينهم،ورضُوا بذلك من نصيبهم في الدنياعوضاً من نصيبهم في الآخرة، وقد سلكتم أيها المنافقون سبيلهم في الاستمتاع بخلاقكم ،فهلكوا ، وأنتم على إثرهم.( بتصرف).

ويقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره: أصاب هؤلاء من عذاب الله في الدنيا والآخرة كما أصاب مَن قبلـَهم، وقد كانوا أشدَّ منهم قوة وأكثر أموالاً وأولاداً ، ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: ما أشبه اليوم بالبارحة! هؤلاء بنو إسرائيل، شُبِّهنا بهم ، لا أعلم إلا أنه قال: والذي نفسي بيده لتتبَعُنَّهم حتى لو دخل الرجل منهم جحر ضبٍّ لدخلتموه( أخذه من الحديث الشريف).

وقال القرطبي نحو ما قال ابن كثير

اما البغوي رحمه الله فقال: تمتع السابقون أو انتفعوا بخلاقهم، ونصيبِهم من الدنيا باتباع الشهوات، ورضُوا بها عوضاً عن الآخرة فاستمتعتم أيها الكفار والمنافقون بخلاقكم وخضتم بالباطل والكذب على الله تعالى وتكذيب رسله ، ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتاً وهَدياً ، تتّبعون عملهم حَذوَ القُذَّة بالقُذَّة غيرَ أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا ؟

أما القنوجي فيقول في فتح بيانه: انتم مثل الناس قبلكم فعلتُم فعلَ الذين مضوا من قبلكم.

ويقول الشوكاني: انتفعتم كما انتفعوا به ، والغرض من هذا التمثيل ذَمُّ هؤلاء المنافقين والكفار بسبب مشابهتهم لمَن قبلـَهم من الكفارفي الاستمتاع بما رزقهم الله ، ومثلُ هذا قاله ابن القيِّم رحمه الله تعالى

وزاد ابن الجوزي وخضتم في الطعن على الدين وتكذيب نبيكم كما خاضوا

ويقول البقاعي في نظم الدرر: طلبوا المتاع والانتفاع في الدنيا بغاية الرغبة معرضين عن العقبى بنصيبهم الذي قدّره الله وخلقه لهم، وكان الأليق بهم أن يتبلّغوا به في السفر الذي لا بد منه إلى لآخرة .

أقول: إذا كانت الدنيا دار فناء وكانت الآخرة دار قرار ، أفلا يجدر بأصحاب القلوب المؤمنة والعقول النيِّرة أن يجِدّوا السير إلى البقاء متبلّغين في الدنيا بما يكفي ليكون زادُهم إلى الآخرة كافياً وركوبُهم إليها ضافياً ووصولـُهم إليها وافياً.

وأُثّنِّي شعراً فأنشد:

             إن كنت إلى خير تسعى     وافاك الخيرُ ونجّاكَ

              وإلى الفردوس مع النّا       جين بكل هناءٍ وافـاكَ

              يا فرحة قلبك حين ترى     أحبابَك جـذلى إذْ ذاكَ

                والله تعـالـى بالإكـرا         م وحور الجنّة أرضاكَ

                بل تشـكر ربّك تحمده       إذ جعـل الجنّـة مأواكَ

               وحمـاك بمِنّتـه نــاراً         بلظاها تشوي الأفـّاكَ

                وأعاذك منها ، وحباكَ     فضلاً ونعيماً يغشـاكَ

                وغِراسُ الجنّة تسبيحٌ       تهليلٌ ، فالزم ذكـراكَ

                واعمل للجنّة في دَأَبٍ     كي يحلُـوَ فيها مثواكَ

وسوم: العدد 902