(ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم ومن النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين)
(ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم ومن النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما)
بداية لا بد من التذكير بيقين راسخ لا يلابسه شك مفاده أن القرآن الكريم كلام الله عز وجل المنزل على سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو رسالة منه سبحانه وتعالى للناس أجمعين ختم بها الرسالات التي نزلت من عنده تباعا على رسله وأنبيائه صلواته وسلامه عليهم أجمعين والذين بعثوا تترا .
وهذه الرسالة خاتمة الرسالات قد تضمنت التوجيه الإلهي للناس والخاص بما يطرأ على حياتهم منذ بعثة خاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة . ولا يعرف حقيقة هذه الرسالة الخاتمة من يظن أنها حين تتناول أخبار الأمم السابقة لا يتعلق الأمر به ، ولا يعنيه أو يظن أن ما يعنيه مما جاء في هذه الرسالة هو ما كان أمرا أو نهيا بصيغ الأمر والنهي فقط .
والحقيقة أن معرفة الرسالة الخاتمة هو اليقين الراسخ بأن كل الناس معنيون بها وأن ما جاء فيها يمس حياتهم ويتعلق بها بشكل أو بآخر ، وليس عليهم سوى معرفة ذلك بتدبرها كما أمر الله تعالى فيها . والتدبير تفكّر وتأمل على مهل ينتهي بنظر في العواقب . والمتدبر لكتاب الله عز وجل هو من يمر بالآية منه فيصل إلى المطلوب منه فيها .
ومدار ما يدعو إليه هذا الكتاب الكريم هو طاعة الله عز وجل المقرونة ضرورة بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه أول مطيع لربه ، وقد أتى الطاعة على الوجه الذي أمره به سبحانه وتعالى ورضيه منه ، ولذلك جعله إسوة للناس جميعا إذا ما أرادوا طاعته على الوجه الذي أمر به والذي يرضيه .
ويترتب عن طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الحياة الدنيا التي هي دار ابتلاء والتي تعقبها الآخرة ،وهي دار جزاء أن المطيعين أعد لهم الله عز وجل إقامة أبدية في الجنة ، وأن العصاة أعد لهم إقامة أبدية في جهنم.
ويتفاوت الناس حسب طاعتهم أو عصيانهم الخالق سبحانه في الإقامة الأبدية في الجنة أو في الجحيم بحيث يكون نعيم المنعمّين على قدر طاعتهم ، كما يكون عذاب المعذبين على قدر عصيانهم ، وهذه حقيقة تتكرر في العديد من آيات الذكر الحكيم.
وسنقف عند آية من تلك الآيات التي يقول فيها الله عز وجل : (( ومن يطع الله والرسول فأولئك من الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما )) .
هذه الاية الكريمة عند أهل اللغة جملة شرطية مكونة من فعل شرط وجوابه . أما الشرط فهو قوله تعالى : (( ومن يطع الله والرسول )) وأما جوابه فهو قوله تعالى : (( فأولئك من الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا )) ،ويأتي بعد ذلك تعقيب الله عز وجل بقوله تعالى : (( ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما )) .
وعلى من يقرأ هذه الآية الكريمة متدبرا أن يلتمس في كل آيات الذكر الحكيم كيف تتأتى له طاعة ربه سبحانه وتعالى ، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويلتمس ذلك أيضا في سنته عليه الصلاة والسلام إذا ما كان يرغب في المعية مع الأصناف التي ذكرها الله عز وجل ،وهم الأنبياء، والصدّقون، والشهداء والصالحون . أما الأنبياء فهم صفوة خلقه سبحانه وتعالى الذين اختارهم لتبليغ رسالته لخلقه ، وأما الصديقون فهم الذين صدّقوهم وكانوا لهم حواريين وأنصارا ، وأما الشهداء فهم الذين استرخصوا أرواحهم في سبيل الله عز وجل نصرة لدينه ، أو ماتوا على أحوال تعد عنده سبحانه وتعالى شهادة ، وأما الصالحون فهم المتقون وأهل الصلاح من عباده .
ومعلوم أن صنف النبيّين ،و صنف الصدّيقين الذين عاصروهم قد انتهيا ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام ، ولم يبق إلا صنف الشهداء بأنواعهم وصنف الصالحين بأنواعهم . وأهل الطاعة إلى قيام الساعة لا يعدو أن يكونوا ضمن هذين الصنفين الأخيرين لاستحالة أن يكون من الصنفين الأولين .
وطاعة الله عز وجل المقترنة بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم تجعل أهل الطاعة إلى قيام الساعة بصنفيهم الأخيرين مع الصنفين الأولين في الجنة مع مراعاة درجة كل صنف من الأصناف الأربعة ، وقد جاء في كتب التفسير أن المعية المقصودة في الآية الكريمة هي معية في الجنة وليست معية في الدرجة، لأن الله تعالى يجازي على قدر الطاعة ، وطاعة الأنبياء فوق طاعة الصديقين ، وهذه الأخيرة فوق طاعة الشهداء ، وطاعة هؤلاء فوق طاعة الصالحين . وقد فصل الله تعالى في القرآن الكريم في وصف جزاء وأجر هذه الأصناف الأربعة ، وهو جزاء وأجر مختلف باختلاف درجة الطاعة . ومع تفاوت الأجور، فإن مكان الإقامة الأبدية بالنسبة للجميع واحد وهو الجنة .
ولقد عقب الله تعالى بعد ذكر معية الأصناف الأربعة أن ذلك فضل منه ، والفضل عطاء ، ويكون فيه تفاضل بين الذين يعطونه على قد طاعتهم لربهم سبحانه وتعالى، كما عقب على ذلك بأنه أعلم بنصيب كل صنف ،وكفى به عليما بذلك .
حديث هذه الجمعة الداعي إليه أنه جرت عادة المسلمين وهم يدعون لأمواتهم وأحيائهم على حد سواء أن يقولوا :" اللهم اجعلهم مع النبيّين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا " وقد يظن بعضهم أن هذه المعية تتعدى المعية في الجنة إلى المعية في المكانة والدرجة فيها . والحقيقة أن المكانة والدرجة فيها متوقفة على قدر الطاعة . ومهما أطاع الناس الرسول صلى الله عليه وسلم، فلن يدركوا قدر طاعته ،ومن ثم لن يدركوا درجته العليا في الجنة ، ولن يدركوا درجة صحابته رضوان الله عليهم وهم حواريوه ، ولن يدركوا درجة الشهداء منهم وقدجمعوا بين الصحبة والشهادة ، أما درجة الشهداء من غيرهم فقد يدركها الناس كما يدركون درجة الصالحين إذا ما بلغوا شأوهم في الشهادة والصلاح .
ولا شك أن كل درجة تتفرع إلى درجات ،ذلك أن الشهداء ليسوا سواء في الدرجة ، كما أن الصالحين ليسوا سواء فيها أيضا ، وذلك حسب تقييم الله عز وجل لعملهم .
والذي يجب أن يسعى إليه كل إنسان مؤمن سواء كان ذكرا أم أنثى هو الحصول على المعية مع رفقة أشاد بها الله عز وجل في قوله تعالى : (( وحسن أولئك رفيقا )) ،وهي صيغة مدح كما يقول أهل اللغة من المفسرين ، وهي تتضمن معنى التعجب أيضا ، وهو مدح وتعجب من الله عز وجل تقديرا لطاعة الأصناف الأربعة من عباده الطائعين له .
ولا شك أن وجود درجات في الجزاء الأخروي المتاح لصنفي الشهداء والصالحين سيجعل المؤمنين يبذلون ما في وسعهم لإدراك أفضل الدرجات في الشهادة والصلاح ، ولا يفوتهم شيء مما يبلغهم تلك الدرجات إلا بادروا به ، ويكون ذلك بالتقرب إلى الله عز وجل بما افترضه عليهم ثم المزيد من التقرب إليه سبحانه وتعالى بالنوافل على اختلاف أنواعها ، وهي ما تبلغهم درجة محبة الله عز وجل لهم كما جاء في الحديث القدسي الذي رواه الرسول صلى الله عليه وسلم عن رب العزة جل جلاله .
اللهم يا ربنا ويا خالقنا نسألك عونك الكريم في هدايتنا إلى حسن طاعتك سبحانك وحسن طاعة نبيك عليه الصلاة والسلام لنحظى بالمعية مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، نرجو ذلك فضلا منك وجودا، فأنت الرب الكريم الجواد . اللهم إن قصرنا عن إدراك هذه المعية بسبب ذنوبنا فاغفر لنا وراحمنا ، ولا تقصينا من هذه المعية ، فليس لنا في غيرك رجاء نرجوه لا إله إلا أنت سبحانك . اللهم إن قصرت طاعتنا عن إدراك المعية مع من الرفقة الحسنة ح فلا تجعل رجمتك الواسعة التي وسعت كل شيء تضيق عنا . اللهم إنا ندعوك بكل اسم أو صفة إذا دعيت بها رضيت واستجبت أن تجعلنا مع معية أصفيائك من أنبيائك ، وأصفيائك من الصديقين ، وأصفيائك من الشهداء ، وأصفيائك من الصالحين.
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وسوم: العدد 915