حديث وجب بحلول شهر رجب
من المعلوم أن المسلمين يترقبون حلول شهور السنة القمرية بانتظام خصوصا الأشهرالحرم منها لمكانتها عند الله عز وجل ولأهميتها في دين الإسلام . ومن فضل الله عز وجل على الناس أنه ألهمهم معرفة عدد السنين والحساب مصداقا لقوله تعالى : (( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون )) . ويبدو من خلاله قوله هذا سبحانه وتعالى الربط بين كوكب الأرض الذي هو الحيز المخصص للبشر وبين نجم الشمس وكوكب القمر. ولقد بين الله تعالى وظيفة كل واحد منها حيث تضيء الشمس الأرض نهارا ، وينيرها القمر ليلا، فضلا عن كونهما يساعدان من يسكنونها من البشر على معرفة الزمن وحسابه وحساب كل ما يحسب مما خلق لهم. والواضح من هذه الآية الكريمة أن التقويم الزمني الذي أراد الله تعالى من البشر اعتماده هو الحساب القمري وذلك لقوله جل شأنه : (( وقدره منازل )) ،والضمير يعود على القمر . ومنازل القمر التي ترصد من الأرض بالعين المجردة هي كونه هلالا، إلى الربع الأول منه ،إلى كونه بدرا ، إلى الربع الثالث منه ، إلى المحاق أو الاحتجاب عن الظهور . ولقد اهتدى البشر بإلهام من الله عز وجل إلى بداية عد شهور السنة باعتماد المنازل التي يمر بها القمر حيث اعتبروا بداية ظهوره هلالا أول الشهر، واعتبروا محاقه آخر الشهر ، وعدوا الشهور اثني عشر شهرا باعتبار تكرار منازله، وهو كمال عدة الحول الذي تمر الأرض فيه بأحوال طبيعية هي عبارة عن فصول أربعة تمطر في أحدها السماء ، وينبت الزرع في الذي يليه ، ثم يجنى في الذي يليه ، وتخرف أنواع أخرى من الثمار في آخرها .
ولقد جاء في كتب التفسير أن التقويم القمري قد أوحى به الله عز وجل لخليله إبراهيم عليه السلام ، وعنه أخذه العرب ،بينما كان بنو إسرائيل يعتمدون التقويم الشمسي معتبرين تتابع فصول السنة . ولما حدث طفرة في كشف الفضاء اعتمد الناس التقويم الشمسي باعتبار اكتمال دوران الأرض حول الشمس حولا أو سنة . والتقويم المعتمد عند المسلمين هو التقويم القمري لارتباطه بعبادات تعبدهم بها الله سبحانه وتعالى منها عبادة الحج وعبادة الصيام .
ولقد ورد في كتاب الله عز وجل أنه سبحانه وتعالى هو من حدد تقويم الشهور وكان ذلك قدره وإرادته يوم خلق السماوات والأرض في قوله عز من قائل : (( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم )) . والملاحظ في قوله هذا سبحانه وتعالى أن تحديد شهور الحول من عنده سبحانه وتعالى ووفق مشيئته وإرادته قد ألهمه البشر، وهو تقويم مرتبط بما جعل عليه حال الأرض من دوران في فلكها حول الشمس ، وحال القمر ودورانه حولها . وإذا ضممنا هذه الآية الكريمة إلى سابقتها التي ذكر فيها سبحانه وتعالى الحكمة من خلق الشمس والقمر وربطهما بالأرض ليعلم البشر عدد السنين والحساب أدركنا أن الشهور المقصودة فيها هي شهور التقويم القمري بدليل ذكر الحرم منها، وهي المرتبطة بعبادات في دين الله عز وجل ، وبدايتها تكون بشهر محرم الحرام ونهايتها بشهر ذي الحجة الحرام المسبوق بشهر محرم هو ذو القعدة يليه مباشرة شهر محرم وهو بداية التقويم القمري ، ويبقى الشهر الحرام الرابع هوشهر رجب بين جمادى الآخرة وشعبان .
وقوله تعالى : (( فلا تظلموا فيهن أنفسكم )) عبارة عن نهي عن الظلم بأنواعه بما فيه ظلم العدوان بالقتال في كل شهور الحول عموما ، وفي الأشهر الحرم على وجه الخصوص ،لأن الله تعالى لا يبيح الظلم في غير الأشهر الحرم كما قد يعتقد من يجعل الضمير " فيهن " يعود على الأشهر الحرم فقط ، وإنما شدد في اقتراف الظلم في هذه الأخيرة لأنه خصها بفضل منه، فجعل أجر الخير فيها مضاعفا وأجر الشر كذلك يفوقان الأجر في غيرها .
ويستغرب البعض حرمة شهر رجب مع وجود شهر الصيام ،وهو شهر عبادة عظيمة وشهر نزول القرآن الكريم ، ويزول الاستغراب باعتماد سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم الذي تلقى الوحي عن رب العزة الذي حدد له الأشهر الحرم ، وفضلا عن ذلك فإن الله عز وجل إن لم يجعل رمضان ضمن الأشهر الحرم، فقد خصه وحده بفضل عظيم بنزول القرآن الكريم فيه، وبعبادة الصيام ،وبليلة القدر المباركة ، كما خص آخر شهور الحول بعبادة الحج.
ولقد قدم الله تعالى لشهر ذي الحجة الحرام بشهر حرام قبله وبآخر يليه لعظم شأنه وقدره بسبب عبادة الحج ، وجعل شهر رجب الحرام تمهيدا لشهرين معظمين هما شعبان الأبرك ،ورمضان المعظم.
وما يوجبه الحديث بحلول شهر رجب هو التذكير بنهي الله عز وجل عن الظلم فيه وفي باقي الأشهر الحرم ، وباقي شهور الحول . والظلم المنهي عنه هو مطلق الظلم سواء ظلم الإنسان لنفسه أو ظلمه لغيره إن كان هذا الغير يشاركه الإيمان والإسلام أو كان يختلف عنه في ذلك . ولم يبح الله تعالى في شرعه سوى الرد على الظلم مصداقا لقوله تعالى : (( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم )) ، علما بأن المسلمين لا يمكن أن يكون بينهم ظلم لأن الله عز وجل حرم عليهم ذلك ، وشرع لهم قتال الطائفة الباغية منهم لردعها عن بغيها إن بغت على غيرها ثم أمر بالصلح بينها وبين من بغت عليه .
وفي الأخير نذكر أهل الإيمان بأن أول ما ينبغي التذكير به بحلول شهر رجب الحرام هو مراجعة الذوات بخصوص كل ظلم محتمل سابق صادر عنها أو لاحق محتمل الوقوع منها ، ولنستحضر جميعا نهي الله عز وجل عن كل ظلم مهما كان قولا أو فعلا في شهر الجزاء فيه مضاعف خيرا وشرا . وليشمر الكل على ساعد الجد لتحصيل خيرات هذا الشهر الفضيل بالإكثار من صالح الأعمال .
اللهم بارك لنا في هذا الشهر الفضيل ، وفي الذي يليه ، وبلغنا شهر الصيام ، واكتب لنا فيه العتق من النار .
وسوم: العدد 916