( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزؤا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون )
من بين الأركان الخمسة التي أقام عليها الله عز وجل دينه الإسلامي الحنيف ركن الصلاة ، وهو ثاني الأركان بعد ركن شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وخصها بشروط معينة ،وبكيفية معلومة تؤدى بها . ومما يسبق أداءها النداء لها ،وهو الأذان الذي يعتبر إعلانا بحلول وقتها ،وهو في نفس الوقت دعوة لأدائها ، بل هو أمر إلهي للقيام بواجب أوجبه سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين خمس مرات في اليوم مصداقا بقوله عز من قائل : (( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا )) .ومعلوم أن حرف "على" في هذه الآية الكريمة يفيد الوجوب كما يقال للشخص عليك فعل كذا أوعليك بفعله ، ومن ذلك قوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون )) .
ولقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أتباعه المؤمنين عند سماع الأذان بترديد ما يقول المؤذن إذا كبّر وإذا نقط بالشهادتين ، وبالحوقلة إذا دعا إلى الصلاة والفلاح ،وبالتكبر ثانية ،وبتوحيد الله عز وجل ثم بالدعاء لرسوله صلى الله عليه وسلم بالوسيلة والفضيلة والمقام المحمود الذي وعده الله عز وجل به يوم القيامة مصدقا لقوله صلى الله عليه وسلم : " من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلّت له شفاعتي يوم القيامة " .
ونظرا لأهمية عبادة الصلاة، وهي ثاني أركان الإسلام ، وأول ما يسأل عنه المؤمنون يوم القيامة ، فإن الله عز وجل قد ضمنها الركن الأول منة أركان الإسلام في النداء لها ، وأثناء أدائها أيضا . وإذا ما وقفنا عند صيغة الأذان للصلاة ، فسننجدها تتضمن عظائم الأمور حيث يكبر فيها، وتكبير الله عز وجل عبارة عن رفع ذاته المقدسة فوق كل شيء بحيث لا يكون غيره مهما كان شاغلا بال المؤمنين عنه . وبعد الانصراف لله تعالى دون سواه عن طريق التكبير يتجدد إسلامهم بإعادة النطق بالشهادتين ، وهو أمر يتكرر خمس مرات في اليوم ، وقد اقتضته إرادة الله عز وجل لحكمة يعلمها هو . ومن ذا الذي لا يرغب في النطق بالشهادتين خمس مرات في اليوم شاهدا على نفسه بالإسلام ، وهي شهادة له وعليه في نفس الوقت، لأنه يلزم من ينطق بها ما ألزمه الله عز وجل به مما لا يستقيم دينه إلا به من قول وعمل . ولا يمكن أن يكرر المؤمن الشهادتين خمس مرات في اليوم ، وهو على غير هدي الإسلام، لأن في ذلك شهادة على نفسه بالتناقض بين ما يصرح به وما يشهد به على نفسه، وبين ما يقوله أو ما يقوم به. وفي الأذان دعوة وجوب لحضور عبادة الصلاة حيث أمر الله عز وجل أن تقام زمانا ومكانا وكيفية ، وفيه إشارة إلى أن ذلك فلاح عكس ما قد يظن من يكون منهمكا في سعي آخر يعتقده فلاحا فوق فلاح أداء فريضة الصلاة . وفي الأذان تكبير الله عز وجل ثانية لإفراغ القلب مما سواه أو ما قدر يكبر شأنه في النفس ، وفيه توحيد الله عز وجل وهو براءة من كل شرك ، وشهادة بالإيمان يشهدها المؤمن خمس مرات في اليوم ، وهكذا تكون صيغة الأذان شهادة متكررة بالإسلام والإيمان يوميا في أوقات معلومة . ومن ذا الذي لا يحب أن يفعل ذللك ، ويتشوق إليه ؟
ومعلوم أن الأذان بما يتضمنه من تكبير وتشهد وتوحيد نعمة عظمى من نعم الله عز وجل خص بها عباده المؤمنين ، وهو في حد ذاته عبادة ، وله أجر خاص به ،ذلك أن مجرد ترديده والدعاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم عقبه يضمن لصاحبه شفاعة الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام . ومن ذا الذي لا يرغب في شفاعته وثمنها يسير في متناوله خمس مرات في اليوم ؟
ومن المفروض أن تكون للحظة رفع الأذان قدسية لدى المؤمنين لما جعل فيها الله تعالى من خير كثير ، ولذلك يجب أن يتابعوه بقلوب خاشعة وألسنة ضارعة . وأقل ما ينتظر منهم أن يتوقفوا عما يشغلهم عنه من شغل لسماعه وترديده خلف المؤذنين كما أمره بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وعدهم مقابل ذلك بشفاعته .
وقد يقف الناس دقيقة صمت على موت شخص أو على حدوث مصيبة ، وقد يقفونها لسماع نشيدهم الوطني ،وهو ما يحمد لهم لما فيه من اهتمام بما دعا إلى الوقوف ، ولكنهم مع شديد الأسف لا يقفونها لسماع الأذان ومضمونه كما بيننا فيه تكبير وشهادة بتوحيد الله عز وجل وبرسالة رسوله عليه الصلاة والسلام ، ولا يوجد أعظم و ولا أطيب من ذلك فيما يتلفظون به من أقوالهم . والقلة القليلة منهم هي التي تستشعر عظمة لحظة رفع الأذان ، فتؤدي ما عليها من واجب حينئذ .
حديث هذه الجمعة دعا إليه ما تناقلته وسائل الإعلام الرقمية مؤخرا، ويتعلق الأمر بتضجر وتضايق إحدى المواطنات من رفع الأذان بمكبرات الصوت ، وقد اختلف الرأي العام في شأن ما صدر عنها، فمنهم من التمس لها عذرا ربما لسبب صحي ، وجعل انزعاجها من مكبر الصوت لا من الأذان ، وقد أحسن هؤلاء إذ أحسنوا الظن بها، وهو ما أمر به كل مؤمن ، ومنهم من أنكر عليها ذلك غيرة على الدين وله عذره في ذلك خصوصا مع وجود تيار يصرح بلا دينيته يتربص به للنيل منه بشكل أو بأخر في كل فرصة تسنح أو تعن له .
و كثيرا مأ أثير موضوع رفع الأذان بمكبرات الصوت ،وقد دعت الضرورة إلى ذلك في عصرنا هذا لاتساع رقع الحواضر ولكثرة سكانها ، وهو ما اقتضى رفع الأذان بواسطتها لإيصال النداء لهم من أجل أداء شعيرة الصلاة في زمنها الموقوت .
وإذا كان للمتضررين من مكبرات الصوت أعذار صحية تجعلهم يشتكون منها ، فلا يجوز لمن لا أعذار لهم أن ينكروها لأسباب واهية أو للتضايق والتضجر من سماع نداء عبادة الصلاة . ولقد كان زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم يسخرون من رفع الأذان ، فأنزل الله عز وجل فيهم قرآنا يتلى إلى يوم القيامة حيث قال جل شأنه : (( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزؤا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون )) . وفي هذا ذم لهم إذ لا يقدم على السخرية من رفع الأذان إلا جاهل بقدسيته عند الله عز وجل . وجدير بمن يتلو قول الله تعالى هذا أن يتنكب كل ما قد يندرج تحت هذا الذي ذمه الله تعالى ، ومنه التضايق أو التضجر أو الاحتجاج على رفع الأذان .
اللهم إنا نسألك أجر سماع نداء الصلوات ، ونسألك أن تجعل ترديدنا لما فيه من تكبير وتشهد وتوحيد حجة لنا لا علينا . اللهم لا تحرمنا جائزة شفاعة رسولك عليه الصلاة والسلام عقب سماع الأذان والدعاء له بالوسيلة والفضيلة والمقام المحمود الذي وعدته . اللهم زدنا محبة في حبيبك عليه الصلاة والسلام عند كل أذان . اللهم لا ترد لنا دعاء لنا فيه خير وصلاح في عاجلنا وآجلنا ،آمين يا رب العالمين .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات وصلى الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وسوم: العدد 919