ما القولُ في السعي في توحيدِ المذاهب
ما القولُ في السعي في توحيدِ المذاهب ، وحَمْلِ الناس على مذهب واحد ؟
سألني أحد الطلبة : - عام ١٣٩٠ هـ تقريباً - وكنت أدرِّس عليهم مادة " تاريخ التشريع الإسلامي " ما القولُ في السعي في توحيدِ المذاهب وحَمْلِ الناس على مذهب واحد ؟
فقلت له بإيجاز أولاً :
هذا السعي مخالفٌ لإرادة الله عزَّ وجلَّ في تشريعه ، ولرسوله ﷺ وللصحابة رضي الله عنهم ، وللسلف من بعدهم ، ومخالفٌ للعقل .
ثم فصَّلت له القول : فقلت له : ألم يكن الله عز وجل يعلم من قديم الأزل أن العرب ستستعمل كلمة قُرْء في المعنيين : الحيض والطهر ؟
قال : بلى .
قلت : ألم يكن الله عز وجل يعلم من قديم الأزل أنه سيوجد صحابي اسمه زيد بن ثابت ، وآخر اسمه عبد الله بن مسعود ، وأن زيداً سيقول : القرء هو الطهر ، وأن ابن مسعود سيخالفه ، ويقول : القرء هو الحيض ؟
قال : بلى .
قلت له : إذاً فلمَ لم يُنزل الله تعالى قوله : { ثَلاثَةَ قُروءٍ } على وجه لا يحتمل اختلاف ابن مسعود وزيد ، فيقولَ : ثلاثَ حيض ، أو ثلاثة أطهار ، فيحسمَ الخلاف ، ولا يدعَ مجالاً لقائل .
وقل مثل ذلك في سائر النصوص القرآنية التي تعدَّدت فيها المفاهيم .
قلت له : وهكذا حال الأحاديث الشريفة ، ونحن نعتقد أنها وحي من الله عز وجل ، فلمَ لم يُوحِ الله ـ وهو العليم الخبير ـ إلى رسوله ﷺ أن يقول أحاديثه بلفظٍ لا يدعُ مجالاً للمختلِفين أن يختلفوا ، بل لمَ لمْ يُوحِ إليه أن يقول لأصحابه يوم حثِّهم على الإسراع في الذهاب إلى بني قُرَيظة : لاتصلوا العصر في الطريق إليها ، إنما قال: " لا يصلينَّ أحد منكم العصر إلا في بني قريظة " فمِنْ آخِذٍ بظاهر النص، ومن آخذٍ بفحواه ؟ ! ( ١ ) .
قلت له : وهل اختلف الصحابة ومَن بعدهم رضي الله عنهم أوْ لا ؟
قال : قد اختلفوا .
قلت له : وهل العقولُ مختلفة ؟
قال : نعم .
قلت : واختلافُها ناشىءٌ عن أن في حياة الناس ومجتمعهم ما يوجب الاختلاف أوْ لا ؟
قال : ناشئ عما يوجب الاختلاف .
قلت : إذاً فالسَّعيُ في توحيد المذاهب وحملُ الناس على واحد منها جنون أو ضلال ! ! .
من أدب الاختلاف في مسائل العلم والدين ، ص : 28 - 29 .
( ١ ) : قال الإمام الحجة البصير أبو القاسم السُّهيلي رحمه الله في " الروض الأُنُف " 3 : 282 وهو يتكلم على هذا الحديث :
" كل مجتهد وافق اجتهاده وجهاً من التأويل ، وكان عنده من أدوات الاجتهاد ما يترفع به عن حضيض التقليد إلى هضبة النظر : فهو مصيب في اجتهاده ، مصيب للحكم الذي تعبّد به ، وإن تعبد غيره في تلك النازلة بعينها بخلاف ما تعبد هو به ، فلا بُعْد في ذلك ، إلا على من لا يعرف الحقائق ، أو عَدَل به الهوى عن أوضح الطرائق " .
وسوم: العدد 921