من نفحات شهر الهدى والفرقان، الجائزة :) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَة)
وحينئذ علمتُ سببَ بكاءِ جَــدِّ ولدي
جلستُ في فِناء بيتي أنتظر ابني طالب الصف السادس الابتدائي الذي رافق زملاءه من أبناء الحي إلى مدرستهم ، حيث موعد نتائج العام الدراسي ، خرج ابني فرحا فقد كان يأمل أن تكون نتيجته من الأوائل ، لأنه جــدَّ واجتهد ، ولأن مدير المدرسة وعد المتفوقين منهم بجوائز ينالونها . كان جَدُّه جالسا على أريكته يتلو كتاب الله كعادته كل يوم . ولم يخيب ابني ظننا ، فقد عاد وهو يحمل شهادة النجاح بيده , ويرفع الجائزة التي نالها بيده الأخرى ، ضممتُ ابني فرحةً لفرحه ، وهو يقول لي خذي اقرئي درجاتي أنا الأول على صفي . غمرته بحبي وحناني ، بل دمعت عيناي من شدة فرحي بفوز ابني ، وكذلك فعل جدُّه وجدتُه وإخوانُه ، فرحوا جميعا بنجاحه وبنيله الجائزة ، ضمَّه جدُّه مرة أخرى وقبله وربت على كتفه ، وعيناه تدمعان ...
لفت انتباهي إمعانُ بكاء جَدِّه ، وبدت على وجهه علامات التأثر ، أكلُّ هذا لمجرد نجاح طفلنا ونيله جائزة ! تقدمت إليه ، وقلت له مالك ياعمي ؟ أتبكي ... لم يتركني أتمم كلامي ، وقال : اجلسي يابنتي ، جلستُ على أريكة كانت موجودة ، وأقبلت عمتي فجلست إلى جنبي ، قال الجّدُّ الصَّالحُ : فرحت فعلا لنجاح طفلك ، لأنه فاز في الامتحان ، وفرحت أيضا لأنه نال الجائزة ، وأنا كنت أقرأ في كتاب الله حتى وصلت إلى قوله تعالى : ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ) .الدنيا دار امتحان ، وفي آخر الأمر إما فوز وإما خسران . ومع الفوز جوائز ، ومع الخسران ندم وتبار . ولا يخفي على المسلمين أن كل إنسان سيأخذ كتاب أعماله بيمينه فيكون من الفائزين بالجنة ، وإما يأخذه بشماله فيك من أصحاب النار . ولا شك بأن الذي يأخذ كتابه بيمينه سيفرح الفرح الذي لايعادله فرح إلا رؤية الله تبارك وتعالى في الجنة . وسيرفع صوته قائلا : ( هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَه ) . إنها لهفة الفوز بالخلود في ظلال رحمة الله ، فإذا مافاز العبد المسلم بدخول الجنة : ( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ) في حياة أبدية لايريد غيرها لِمـا فيها من نعيم مقيم ومن سعادة لايمكن وصفُها ، أجل إن : ( فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ) وما أدراك ما الجنة التي فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . وإن للعبد الصالح جوائز لاتُعد ولا تحصى ، وفي الجنة درجات ومنازل لأهل قيام الليل ولأهل الصوم ولأهل الجهاد في سبيل الله ... ولأولي الأعمال الصالحات الباقيات وما أكثرها في حياة الناس ، ولقد بشَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بتلك الدرجات وبهاتيك الجوائز الغاليات ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا بَيْنَ الدَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلَى الْجَنَّــــةِ ) ، أُرَاهُ قَالَ: ( وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ ) . رواه البخاري . فلمن هذا الفضل ؟ ولمَن هذه المكانة ؟ إنها بلا ريب قد أعدت للصالحين والصالحات أولئــك : (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ) ... نعم إنها لِمَن لبٌّوا نداء الله في قرآنه الكريم ، وأولئك الذين اهتدوا بسُنَّة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم . وأولئك هم المتقون الذين وُعِدوا بما في جنَّات الخلود من النعيم : ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا . حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا. وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا . وَكَأْسًا دِهَاقًا . لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا . جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ) . فيوم القيامة هو يوم الجزاء ، وهو يوم الجوائز للفائزين من أهل الحياة الدنيا . ففي الجنة شعور دائم بالسعادة ، لاتوجد منغصات ، ولا يوجد قلق ، وليس في الجنة إلا ماتطمئن به النفوس : (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلاَ زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (. أهل بعد هذا النعيم من نعيم !!!
أجل نعيم الجنة لاحدود له ، وبشرى لأهل الصوم من رسولهم صلى الله عليه وسلم : ورد عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ ) صحيح البخاري . وأكثر من ذلك فللصائم مكانة خاصة عند ربه سبحانه وتعالى : فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :( قال اللهُ: كلُّ عملِ ابنِ آدمَ لهُ إلا الصيامَ ، فإنَّه لي وأنا أُجْزي بهِ, والصيامُ جُنَّةٌ ، وإذا كان يومُ صومِ أحدِكُم فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ ، فإنْ سابَّه أحدٌ أو قاتَلَهُ فلْيقلْ : إنِّي امْرُؤٌ صائمٌ, والذي نفسُ محمدٍ بيدهِ لَخَلوفِ فمِ الصائمِ أطيبُ عندَ اللهِ من ريحِ المسكِ ، للصائمِ فَرْحتانِ يفرَحْهُما إذا أَفطرَ فَرِحَ ، وإذا لقي ربَّه فَرِحَ بصومِهِ ) رواه البخاري . ناهيك عن حوض الكوثر وعن الظل الممدود والماء المسكوب والقصور المنيفة ، والقطوف الدانيات ، وشجرة طوبى ، وأسواق الجنة التي تهب منها رياح تحثو على الوجوه مايزيدها حسنا وجمالا .
وأما الجائزة الكبرى فقد ورد في الأثر أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم ، فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا ، فيزورون الله ويبرز لهم عرشه ويتبدَّى لهم في روضة من رياض الجنة ...
وعَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا دَخَــــــلَ أَهْـــــــلُ الْجَنَّــــةِ الْجَنَّةَ، قَالَ يَقُولُ الله تَبَـــــارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئاً أَزِيدُكُـــــــــــــمْ؟ فَيَقُولُــــــــونَ: أَلَمْ تُبِيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَــــــــابَ. فَمَا أُعْطُوا شَيْئاً أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرإِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلّ
) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وأخيرا : (
وسوم: العدد 928