قواعد مهمة جدا في التحليل والنحريم ...!!!
يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة النحل : *( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )* صدق الله العظيم.
ومن المعلوم عند جميع أئمة الدين والعلماء الربانيين والفقهاء المحققين وكذلك عند عموم المسلمين من ذوي الفطرة السليمة، حتى صار عندهم جميعا بمنزلة المعلوم من الدين بالضرورة ، أن التحليل والتحريم حق لله تعالى وحده فقط، وليس لأحد غيره إلا ما أوحى به لرسولَه، وأمره بتبليغه، فيكون هو من أمْرِه وحُكمِه سبحانه وتعالى *( من يطع الرسول فقط أطاع الله )* .
وتخصيص حق التحليل والتحريم بالله الذي خلق ، هو ما نادت به الآيات السابقة من التحذير بالإفتاء في دين الله تعالى عن جهل، والتقول عليه جل شأنه بتحريم ما لم يحرمه عز وجل، أو بتحليل ما حرمه وبين حكمه ...
لذا فلا يجوز لمسلم أن يقول عن شيء ، هذا حرام لا يجوز فعله مطلقا ، من دون دليل قطعي على الحرمة القطعية ، وأما ما اختلفت فيه أنظار الفقهاء، فهو لا يتجاوز حد الكراهة أو الإباحة في الاجتهاد الشرعي على أبعد تقدير ، أدبا مع الله عز وجل، كما لا يجوز القطع فيها بأن حكم الفقيه فلان في المذهب الفلاني هو حكم الله تعالى قطعا ، إلا ما أجمعوا على تحريمه أو إباحته قولا واحدا ...
لهذا فإن من أعظم الحرام الجرأة على تحريم ما لم يحرمه الله عز وجل صراحة ويقينا، بدليل لا شك ولا لَبْسَ فيه، وذلك لا يكون إلا بورود دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة، كما في قوله تعالى في الآيات المتقدمة : *( قل إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به )* فهذه محرمات صريحة ومؤكدة لورود النص القطعي بتحريمها ، وحيث لا تحتمل ورود معنى آخر غير تعيين عينها.
*ومما لا شك فيه أيضا، أن من أعظم الحرام والمنكر والبغي تحريم الشيء بحجة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لم يفعله، ولا صحابته ولا التابعون ولا تابعوهم، وهذا لو كان دليلا شرعيا لوجب على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تبليغه لأمته، فكيف وجماهير الأمة الغفيرة في المذاهب الأربعة وغيرها من باقي مذاهب المسلمين تعتبر أن ترك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم للشيء من دون نهي صريح عنه، ومن دون جزم وإلزام على وجوب ترك هذا الفعل ، لا يعني حرمته ولا وجوب تركه مطلقا* ، وعليه فمن حرم بهذه الحجة التي لا دليل عليها من عقل ولا نقل، هو كذب وافتراء على الله تعالى، وهو جريمة نكراء، بدليل قوله تعالى في هذه الآيات *( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون )* وقد بين الحق جل جلاله بأن الافتراء والكذب عليه هو من أعظم الذنوب ومن أكبر الظلم *( فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون )* وقد نهى الحق سبحانه أشد النهي عن أن يحرم العبد ما لم يحرمه الله تعالى، لأنه من تحريم فضل الله تعالى على عباده، ومنعه من التمتع بنعمه من الطيبات التي خلقها لهم، وذلك لا يكون إلا بتضييق دائرة الحلال وبتوسيع دائرة الحكم بالحرام على ما ليس بحرام في الأصل، لعدم الدليل القاطع على الحرمة، قال جل شأنه: *( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ... )* وقوله تعالى هنا وارد في سياق التهديد والوعيد لمن حرم زينة الله لعباده من الطيبات والرزق الحسن، بما لم يحرمه هو تعالى ولا رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم الذي أمره بذلك وأوحي إليه به ...
ولما كان الله جل جلاله هو صاحب الحق المطلق في التحليل والتحريم فقط ، كان له أن يحلل ما يشاء ويحرم ما يشاء ولو كان عقوبة لبعض الأمم كاليهود، الذين حرم عليهم أنواعا من الطيبات، فصارت عليهم حراما لا يجوز فعله، ولا ترك أمره سبحانه وتعالى فيها، ولو كان من قبل حلالا لهم *( وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل )* ، إذ قص الحق سبحانه وتعالى ما حرم عليهم بسبب ظلمهم وطغيانهم وصدهم عن سبيل الله *( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا )*. فعلى المسلم المؤمن أن يلتزم أمر ربه فيما أحله أو حرمه، ولو كان خلاف رغبته ومصلحته، ولو اختلفت الأنظار في حسن المحرم أو قبحه ، إذ الواجب عليه أن يكون عبدا مطيعا ومستقيما ومسلما لأمر ربه وحكمه ...
ومثل تحريم الطيبات بلا دليل قطعي في الإثم والجريمة والحرمة، تحريم كل فعل ووسيلة، لم يرد فيها نص قاطع وصريح على التحريم، كمن يحرم الوسائل التي تُذَكِّرُ بالله تعالى، وتعين على ذكر الله جل شأنه، وتشد القلوب والرقاب إلى الله عز وجل، من مثل السبحة والأذكار الصوفية، والصلوات النورانية على سيد البرية صلى الله تعالى عليه وسلم، والتوسل به وبجاهه عليه أفضل الصلاة والسلام، وكذلك الأذكار والصلوات عليه على المنائر والمآذن في المساجد، وكذلك ضرب النوبة عند الذكر أو عند تشييع الميت مع المدائح والأذكار والتوسلات، التي حلت محل أحاديث الناس بالباطل، ولهوهم عن الموت والاتعاظ به، بسبل انشغالهم بأمور الدنيا وهم يشيعون الجنائز ، والقصد من كل ذلك هو العمل على جمعهم على ذكر الله تعالى، والاعتبار بالموت بدلا من الخوض بأعراض الناس وبمتع الدنيا الفانية والمهلكة *( ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ) صدق الله العظيم .*
وصلى الله تعالى على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
*( من أجل توعية راشدة ) : عبدالخالق زكريا الجيلاني الماتريدي الحنفي تولاه الله تعالى بلطفه الجلي والخفي.*
وسوم: العدد 939