في بيئة أداء الصلاة
لو لم تكن رأس العبادات لعدّت من صالح أجل الفرائض ، كيف لا وهي معراج روح المؤمن وهو يقبل على ربه سبحانه وتعالى . وهي طهارة وجدان ، ونظافة أردان ، وتهذيب نفس الإنسان ، كما أنها رياضة أبدان ، ولها شتى فضائل يشب عليها الجواري والولدان . ولقد كُتِبَ عنها . ( وأما معنى الصلاة اصطلاحًا فهي أقوال وأفعال مخصوصة تُفتتح بالتكبير، وتُختتم بالتسليم. وهي ثابتة بالكتاب والسنة وهي فرض على كل مسلم عاقل بالغ، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام ). ولها شروط وأركان وواجبات . ولقد تحدث عن الصلاة علماؤنا الأجلاء ، وأفاضوا في الحديث عنها ، يقول بعضهم : (للصلاة مكانة عظيمة عند المسلمين؛ فهي الركن الأهم والأساسي من أركان الإسلام، وهو ثاني أركان الإسلام الخمسة التي حث عليها النبي – صلى الله عليه وسلم – على الالتزام بها، وأدائها في أوقاتها المحددة شرعًا، وتطبيقها كما أمر الرسول الكريم، ومن الجدير بالذّكر أن الصلاة هي الرابط بين العبد وخالقه، لذلك إذا أراد العبد أن يطلب شيئًا من خالقه، من خلال الدعاء والتوسل إليه على أن يستجيب طلبه، ويُضاف إلى ذلك أنّ الصلاة كانت إحدى القيم المهمة لها هي أن فرضيتها على المسلمين لم تكن مثل أي عبادة أخرى، فالله عز وجل عندما فرض الصلاة دعا نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وفرضها عليه وعلى أمته في السماء السابعة، لذلك كان للصلاة أهمية وفضل كبيرين ) . ما أردتُ قوله: إن للصلاة أركانا . و لابد لهذه الأركان من أن تأتي كمـا علمنا إياهـــــا رسولنا صلى الله عليه وسلم ، فهذه الأفعال أو الحركات وهي تشمل ســــــائر أعضاء جسم الإنســــــــان لهـــــا صفات خاصة ، فالتوجه إلى بيت الله الحرام ، والوقوف بطريقة متوازنة منتصب القامــة ( وهنــــــــــــــاك حديث خاص عن المعاقين وأصحــــاب العاهـــات جسديا ) فللركــــــوع كيفية وللسجود كيفية وللجلوس للتشهد كيفية ، على أن تنضوي كـــــــل هذه الأعمال تحت هالة من الخشوع ، فقد نرى مَن يركع ولكن ركوعه غير صحيح ، وكذلــــــك في حالـــة السجود ، بينما نرى مَن يتقن كيفية هذه الأعمال ، وكأن لديه مهارة خاصة في أدائهــا ، وقدرة فائقة في الأخذ بما عليه الصالحون والصالحات من أبناء الأمة .
ففي ندوة تربوية حول تعليم الأطفال للصلاة ، كان الحديث غنيا بالآراء والخبرات التي أعطت الندوة حيوية ذات فوائد جمة ، فالطفل يقلد والديه في كثير من الحالات ومنها أداء الصلاة ، فتراه يركع ويسجد ويحرك شفتيه تماما كما يرى أباه أو أمه أو أحد إخوانه الكبار أو أخواته . وهنا تكون الصلاة وكأنها مهارة تشغل كيان الطفل في تقليد والديه ، ولا تكون من باب عقيدة الطفل الذي لايدرك أبعاد العقيدة ، لصغر سنه ، ولكن هذه المهارة ستكون قدرة فائقة للطفل عندما يكبر ويؤدي الصلاة وهو يشعر بأنها عقيدة ربانية وفرض واجب على كل مسلم ومسلمة .
يكبر الطفل وهو يشاهد والديه عند سماع الأذان استعدادهم للوضوء ، ثم القيام بفرض الصلاة ، فيكبر حب الله داخل الطفل ، ويكون ذلك أيضا بربط جميع النعم بالله عز وجل (عندما أتحدث مع الطفل دائما أقول :الله رزقنا الطعام والشراب وأنعم علينا بالصحة والعافية و.. و... أُسْمِع الطفل دائما كلمات الحمد والشكر ثم نربط حبنا لله بالصلاة ليشعر الطفل أننا نعبد الله في صلاتنا ، وأن الله سبحانه هو الذي فرضها علينا . ويبلغ الطفل السابعة من عمره ، فيترجم الوالدان هذا الحديث عن أداء الصلاة : ( مرو أولادكم بالصلاة لسبع ... ) وبين سن السابعة والعاشرة يتبلور لدى الطفل أداء الصلاة بطريقة أبوية من قبل الأهل . ففي الحديث الشريف : (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع ) .
فخروج الطفل من حالة أداء حركات الصلاة كمهارة محببة لديه إلى العقائدية يختلف الأمر من طفل لآخر حسب الحالة المنزلية ، ثم حسب مايقوم به المربي : ( المعلم أو المعلمة ) والأحق بتحديد الانتقال إلى كون أداء الصلاة عمل عقائدي هما الوالدان بالدرجة الأولى : ( ففي الحديث : فأبواه يهودانه ... ) ، واصطحاب الطفل إلى المسجد لأداء الفرائض ، والجلوس وقت السحور ، وكذلك تناول طعام الإفطار ، وما يقال ساعة الإفطار وغير ذلك من أقوال أو أفعال يقوم بها أهل بيت الطفل تنقله إلى أفق جديد ، أي إلى العقائدية ، ولا يخفى دور الأم إذا كانت على دراية بأمور دينها ولديها الوعي الكافي بأمور العقيدة ، يأتي بعد ذلك دور المعلم أو المعلمة في غرس هذه العقيدة في قلب الطفل ومشاعره .
ومما لاشك فيه أن الطفل عندما يتعود على أداء الصلاة بصورتها الصحيحة ، ويواظب على تأديتها في أوقاتها ، فإنها تعود عليه بقيم سلوكية غالية ، وتصنع من سيرته السمات الجميلة لشباب المستقبل ، فالصلاة مفتاح محراب الإيمان ، وبإتقان أدائها يأتي التحول لهذا الطفل مع مرور الأيام ، فيكون بحق : ( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ) . فينشأ الطفل على طاعة الله ، ويأخذ بما تحمله الصلاة من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، فيغدو إنسانا صالحا لمجتمعه في كل مجال ، وتجعل من نفسه رقيبة عليه ، فيبتعد عن المعاصي منذ نعومة أظفاره ، ويترعرع على موائد مكارم الأخلاق ، وبهذا يسلم المجتمع من السلوك الذي يأتي بما يهدد أمن المجتمع ومستقبله وتقدمه في ميادين العمران والازدهار .
وسوم: العدد 944