"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ
وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " المجادلة - (11)
وجيز التفسير:
وأجيب بالتذكير بهذه الدعوة القرآنية الكريمة على حالة، يخشى بعض الناس، أنها قد بدأت تنتشر في مناطق الشمال المحرر، بين بعض الناس الذين تتضاعف عليهم أشكال المعاناة والضيق ...
ولم تكن استراتيجية تهجير ملايين السوريين الأحرار من بلداتهم الأصلية، وحشرهم في مربع جغرافي صغير، تغفل عن عواقب مثل هذا، وما ينتج عنه من تزاحم الأجساد، واختلاف الأمزجة، وتناقض المصالح الوقتية العارضة، في مثل صورة الآجر والمستأجر، والعامل وصاحب العمل، والتنافس على الفرصة والناس كلها تشكو من ضيق ومن ضجر...
ويسود في الشمال المحرر وضع عارض طارئ يحتاج إلى قوامة دائمة من أهل العلم والفكر والتهذيب، تذكر الناس كل الناس أن الأرض كلها لله، وأن الرزق كله بيد الله، تذكر الضيف والمضيف بأنهما جميعا في كنف الله، وفي رباط في سبيل الله، وتخفف غلواء النفوس الكريمة المحتقنة بالألم المكعب، تبحث عن الثغرة الأضعف حولها لتعبر عنه ..
نحتاج إلى كلمة الحكيم تقول للضيف إن الصبر على ما تعانيه، وما تسمعه، وكل ما أنت فيه هو بعض الجهاد الذي نذرت نفسك له، فتلق كل ما تلق بصدر رحب وابتسم ..
ما أنت إلا أصبع دميت ... في سبيل الله ما لقيت
وتقول للمضيف، الذي يعتقد أنه صاحب الدار والأرض وأنه فيها الأمكن والأعز ..
أخاك ..أخاك إن من لا أخا له ..كساع إلى الهيجا بغير سلاح
وتذكره دائما : أن العزة لله ورسوله وصالح المؤمنين.
يحتاج المشهد إلى الرعاية الأبوية الأموية تذكر الأخ بأخيه، والأخت بأختها وبالمعاني الكبرى التي تتجاوز ضيق اللحظة، وضيق الفسحة، وضيق الرزق، وضيق كل شيء إلى يفاع قوله تعالى (فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ..)
وقد لا يفسح الله للناس في مكانهم وزمانهم ورزقهم ولكن يفسح لهم في قلوبهم وصدورهم ؛فإذا الواحد منهم يعيش حالة " سم الخياط مع الأحباب ميدان" ونتذكر معاناة النفر الزهر في الزنازين الضيقة يحشرون فيها كأعواد الكبريت ، على أمل من الطاغية المستبد، أن يضيق بعضهم ببعض، فيفسد ما بينهم من إخوة وود..وأي عمل أجمل وأكثر بركة من أن نخيب ظن الطغاة المفسدين، وأن نستعلي على توهماتهم ..وتبقى الجغرافيا الرحبة الواسعة التي نعيش عليها أوسع مساحة وصدرا من زنزانة يحكمها جلاد بغيض!!
كان أحد مشايخنا رحمه الله تعالى إذا ضاقت علينا فسحة المسجد، في أيام الشتاء الباردة والماطرة، يقول تفسحوا : فإن في المكان ضيقا وفي قلوبكم سعة ..
كلمة أقتبسها بنورانيتها إلى كل المقيمين في ضيق اللحظة وضيق الفسحة : تفسحوا فإن في المكان ضيقا وفي قلوبكم سعة، وفي أخلاقكم سعة، وفي غدكم إن شاء الله سعة ..
ثم وعد الله فوق كل وعد : (فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ). وفعل يفسح الله لكم مجزوم بجواب الطلب. أي إن استجبتم ففسحتم استحق وعد الله لكم : أنه يفسح لكم ..
كان الطلب التفسح في المجالس، وجواب الجواب مفتوحا بلا متعلق، مفتوحا على كل آفاق الخير المأمول يفسح الله لكم في العمر ..في الرزق ..في الذرية ..في الأثر والذكر ...
كان الأولون يقولون: ضيق الطريق يورث قلة الأدب، والمأمول أن لا يورثنا ضيق المقام بكل ما فيه من لأواء وامتحان وتحديات إلا سموا في النفس والقلب والموقف والروح ...
أن تحسن إذا أسيء إليك، وأن تفسح إذا ضيّق عليك، وأن تنشر المعروف إذا أحسن إليك، وأن تغضي على الإساءة إذا أسيء إليك.
وسوم: العدد 947