خير الليالي ( ليلة القدر )
بسم الله الرحمن الرحيم
( إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر) (القدر- ا، 3 )
إن الله تعالى بجلال علمه وعظيم حكمته قد فضل الأنبياء على غيرهم من البشر، وفضل مكة والمدينة على غيرهما من البقاع ، وفضل شهر رمضان على غيره من الشهور، وفضل يوم الجمعة على غيره من أيام الأسبوع ، كما فضل ليلة القدر على غيرها من الليالي، وجعلها خير ليالي السنة .
من رحمة الله على عباده المسلمين، وإكراماً وتعظيماً للدين الخاتم للبشرية، قد أنعم الله عليهم بهذه الليلة المباركة ليكفرّ عن عاصيهم، ويتجاوز عن غافلهم، ويتوب عن مقصرهم، ويعفو عن مسيئهم ، ويرحم عامتهم، ويهب بعض خير جوده وفضله من النّعم عليهم جميعاً .
ويمنّ عليهم بخيرٍ عميم، وفضلٍ عظيم، مميزاً ومستثنياً لهم عن غيرهم من الأمم في هذا الفضل والمنحة الربانية الخاصة، فيعوضهم عن ذلك بسبب قصر أعمار أمة محمدٍ في آخر الزمان .
كما ورد في موطأ مالك " حدثني زياد عن مالك عمن يثق به من أهل العلم يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُرِي أعمار الناس قبلها وما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه ليلة القدر خير من الف شهر " .
فغالب أعمار أمة محمد ما بين الستين والسبعين، بحسب رواية الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام : " أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين " رواه الحاكم وصححه ، ووافقه الذهبي ، ورواه الترمذي وابن ماجه .
فقد أكرم الله المسلمين بهذه الليلة المباركة ليتقربوا إلى الله بالعبادات، ويتزودوا بالطاعات، من صيامهم نهارها، وقيامهم ليلها، ليشملهم خيرها، ويعمَّهم أجرها، وتتنزل عليهم بركاتها، وتتغمدهم رحمة الله الواسعة، فيكفرّ الله عنهم أوزارهم، ويتجاوز عن خطيئاتهم، ويمحو سيئاتهم، ويعفو عنهم .
وكما أنّ خير الأيام – نهارها – هي العشر الأوائل من ذي الحجة، وخير يومٍ في السنة اتفاقاً هو يوم عرفة، فكذلك خير الليالي في السنة هي العشر الأواخر من رمضان وخير ليلة بينها إجماعاً واتفاقاً هي ليلة القدر، فهي خير من ألف شهرليس فيها ليلة قدر، وذلك في المثوبة والأجر، خصّها الله من بين الليالي في السنة كلها، وتبدأ الليلة من صلاة المغرب وتمتد حتى طلوع الفجر .
أولا : سبب تسميتها :
1 - سميت ليلة القدر بذلك من الشرف والعلو والرفعة وعظيم منزلتها وقدرها عند الله تعالى، كما يقال فلانٌ ذو قدرٍ، أي ذو شرفٍ ومنزلةٍ عظيمةٍ ورفيعة .
2 - وقيل سميت بذلك لما يقدَّر فيها من خير ونعيم ورزقٍ وبركة بحق المسلمين للسنة القادمة، فهي ليلة تقرير المنح الربانية، وتقسيم الهدايا السماوية، وتوزيع جزيل العطايا السخية، من بحر جود الله وفضله على عباده لقوله تعالى:
( فيها يفرق كل أمر حكيم ) - ( الدخان – 4 ) .
3 - وقيل تتنزل فيها ملائكة تملأ الأرض أكثر من عدد الحصى، فتضيق الأرض بهم من كثرتهم ، أي تقدر، ومعنى قَدُرَ: أي ضاق ، وذلك من قوله تعالى :
( ومن قدر عليه رزقه ) (الطلاق -7 ) .
أي من ضاق عليه رزقه .
4 - وقيل يتنزل فيها ملائكة كثرٌ ذات قدر.
( تتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) – ( القدر – 4 )
5 - وقيل لنزول القرآن الكريم فيها من شهر رمضان، لأنه أنزل فيها كتاب ذو قدر، بوساطة ملكٍ ذي قدر، على رسول ذي قدر، وأمة ذات قدر .
( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) – ( الدخان – 3 ) .
6 - وقيل لأن للعبادة والطاعات فيها قدراً عظيماً وأجراً كبيراً .
ولعل التسمية تكون بسبب ذلك مجتمعاً، وغير ذلك مما قيل أيضا فيها .
ثانياً : فضل ليلة القدر
1 - أنزلت فيها سورة كاملة من القرآن إجلالاً وتعظيماً لقدرها، غير ما أنزل فيها من آياتٍ أخرى متفرقة في القرآن الكريم، كما وردت فيها السنة بأحاديث كثيرة صحيحة ومتواترة في فضلها وصفاتها وعلاماتها وتعيين نزولها .
2 – تتنزل فيها الملائكة وتلتقي فيها العبادات والطاعات بين السماء والأرض مجتمعة، من ملائكة وإنس وجن وجميع المخلوقات الأخرى من شجر وحجر ومدر وغيرها ......
( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) – (الإسراء- 44 ) .
3 – ليلة ساكنةٌ هادئةٌ آمنة، لا حوادث فيها ولا مصائب، تٌغَل ّ فيها الشياطين وتقيّد عن فعل الشر والأذى، كما أنها سالمةٌ من الكوارث التي تعصف بالأرض، من رياحٍ وعواصف وحرائق ونكبات وزلازل وبراكين وغيرها .
( سلام هي حتى مطلع الفجر ) – ( سورة القدر – 5 )
قال الفرّاء:( لا يقدّر في ليلة القدر إلا السعادة والنّعم، ويقدّر في غيرها البلايا والنقم ) – تفسير القرطبي .
وقال مجاهد في تفسير فتح القدير للشوكاني: لا يستطيع الشيطان أن يعمل سوءاً ولا أذىً فيها للمؤمنين .
4 – فضل العبادة والطاعات فيها كبير وأجرها عظيم .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه ) – أخرجه البخاري (1901) ومسلم (759) والنسائي (4-150 ) وابن ماجه (1641) أبوداوود (1372) والترمذي (683) .
ففضيلة العبادة فيها خيرٌ من عبادة ألف شهر – ليس فيها ليلة قدر، كما في كتب التفسير – أي العبادة فيها خيرٌ من عبادة (83 ) سنة و(4 ) أشهر .
( ليلة القدر خير من ألف شهر ) – ( القدر – 3 ) .
وقيامها إيماناً واحتساباً يكون بالإكثار من العبادة والطاعات، وذلك بصيام نهارها، وقيام ليلها، والاجتهاد في الصلاة مع التدبر والخشوع، وقراءة القرآن والذكر المأثور والدعاء للمسلمين، وأعمال البرِّ والخير والتقوى من صدقةٍ وزكاة ، أو أمرٍ بمعروف ، ونهي عن منكر، ونصيحة لله ورسوله والمؤمنين ... وغير ذلك من أعمال الخير والبر والصلاح .
ويستحب لمن يوافيها أن يدعو بإخلاصٍ ونية وصحةٍ ويقين من دينٍ ودنيا، ويجرَّد نفسه من الغلّ والحقد، وينقي صدره من البغضاء والشحناء تجاه جميع إخوانه المسلمين، ويكون أكثر ما يدعو به للدين وحسن الخاتمة يوم المعاد.
أما ما قاله العلماء عن مغفرة الذنوب، فهل يختص ذلك بالصغائر فقط ؟ أم بالصغائر والكبائر معا ؟
قالوا: إن التكفير يكون للصغائر فقط ، وإن كانت هناك كبائر فلا تكفّر الكبائر ولا الصغائر، وفي رواية وهي الأصح : تكفر الصغائر، وهو مذهب أهل السنة والجماعة وأن الكبائر لا تكفرها إلا التوبة ورحمة الله . " شرح منهاج الطالبين للنووي (2- 73) – سبل السلام للصنعاني (2- 671) – الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (2-589) .
وقال بعض العلماء: رجاؤنا إن صادف كبيرة أو كبائر، ولم تصادف صغائر رجونا أن تخفف من الكبائر أو تحتّ منها .
وقال آخرون أيضاً: تغفر الذنوب جميعها الصغائر والكبائر .
ثالثا : التماس ليلة القدر
ورد في التماسها وأوقات موافاتها أو نزولها راويات متعددة، منها ما كان مرجوحاً أو ضعيفاً أو غريباً أو شاذاً، كأن يروى بأنها قد رفعت كلية، أو تقع مرة كل سبع سنين ، أو تكون في اليوم الأول من رمضان، وقيل ليلة سبعة عشر، وقيل ليلة تسعة عشر أومتنقلة من أول رمضان إلى آخره، أو تكون متنقلة طوال العام، أو أنها ليست مختصة بشهررمضان دون غيره ... وذلك لما سنبين أدناه .
إن ليلة القدر خاصة بشهر رمضان، وهي على الأرجح في الوتر من العشر الأواخر منه ، ولم ترفع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لقوله تعالى :
( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) ( البقرة - 185) .
ويقول عن إنزال القرآن في سورة القدر : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) - ( القدر -1 ) فالقرآن أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا في تلك الليلة المباركة من شهر رمضان الفضيل، ثم نزل منجّما على رسول الله خلال ثلاث وعشرين سنة بحسب الحاجة والأحداث .
كما يؤكد وقوعها حصراً في رمضان وعدم رفعها بعد وفاة الرسول، وإنما رفع معرفة وقت نزولها فقط ، إذ تلاحى المسلمون واختلفوا فيما بينهم، وذلك لحديث أبي مرثد قال : " سألت أبا ذر ، قلت سألت رسول الله عن ليلة القدر ؟ قال : أنا كنت أسأل الناس عنها قلت : يا رسول الله أخبرني عن ليلة القدر أفي رمضان أم في غيره ؟ قال : ( بل هي في رمضان )، قلت : تكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبضوا رفعت ، أم هي إلى يوم القيامة ؟ قال : (بل هي إلى يوم القيامة ) ، قلت في أي رمضان هي ؟ قال : (التمسوها في العشر الأول أو العشر الأواخر ) ... إلى أن يقول :
( لو شاء الله لأطلعكم عليها ، التمسوها في السبع الأواخر ) .
أخرجه : أحمد والبيهقي والحاكم .
ومما يبين رفع معرفة تحديد ليلة نزولها وتعيين وقوعها – لا رفعها – مارواه عبادة بن الصامت في صحيح البخاري قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر ، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال ( خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم ، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة . ) "
وفي رواية : تلاحى رجلان فأنسيتها .
ومن هذا يتضح أن معنى الرفع : هو رفع علم تعيين ليلة وقوعها وتحديد نزولها للمسلمين في ذلك العام ، وهذا يتضح من سياق الحديث حيث يرشدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التماسها في ليالي التاسعة والسابعة والخامسة بعد العشرين، وينبئهم بأن ذلك الأمر عساه أن يكون خيراً لهم ، لما يدعوهم للقيام والاجتهاد في الليالي الثلاث التي أخبرهم عنها رسول الله ، وفي الرواية الأخرى تفسير معنى الرفع بالنسيان ( أنسيتها ) ، وإلا لو كان الرفع بما روي عن بعضهم - بما فيه من الغرابة والشذوذ - بأنها رفعت كلياً عن الوجود، فما الحاجة لتوجيه الرسول لالتماسها في تلك الليالي ( 25، 27، 29) ، ولم وردت أنسيتها بدلاً من رفعها في رواية أخرى، ومن ثم ٍإنها موجودة في القرآن الكريم وفي سورة القدر عامة لم تحدد أو تخصص، كما أنها لم تنسخ بأية تبين رفعها لفترة من الزمن، أو كلية من الوجود كما يقول بعض الجهلة .
وقد وردت أحاديث كثيرة على أنها في الوتر من العشر الأواخر، أو الوتر من السبع الأواخر.
فقد ورد في صحيح مسلم ، عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( من كان ملتمسها فليلتمسها في العشر الأواخر ) مسلم (206- - 1166 )
كما ورد مثل ذلك عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وسالم ... وغيرهما
كما ورد عن ابن عمر أيضا : أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر ) " مسلم (205 1165)
وفي رواية أخرى صحيحة بأنها في السبع الوتر من أواخرشهر رمضان الكريم ، أي في ليالي ( 25،23، 27، 29)
وفي رواية أ خرى في ليلة ( 27 ، 29 )
وهناك من يرى أنها ليلة إحدى وعشرين لحديث أبي سعيد الخدري قال : " اعتكف رسول الله في العشر الأول من رمضان واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال إن الذي تطلب أمامك، فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال : الذي تطلب أمامك، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً صبيحة عشرين من رمضان فقال :
( من كان اعتكف معي فليرجع فإني رأيت ليلة القدر وإني أنسيتها وإنها في العشر الأواخر في وتر، وإني رأيت كأني أسجد في ماء وطين ) وكان سقف المسجد جريداً من النخل، وما نرى في السماء شيئا، فجاءت قزعةٌ فمطرنا حتى رأيت أثر الماء والطين على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديق رؤياه في صبح إحدى وعشرين " ( أخرجه الشيخان ) .
ويقول الشافعي عن هذا الحديث بأنه أصح الروايات .
ويقسم أبي بن كعب رضي الله عنه – عن ليلة القدر- أنها ليلة السابعة والعشرين من شهر رمضان يقول : " والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان – يحلف ما يستثني – ووالله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها " أخرجه : (مسلم -672) –(أحمد -5 -130) – (الترمذي 3351 ) – ( أبو داوود -1378 ) .
كما روى أحمد بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من كان متحرّيها فليتحرّها ليلة السابع والعشرين ) .
وخلاصة الأمر مما ورد من أحاديث وأخبار صحيحة فإننا نرى من خلال الأحاديث التي ورد ذكرها أعلاه :
- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصرح بها تحديداً بليلة معينة، حتى لا ينحصر اجتهاد المسلمين في القيام والعبادة والدعاء بليلة واحدة، وذلك طلباً لزيادة الأجر وتعميم الفائدة بالقيام والاجتهاد والذكر والدعاء لأكثر من ليلة .
- ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر من الوتر .
- ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها في ا لوترمن السبع الأواخر في رمضان وذلك في أحاديث صحيحة .
- وردت أحاديث صحيحة أنها ليلة إحدى وعشرين .
- وردت أحاديث صحيحة أنها ليلة سبع وعشرين .
يمكن أن نستخلص مع التسليم بصحة ما وردنا من أحاديث صحيحة وبالجمع والتوفيق بينها، بأن ليلة القدر تكون متنقلة في ليالي الوتر من العشر الأواخرمن رمضان ، ولو وافقت ليلة جمعة من هذه الليالي الوتر لكانت الفرصة أكبر لوقوعها في تلك الليلة وموافاتها ، لاجتماع أكثر من فضيلة معا ، هذا والله أعلم .
رابعا : علامات ليلة القدر
تتصف ليلة القدر بعلامات وأمارات تميزها عن غيرها من الليالي .
عن ابن عباس أن رسول الله الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: ( ليلة سمحة طلقة، لا حارة ولا باردة ، وتصبح شمس صبيحتها ضعيفة حمراء ) أخرجه الطيالسي من تفسير ابن كثير .
كما أخرج الإمام أحمد بإسناد جسن ، وابن جرير والبيهقي وابن مردويه وذكر ابن كثير في تفسير ليلة القدر عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة كأن فيها قمراً ساطعاً ، ساكنة ساجية لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى تصبح، وأن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر، ولا يحلّ للشيطان أن يخرج معها يومئذ ) .
وكما ورد في صحيخ مسلم عن أبي بن كعب عندما سئل عن علامتها بعد أن أقسم على أنها ليلة السابعة والعشرين قال : " بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها " .
كما أن من علامات ليلة القدر: قوة النور المنتشر في السماء حتى الغيوم تبدو أكثر إضاءة، ولا يظهر في السماء ليلتها شهب ولا نيازك، كما لا تجتاحها عواصف ولا قواصف، ولا غيرها من حرائق وزلازل وبراكين، ولا يحصل فيها من الشر والأذى من أفعال الشياطين لأنها تكون مقيدة ، كما لا يسمع فيها نباح الكلاب ونهيق الحمير، وقد ضعف بعض العلماء هذا الأخير ، نباح الكلاب ونهيق الحمير ، وقالوا: لا يصح هذا .
وهي ليلة آمنة هادئة ساكنة مضيئة رغم أنها في أواخرالشهر وحيث يكون القمر فيها هلالاً، وشمس صبيحتها لا شعاع لها .
إذا كانت تلك العلامات التي ذكرناها آنفاً كلها علامات كونية ، ويمكن مراقبتها ومشاهدتها بالمتابعة والملاحظة .
إلا أن مما يستحسن ذكره، أنَّ هناك علاماتٍ أخرى قد يستشعرها المؤمن في داخله مما يشعر به من راحة وصفاء في النفس، وطمأنينة وسكينة في القلب والجوارح، وسعة وانشراح في الصدر، وسعادة ومتعة روحانية تغمر المؤمن، وخشوع يتجلله، مع رقة وشفافية في الشعور، وسمو في الإحساس، ولذة في القيام والعبادة والذكر وقراءة القرآن، وقوة في الإيمان واليقين، ويفتح الله عليه بالدعاء، ويشعر بالاتصال وقربه من الله تعالى أكثر من أي وقت آخر، كما يستجيب الله دعاء تلك القلوب المؤمنة المتوجهة بصدق ويقين إلى عليائه، والمتصلة به بتدبر وخشوع .
كما يمكن أن يرى بعض الصالحين ليلة القدر في المنام ، كما كان يراها الصحابة ، أو يخبرهم أحد في الرؤيا بأنها ليلة القدر، بحسب ما ورد في الصحيح وبعض الأحاديث السابقة .
خامسا : أفضل الدعاء فيها
وأفضل الدعاء فيها: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : " أرأيتَ إن وفقت ليلة القدر، ما أقول فيها ؟ قال : ( قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ) ".
أخرجه ابن ماجه ( 3850) والترمذي (3513) وأحمد في مسنده ( 6-171) .
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبعفوك من عقوبتك ".
ثم يجتهد بما يفتح الله عليه من الدعاء والذكر المأثور له وللمسلمين ، ويسأل الله من فضله في أمور الدين والدنيا وحسن الخاتمة، بخشوع ويقين واتصال وثيق مع رب العالمين .
اللهم وفقنا لموافاة ليلة القدر، وأكرمنا برؤياها، وارزقنا حسن قيامها بتدبر وخشوع ، واهدنا لخير الأعمال الصالحة فيها من البر والتقوى، لتغفر ذنوبنا وتمحو زلاتنا وتتجاوز عن سيئاتنا وتعفو عنا، وتدخلنا فردوسك الأعلى بغير حساب مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
وصلّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
اللهم آمين .. آمين ... وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
وسوم: العدد 978