( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون )
من المعلوم أن النفاق هو أخطر ما واجهه الإسلام لاختلافه عن الكفر الجليّ والبيّن،والصريح ، وذلك لغموضه، وإبهامه ، وتمويه أهله عليه بظاهر مناقض للباطن . وأهل النفاق صنفان : صنف يضمر الكفر ، ويظهر إيمانا كاذبا ، وصنف لم يرسخ إيمانه فظل مذبذبا بينه وبين الكفر .
ولقد خص كتاب الله تعالى أهل النفاق بكثير من الأوصاف بها يعرفون ليحذر منهم أهل الإيمان الحذر الشديد . ومما وصفهم به سبحانه وتعالى أنهم إذا دعوا إلى شرعه المنزّل على رسوله صلى الله عليه وسلم المكلف بتبليغه وتطبيقه وتنزيله في الواقع يعرض فريق منهم عن هذه الدعوة مصداقا لقوله عز من قائل : (( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون )) ،أما الدعوة إليه سبحانه وتعالى، فهي دعوة إلى ما في كتابه الكريم مما شرعه ، وأما الدعوة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهي دعوة إلى ما بلغه عن ربه من هذا الكتاب ، وما بلغه عنه مما أوحى إليه أيضا منة السنة .
و بناء على هذا متى ما دعي أحد ينتسب إلى الإيمان والإسلام أو يدعيه أو يكون ممن يحسب عليهما إلى شيء مما شرع الله تعالى ، وبلغه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فأعرض عنه يكون قد حاز بذلك صفة من صفات النفاق . ومعلوم أن سبب الإعراض عن حكم الله تعالى إنما هو يقين المعرضين بأنهم ليسوا على حق وأنهم مبطلون.
ومما يتصل بصفة الإعراض في المنافقين ، صفة الإذعان إلى الحكم إذا ما كان لصالحهم أو كان لهم لا عليهم، وهو إذعان لا يكون عن اعتقاد بعدالته بل لأنه موافق لأهوائهم فقط . وبناء على هذا إذا ما سجل عن منتسب إلى الإسلام حين يدعى إلى شرع الله عز وجل إعراضه عن حكم من أحاكمه مقابل إذعانه إلى حكم آخر، فذلك دليل على نفاقه أيضا .
ولقد بيّن الله عز وجل السر وراء هاتين الصفتين من صفات النفاق بقوله :
(( أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون )) أما مرض القلوب، فهو النفاق من نوع إضمار الكفر وإظهار الإيمان ، وأما الارتياب، فهو النفاق من نوع عدم رسوخ الإيمان في القلوب ،وأما الخوف من حيف الله عليهم ـ تعالى عما يزعمون علوا كبيرا ـ ومن رسوله صلى الله عليه وسلم ـ حاشاه ـ فيما شرع كتابا وسنة، فمرده إلى ما دأبوا عليه من ظلم وحيف في حياتهم، لهذا يزعمون أن شرع الله عز وجل فيه من الحيف والظلم ما هو موجود حقيقة في شرائع أهوائهم ، وصدق الشاعر أبو الطيب المتنبي إذ يقول :
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنون وصدّق ما يعتاده من توهّم
وحتى يتبيّن الإيمان من النفاق عندما تكون الدعوة إلى ما قضى و حكم الله تعالى، فإنه مباشرة بعد ذكر صفات المنافقين ذكر الله تعالى صفات المؤمنين فقال عز من قائل : (( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون )) ، فبهذه الصفات يتميز أهل الإيمان الصادق عن المنافقين بصنفيهم المضمرين للكفر والمظهرين للإيمان ، أو المذبذبين بينهما ، فالمؤمنون حقا يتصفون بالسمع والطاعة ، وخشية ربهم وتقواهم إذا ما دعوا إلى ما شرعه لهم هو ورسوله ، وقد وعدهم ربهم بالفلاح والفوز في العاجل والآجل مقابل خسارة المنافقين فيهما معا .
مناسبة حديث هذه الجمعة هو تنبيه أهل الإيمان إلى تهافت ما يدعو إليه اليوم عندنا بعض من يشهدون على أنفسهم بألسنتهم على نفاق في قلوبهم إذ يرمون شرع الله عز وجل بالحيف فيما يخص قسمة الإرث بين الذكور والإناث ، ويطالبون بتعطيل آية محكمة من آيات الذكر الحكيم ، وهم بذلك في حكم من دعوا إلى الله ولرسوله فأعرضوا ، ووجب لهم من صفات النفاق ما وجب لمن كان قبلهم من المنافقين ممن جاء ذكرهم في كتاب الله عز وجل .
ولهذا يجب أن يحذر المؤمنون من كيد هؤلاء لأنهم يضمرون ما لا يظهرون كما كان شأن المنافقين زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد حذر منهم الله عز وجل فقال مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم ومن خلاله مخاطبا كل المؤمنين إلى قيام الساعة : (( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون))
وهذه صفات أخرى من صفات المنافقين حيث تكون لبعضهم هيئات قد تثير الإعجاب بهم ، وتكون لهم فصاحة لسان، وقوة وبراعة جدال قد تستهوي من يسمعهم، وهم في حقيقة أمرهم تافهون لا قيمة ولا قدر لهم ، وهم جبناء يتوجسون دائما من انكشاف نفاقهم ، ولهذا يجب الحذر منهم ، وقد لعنهم الله لما هم فيه من إفك .
اللهم إنا نعوذ بك من شر وكيد أهل النفاق ، ونعوذ بك أن نعجب بهيئاتهم أو بأقوالهم ، ونسألك الثبات على دينك ، ونسألك الرضا بما شرعت لنا فيه حتى نلقاك وأنت راض عنا ، ونسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وسوم: العدد 987