(( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ))
من المعلوم أن الله تعالى خصّ عباده المؤمنين بكرامة وبحرمة صيانة لهم من كل أذى قد يلحقهم من أعداء دينهم سواء كانوا كافرين ، أو كانوا منافقين، وسواء كانت إذايتهم لهم قولا أو كانت فعلا ، وهذا يدل على أنه لا يقبل سبحانه وتعالى ، ولا يرضى أن يظلموا أو يحتقروا أو يهانوا أو يهمزوا أو يلمزوا أو يسخر ويستهزأ بهم أو يبهتوا بإلصاق التهم الباطلة لهم .
ولقد جاء وعيده الشديد سبحانه وتعالى في الذكر الحكيم لمن يؤذون المؤمنين والمؤمنات بالكذب والبهتان ، وذلك في قوله تعالى : (( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا )) ، وقد جاء قوله هذا مباشرة بعد قوله جل وعلا : (( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا )) ، و اشتمال الآيتين على الوعيد الشديد لمن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويؤذي المؤمنين يدل على أن حرمة المؤمنين قد ألحقت بحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنويها بشأنهم ، وإن كان شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم ، وفوق شأنهم ، وقدره، ومنزلته ورتبته فوق قدرهم ،ومنزلتهم، ورتبتهم في التوقير والتعظيم .
ولقد جاء في كتب التفسير أن آية إذاية رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلت في المنافقين الذين طعنوا في أخذه عليه الصلاة والسلام أم المؤمنين صفية رضي الله عنها لنفسه ،علما بأنهم آذوه أيضا في أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها في حديث الإفك ، وفي أمور أخرى . ولقد جعل الله تعالى إذاية رسوله صلى الله عليه وسلم بمنزلة إذايته تعالى عن ذلك علوا كبيرا لأنه لا يؤذى سبحانه على وجه الحقيقة ، وإنما المقصود بذلك أنه يغضب شديد الغضب لإذاية رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم لمكانته عنده ، ويتوعد بشديد الوعيد من يفعل ذلك ، وقد جعل وعيده لعنة تطرد من رحمته سبحانه وتعالى ، مع ذلة وحقارة وهوان في الدنيا إلى جانب العذاب المهين الخالد في نار جهنم ، و يكون فيه مزيد ذلة، وتحقير، وهوان، وخزي .
ولقد ألحق الله تعالى من يؤذون المؤمنين والمؤمنات بمن يؤذونه سبحانه هو ورسوله لأنهم يحتملون بذلك بهتانا يفترونه عليهم ، وهو إذاية تكون بالألسنة المروجة للأكاذيب ، وقد سماه الله تعالى إثما مبينا تشنيعا به ، وذلك لما يترتب عليه من أضرار تصيب المؤمنين والمؤمنات ظلما وعدوانا في أنفسهم وفي أعراضهم وذويهم .
وإذا كان سبب نزول آية التشنيع بإذاية رسول الله صلى الله عليه هو ما ذكر في كتب التفسير ، فإن حكم إذايته عليه الصلاة والسلام مهما كانت ، ومتى ما وقعت ،فإن حكمها هو ما قضى الله تعالى من لعنة ، ومن عذاب مهين لمن يفعلون ذلك إلى قيام الساعة ، وكذلك الشأن بالنسبة لمن يؤذون المؤمنين والمؤمنات بهتانا وزورا .
ومعلوم أنه لا يخلو زمن من الأزمنة من منافقين دأبهم إذاية المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا رغبة منهم في إنزال الضرر بهم والتنقيص من شأنهم ، لهذا يعتبر ما قضى به الله عز وجل من لعنة وخزي في الدنيا لمن يؤذونهم مع الوعيد بالعذاب المهين في الآخرة حكما ساري المفعول إلى يوم الدين . ولقد سجل التاريخ صورا مما لحق من كانوا يؤذون المؤمنين والمؤمنات من خزي.
مناسبة حديث هذه الجمعة هو تنبيه المؤمنين والمؤمنات إلى كيد أعداء دينهم من حين يستهدفونهم بالبهتان ، وينسبون لهم تهما كاذبة وملفقة ، يراد بها إلحاق الضرر المادي والمعنوي بهم ، وكل من يصدق بهتانهم لا شك أنه ينال نصيبه من اللعن والخزي ، ويشمله عذاب الله المهين في الآخرة إلا أن يتحلل مما تحمّل من بهتان ، ويتوب إلى ربه توبة نصوحا .
ولقد شهد الأسبوع الماضي إشاعة بهتان على أحد لاعبي فريقنا الوطني الذي شرّف الوطن بما حققه مع زملائه من فوز في كأس العالم بدولة قطر . ولقد كان البهتان عبارة عن تلفيق تهم باطلة لذلك له مفادها بأنه كان يدعو زملاءه إلى التطرف الديني المفضي إلى العنف والإرهاب لمجرد أنه حافظ لكتاب الله عز وجل ، ومحافظ على صلواته ، وهو على خلق إسلامي رفيع بل بلغ حد النيل منه أن وصف بما يوصف به من يرتكبون الجرائم باسم الدين ، وهي تهمة خطيرة .
وليس هذا اللاعب هو الوحيد الذي استهدف بمثل هذا البهتان ، وهذا الإثم المبين بل هناك الكثير من المؤمنين والمؤمنات الذين نالهم ما ناله ظلما وعدوانا بسبب افتراء الكذب والبهتان عليم ، وهم أبرياء مما لفق لهم من تهم باطلة ترتبت عنها مضار خطيرة ، وغالبا ما يكون من يؤذونهم جهات أو أفراد لهم أهداف تخدم توجهاتهم المنحرفة عن قيمنا الإسلامية يريدون إشاعتها في المجتمع لنشر الفساد والانحراف فيه ، فيعترض رغبتهم الوازع الديني الذي لا يستطيعون مواجهته بشكل مباشر ، فيواجهون المتدينين والمتدينات يتقدون تدينهم ، وهيئاتهم ولباسهم ويؤولون ذلك بهتانا وزورا التأويل المغرض بحيث يربطونه بالتزمت والتطرف والعنف ، والتخلف ، وكراهية الآخر الذي لا يخفي كراهيته لهم ، ولا يتوانى في التضييق عليهم في تدينهم ، وفي أحوالهم الخاصة ، ولا يقبلهم في مجتمعه ، مع أنه يتصرف بكامل حريته في مجتمعاتهم وفق قناعاته العقدية .
ولقد خيّب الله تعالى مسعى من أراد النيل من ذلك لاعبنا المتدين لا لشيء إلا لأنه أظهر تدينه ، وردا على كيد الواشي رفع الله تعالى وهو حسبه من قدره وشأنه عند أمير المؤمنين الذي أحسن استقباله ، واستقبال زملا ئه هم وأمهاتهم ،ووشح صدورهم بأوسمة الشرف ، وقد خص ذلك اللاعب تحديدا ببرقية معبرة عن الرضا عنه وعن سلوكه ، وعن سعيه المشكور لما قدمه لوطنه كما رفع الله تعالى من قدره و قدر زملائه وأمهاتهم عند عموم المواطنين ، وجعل لهم القبول في قلوبهم ، بينما نال الخزي والعار والشنار شانئه الكذوب.
اللهم إنا نسألك أن تصون أعراض المؤمنين والمؤمنات من كل بهتان يستهدفهم ، وأن تجعل كيد من يكيد لهم في نحره ، وتجعل مكره السيء يحيق به .
اللهم إنا نعوذ بك أن يستزلنا من يستهدفون المؤمنين والمؤمنات بالبهتان ، واعصمنا اللهم من أن نستدرج إلى تصديق ما يكيدون لهم به من كيد خبيث .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وسوم: العدد 1013