في يوم عرفة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
من أراد معرفة أخلاق الأمة فليراقبها في أعيادها، إذ تنطلق فيه السجايا على فطرتها، وتبرز العواطفُ والميول والعادات على حقيقتها، والمجتمع السعيد الصالح هو الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذِروة، وتمتد فيه مشاعر الإخاء إلى أبعد مدى، حيث يبدو في العيد متماسكًا متعاونًا متراحمًا تخفُق فيه القلوب بالحب والود والبر والصفاء .
في هذه العشر التي مرّت مباركة طيبة يومُ عرفة ، وهو أفضل الأيام - وهو يوم مغفرة الذنوب للحجاج ،قال صلى الله عليه وسلم: ( ما من يوم أكثرَ من أن يُعتقَ الله فيه عبيداً من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة ) ،وقال صلى الله عليه وسلم (وخير الدعاء دعاءُ يوم عرفة ، وخير ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء )
وقال صلى الله عليه وسلم في فضل صيام يوم عرفة: ( صيامُ يومِ عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والتي بعده ) ، وروى الإمام أحمد - رحمه الله - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( يوم عرفة هذا يومٌ مَن ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غُفر له ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( يوم عرفة ويومُ النحر وأيام التشريق عيدنا أهلَ الإسلام ، وهي أيام أكل وشرب وذكرٍ لله ) .
ولا ننس أيها الإخوة الأحباب إخوانَكم المجاهدين في سبيل الله الذين بذلوا أرواحهم ودماءهم في الدفاع عن ديننا وأمتنا وبلدنا المبارك : فبلاد الشام يأرز إليه الدين كما تأرز الحية إلى جحرها ..وأرض الشام بلاد مباركة تحمي بيضة الإسلام ، ومنها يعود الدين ينتشر ويقوى ، وأعداؤنا يعلمون ذلك فيحاولون تدمير بلادنا وتشتيت شعبنا ويمكرون ( وإن كان مكرُهم لتزول منه الجبال)، لكن الله غالبٌ على أمره ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )
هم يكيدون ونحن بعون الله ونورٍ منه وتأييد ننتصر له ولدينه ،وهو سبحانه ناصرنا إن رجعنا إليه والتزمنا شرعه وتخلقنا بسيرة نبيه ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم).
ولا ننس كذلك المهاجرين الضعفاء وأبناءَ الشهداء والأرامل الذين لم يبق لهم سند ولا معيل ، إكرامُهم فرض ومساعدتهم واجب ، ولا ننس الأمهات الثكالى وحزنَ الاباء، نخفف عنهم ما استطعنا ، فنعينهم ماديا ومعنويا ونأسو جراحاتهم ، ونبذل لهم كل خير فهم إخواننا وأحبابنا وأبناؤنا وقطعة من نسيج حياتنا ، ولا يكون المجتمع مجتمعاً صالحاً إلا بتكاتفنا جميعاً والعملِ يدا واحدة، فالمؤمنون إخوة ، ومن لأخي إن لم أكن له؟! ، ومن لي إن لم يكن أخي لي؟! ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم( واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) وقال( من نفّس عن مؤمن كربة نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة؟
تقبل الله منكم حجكم- إخواننا- ورجعتم إلى دياركم وأهليكم وقد غفر الله لكم ذنوبكم وعدتم كيوم ولدتكم أمهاتكم فأفيضوا من الاستغفار،وأكثروا من التوبة ،وادعوا لإخوانكم المسلمين جميعا بالأمن والأمان والسعادة والحياة الطيبة والنصر على الاعداء ، ادعوا للمسلمين بالعودة إلى الله تعالى والفوزِ برضاه والجنة وتقبل الله منكم وعفا عنكم ورحمكم وأجزل مثوبتَه لكم.
وتقبل الله منا إذ صمنا، وسبحنا الله، واستغفرناه من ذنوبنا، وعاهدناه أن نكون عباداً صالحين مصلحين ،وزرعنا في نفوس أبنائنا وقلوبهم حبَّ الله ورسولِه ودينه العظيم وعاهدناه أن نبني حياتنا على مكارم الأخلاق وحسن الشمائل والعمل على ما يرضي ربنا .
اللهم تقبل منا جميعاً إنك أنت السميع العليم
واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم
ايدنا بنصر من عندك تبلغنا به تحريرَ بلادنا من المجتبرين الطغاة الذين ساموا أهلنا الخسف وظلموا امتنا وأهانوا شعائرنا ودمروا مساجدنا فوق رؤوس المصلين واستباحوا أعراض المسلمين ، الله أرنا فيهم يوماً كيوم عاد وثمود ،
اللهم نسألك نصراً تُفرِّجُ به الكروب ،وتشرح به الصدور، وتحيي به القلوب ،وتشفي به صدور قوم مؤمنين، وتذهب غيظ قلوبهم .
اللهم ليس لنا سواك ولا اعتماد لنا إلا عليك ولا ملجأ لنا سواك ، نسألك بوجهك الكريم الذي أنرت به سمواتك وأراضيك، وصَلح به أمرُنا أن تفرِّج عن المسلمين في سورية ومصر وليبيا واليمن والعراق وبورما وكل بلاد المسلمين وأن تجعل لنا من كل ضيق مخرجا ، ومن كل أذى فرجا ،ومن كل ضيق مولجاً ..
اللهم لا حول ولا قوة إلا بك ..
تقبل الله أعمالكم ، وربَاها لكم ، ورزقكم حياة السعداء، ومكانة الصالحين والشهداء،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكلَّ عام وأنتم بخير.
وسوم: العدد 1038