إنما المؤمنون إخوة
طوبى للإنسان يحب أخاه الإنسان ، ويدفعُ كلٌّ منهما عن الآخر أسباب العداوة والأذى والقلق ، وكلَّ مايجلب للآخر أنواع مايأتي لإفساد الطمأنينة لديه . فالمودة والتراحم من بعض معطيات الأخوة لدى الإنسان العاقل ، الذي سلم قلبُه وصفا من الأضغان ، وأبعد عنه ماشاع بين الناس من غيبة ونميمة وحسد وغير ذلك من مفردات الإساءة للآخر بكل أنواعها ، إنْ تصريحا أو همزا أو لمزا ، علما بأن الإنسان أيَّ إنسان يتأذى إذا ذكره الآخرون بمثل هذه الصفات الذميمة التي توقد نار الشقاق بين الناس .ومن هنا تأتي حقوق الإنسان على أخيه الإنسان محمولة على أجنحة الإخاء الإنساني ، هذا الإخاء الذي ذكَّر به المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم : ( يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكم مِّن ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكمْ شعوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) . وقبل أن ندخل في مغاني المجتمع المثالي الذي صاغه ديننا الإسلامي الحنيف تحت ظلِّ قوله سبحان : ( إِنَّمَــا المُؤْمِنُوْنَ إخْـوَةٌ ). نقول بأن الناس كلُّهم عبادٌ للهِ ، وأفضلُهم عنده مَن قدَّم عوامل التقوى قولا وعملا فكان من المتقين الأبرار ، وحيث نلمح دعوتَه جلَّ وعلا إلى التعارف بين أبناء آدم عليه السلام ، للدلالة على أهمية التواصل من خلال القيم الإنسانية التي ذكرها الخالق للخلق في كتابه الكريم ، وجاءت تلك القيم وارفةَ الظلال محمودة العاقبة في سُنَّةِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم . فهناك أُخُوَّةٌ في الدم وأخرى أُخُوَّةٌ في العقيدة ، وعلى امتداد فصول الشرح لكل منهما ، يبقى الرابط الإنساني ينبض في صدور الناس أجمعين ، إلا مَن التهمته شدقا الأحقاد والكبرياء والمساوئ الأخرى ، وأخرجته من البيئة الإنسانية التي لايجافيها إلا ضال أو جاهل مستهتر بكل قيم الحياة الدنيوية السامية .
البشر سواسية أمام الناموس الإلهي ، وهو النظام ــ إذا جاز لنا أن نسميه كذلك ــ أي الشرع الذي شرعه الله تعالى، ويقال الناموس للقانون الإنساني أيضا، واللفظ يوناني أصل معناه الرعاية . كما جاء في بعض المعاجم .وأنه لا يوجد أيُّ فرق بينهم إلا : (في تقوى الله والقرب منه ) . وهنا تسمو النفس الإنسانية بما في التقوى من مزايا للإنسان المسلم ، ومن سجايا عاليات ترفع المسلم إلى مقام الربانية ، التي يستظل بأفيائها الصِّديقون والصالحون على مرِّ الحقب ... والشريعةُ الإسلامية المباركة حثَّت على التعايش مع كل الناس رغم الأجناس والألوان وتباين الثقافات ، فالأصل أن الإنسان أخو الإنسان ، فالأب آدم عليه السلام والأم حوَّاء عليها السلام ، وتبقى الرابطة الإنسانية تؤكد على مبادئ الأُخوَّة بين البشر ، ويبقى مفهوم الأخوَّة الإنسانية يقدم للمجتمعات مكانة التراحم والتواصل المثمر المبني على أسفار الخير والتضامن والإيثار وغيرها من نفحات عصر النُّبُوَّة الأثيرة في هذا المجال الذي يكاد أن يكون مفقودا في هذا العصر الذي اجتاحته أعاصير أوبئة السوء ، ومحارة الفطرة السليمة ، والاستعداء المتوحش على تلك القيم العالية ، وعلى مَن يحملون راياتها الخفاقة ، وستبقى ترفرف في آفاق الدنيا رغم كل الأحقاد والمؤامرات على ما أراده الله لعباده علىى هذه الأرض .
وهنا يجد المنصفون من أهل الفكر ، وأصحاب البحث في الحياة الاجتماعية أن ماجاء به الإسلام هو المنهج الحق الذي يضمن للناس كلِّ الناس حقوقهم ، ويحثهم على أداء واجباتهم ، فهذا الدِّين الذي لم يتبدل ولن يتبدل ، وهو ... كما هو بين أيدينا الآن كما أنزله الله على نبيِّه صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) . والعمل بما جاء في هذا القرآن العظيم إنما هو عبادة لله ، وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم وليس هو من نظريات البشر ، ولا هو من ضلالات الفلاسفة ، ولا هو من هُراء المبادئ والعقائد التي جاءت بها الأحزاب الضَّالة المضللة ... إنما هو وحي من الله بارئ الناس : ( ألا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطيفُ الخَبِيْر ) ، وهو العليم بمصالحهم ، وبما يسعدهم في الدنيا والآخرة .وهنا أيضا يتأكد لنا أن المسلم الذي حمل هذا النهج المحمَّدي جدير بأن يعطف على مِن احتاج إلى العطف ، ويتعاون مع احتاج إلى المعونة ، ويواسي من احتاج إلى المواساة ، ويفشي السلام على مَن يعرفه ومَن لايعرفه ... إلى آخر مافي ما للمجتمع الفاضل من احتياجات ، ومن عوامل دعم للإخاء الاجتماعي بين الأفراد وبين الشعوب . ومن صيانة للحقوق المترتبة على هذا الإخاء ، كحق المرأة الذي أعلى من مكانته ربُّنا سبحانه وتعالى ، وحق العامل والخادم والموظف ، وحق الفقير وحق ابن السبيل ، وتلك من بعض مقومات وحصانة المجتمع الفاضل الذي يريده الإسلام للناس أجمعين ، وتلك من بعض الإضاءات المحمَّديَّة التي قام عليها المجتمع الإسلامي في عصر النبوة ، ولم يــر التاريخ مثلها في سابق العصور ، وأظنُّه لن يرى مثلها ، والله أعلم .
إضــاءة من السُّنة النبوية :
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، ومَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنَّ المُسْلِمَ إذا عادَ أخاهُ المُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ في خُرْفَةِ الجَنَّةِ حتَّى يَرْجِعَ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا تَنافَسُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا).و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المسلمُ أخو المسلمِ لا يخونُهُ ولا يَكذِبُهُ، ولا يخذلُهُ، كلُّ المسلمِ علَى المسلمِ حرامٌ: عِرضُهُ ومالُهُ ودمُهُ. التَّقوَى ههُنا. بِحسبِ امرئٍ منَ الشَّرِّ أن يحتقِرَ أخاهُ المسلمَ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (انْصُرْ أخاكَ ظالِمًا أوْ مَظْلُومًا. فقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أنْصُرُهُ إذا كانَ مَظْلُومًا، أفَرَأَيْتَ إذا كانَ ظالِمًا، كيفَ أنْصُرُهُ؟ قالَ: تَحْجُزُهُ أوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ فإنَّ ذلكَ نَصْرُهُ).
وياليت قومي يعلمون ...
وسوم: العدد 1051