أما آنَ لنا أن نخشع؟!
أثنى الله تعالى على المؤمنين (الذين هم في صلاتهم خاشعون)، كما في مطلع سورة المؤمنون، وذكر الخاشعين والخاشعات من زمرة الذين (أعدَّ اللهُ لهم مغفرةً وأجراً عظيماً)، كما في سورة الأحزاب: 35.
فجدير بالمؤمن أن يسأل عن معنى الخشوع، ثم يتحقق من نفسه: هل هو من الخاشعين فعلاً أم أن القسوة قد أصابت قلبه؟!.
أول ما يخطر في البال لدى ذكر الخشوع إنما هو حال المسلم في صلاته وهو يناجي ربّه، مستحضراً ذلّه وصغاره أمام ربّه. وهذه الحال هي التي ذكرها مطلع سورة المؤمنون. لكن الخشوع المطلوب من المؤمن أعمُّ من ذلك. إنه خضوع القلب وانكساره وسكونه أمام الله تعالى، وهذا ما يجعله دائم الصلة به سبحانه، يستشعر عظمته ورحمته ووُدَّه وإنعامه ومغفرته وشديد عذابه وحكمتَه فيما شرع وأمر ونهى...
فإذا كان المؤمن كذلك في كل أحواله، أو في جُلّها، فلا شك سيكون خاشعاً، ليس في صلاته فحسب، بل أمام كل موقف يعرض له: إن أدرك نعمة شكر، وإن أصابته مصيبة صبر، وإن دعته شهوته إلى ارتكاب معصية زجرها، وإن رأى حرمةً لله تُنتهك تحرّكت غيرته، وإن دعاه داعٍ إلى بذل ماله ونفسه لله أقدمَ ولم يتردّد.
ومثل هذا المؤمن سيستشعر طرفاً من حال النبي صلّى الله عليه وسلّم عندما قال: "وجُعلت قرة عيني في الصلاة". رواه أحمد والنسائي، وحال الصفوة من السلف الصالح، كالذي روي عن علي بن الحسين أنه كان إذا توضّأ اصفرّ لونه فإذا سأله أهله عن ذلك قال: أتدرون بين يدي من أريدُ أن أقوم؟!.
وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا ركع قال: "اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري ومخّي وعظمي وعصبي".
وقد حذّر القرآن الكريم من حال الذين يغفلون عن الله وتقسو قلوبهم ولا تخشع لله ولا تنقاد لأوامره ونواهيه. قال تعالى: (ألمْ يأنِ للذين آمنوا أن تخشعَ قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبلُ فطالَ عليهم الأمدُ فَقَسَتْ قلوبُهم. وكثيرٌ منهم فاسقون). {سورة الحديد: 16}. قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين (أخرجه مسلم). ولنلاحظ أن طول الأمد يؤدي بالغافلين إلى قسوة القلب والحرمان من الخشوع، خشوع القلب والسمع والبصر والعصب.
اللهم اجعلنا من المؤمنين الذاكرين الخاشعين.
وسوم: العدد 1053