حين نخسر الإيمان
لا أتصور حياة طبيعية دون إيمان ، فالإيمان للإنسان مثل البطارية التي تشحن الألة ، فتدب فيها الحركة ، وهي مثل مولد الكهرباء ، الذي يشغل الماكينات والمصابيح ، فتشع الأنوار في الفضاءات المظلمة ، فحين يغيب الإيمان ؛ تصبح الحياة مظلمة ، تصبح الحياة فاقدة لمعناها ، تهتز معالم الحياة بفقدانه ، و تنشأ التقلبات والاضطرابات لا لشيء سوى لفقدان تلك الطاقة الروحية ، التي تبعث في النفس الراحة والسكينة والاستقرار، فينشرح صدر من اقتنع وآمن ؛ حين يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، حينها فقط تبعث تلك الإشراقات الروحية في نفس المؤمن ، قد لا نجد لذلك وصفا يحتوي تلك المعاني سالفة الذكر ، أجدها في حديث رسولنا صلى الله عليه و سلم .
عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: (ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا)
[صحيح [(رواه مسلم )
و حين يخسر الإنسان الإيمان يعيش الفراغ ، يعيش التيه في الفراغ ، فتكون حياته بلا معنى ولا أثر، حينها تتغير أحواله ، فلا يعرف طعما للحياة ، لا يعرف قيمة للنعم الموهوبة ، فلا القلب يشكر، ولا اللسان يذكر، ولا الجوارح تستقيم .
فمن خسر الإيمان كان الضجر والقلق رفيقه الأوحد ، فيغفل عن الاستغفار والتوبة النصوح ، لأنه خسر بابا واسعا لسعادة النفس وراحتها ، خسر بابا واسعا لدفع ضغوطات الحياة ، ببساطة يخسر المرء الحياة الطيبة ، التي لا نجدها إلا في واحة الإيمان مصداق ذلك الآية رقم 97 من سورة النحل، ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) .
فالإيمان قوة دافعة موجبة غير سلبية ، تقوي عزيمة المؤمن فيتحرر من الضعف والهزيمة، فيبذل الوسع ويقينه معلق بالسماء يسأل التوفيق و العطاء .
قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10- 12]،
حين نخسر الإيمان نحرم الرضا ، الذي هو مبعث راحة النفس ، حين نخسره يشعر المرء بالضيق، فيكثر الجزع ونرفض النوازل ، ويسكن الحسد والغيرة القلب الفارغ من الإيمان ، لأنه بفقدانه لا يستطيع مقاومة الأزمات العارضة ، وفي الوقت نفسه نجد القلب العامر بالإيمان يسعد بالقليل، ولا يبالي بالمصائب النازلة، ولا ينازع الأقدار ،بل يجهد نفسه ليدفعها بالأسباب والقلب منشرح مطمئن بالفرج القريب، فلا تصغر النفس ولا تضعف وإن ضاقت الدنيا ولو نازعته الأحوال ، وفي ذلك يعلمنا الحبيب المصطفى
عن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب -رضي الله تعالى عنهما- قال: كنت خلف النبي ﷺ يوما، فقال: يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم: أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف[أخرجه الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله ﷺ (4/ 667)، رقم: (2516)، وأحمد (4/ 409)، رقم: (2669).
وأختم مقالي بهذه الخاطرة الإيمانية الرائعة راقت لي ، فأنقلها أمانة لقائلها يقول في كلماتها المشحونة بالتأمل والتفكر :
( حين أنظر للسماء، أجبر على الابتسام.. كأنها تخبرني: لما الضيق ما دام الكون واسعاً، لما الحزن ما دام الرب للدعاء سامع)
وسوم: العدد 1061