(كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين)
من المعلوم أن القرآن الكريم باعتباره الرسالة الخاتمة للعالمين ، قد اشتمل على كل ما يحتاجه البشر من توجيهات تنفعهم في حياتهم ، ومن تحذيرات تنبههم إلى ما يضرهم . وبالرغم من أن آي القران الكريم قد جعل الله تعالى لنزولها أسبابا ، فإن ما تتضمنه إنما هي أحكام ملزمة للبشر كافة كلما تكرر منهم من الأفعال ما كان أسبابا وراء نزولها . وهذه خاصية الرسالة الخاتمة خلافا لسابقاتها التي كانت أحكامها ملزمة لمن أنزلت فيهم ، ومقتصرة عليهم .
وإذا كانت الرسالة الخاتمة قد قصت علينا أخبارالأمم السابقة ، فإن في ذلك عبرة وموعظة لنا ، فضلا عن كون بعض ما شرع لها استمرالتشريع به لنا فيها ، وهو ما يسمى شرع من قبلنا ،وهو أيضا مما تلزم أحكامه الناس أجمعين إلى قيام الساعة .
ومما سجلته الرسالة الخاتمة، أخبار وأحوال بني إسرائيل قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وخلالها ، وهو ما استمر ويستمر بعدها . ومما وصف به بنو إسرائيل ما كان منهم من انحراف عما جاء بهم هدي نبي الله موسى عليها السلام في التوراة ، ومن ذلك قول الله عز وجل : (( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين )) ، وقد سبق هذا الجزء من هذه الآية الكريمة بسرد ما كان منهم من تجاسر على الله عز وجل ، ومن تكذيب لرسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن إفساد في الأرض حيث قال سبحانه وتعالى عنهم : (( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدنّ كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين )) . وعند التأمل يتضح أن هذا الذي وصف به الله تعالى بني إسرائيل ملازم لكل من انحرفوا منهم عن هدي نبي الله موسى عليه السلام إلى قيام الساعة ،بحيث يرددون نفس القول المتجاسر على الذات الإلهية بوصفه سبحانه وتعالى عما يصفون بالبخل ، ويزيدهم ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم طغيانا وكفرا ، وتستمر العداوة والبغضاء بينهم لخلافاتهم إلى يوم القيامة لأن ذلك هو سجيتهم ، و دأبهم وعادتهم، وهو من عقاب الله عز وجل لهم على ما طبعوا عليه من بغضهم لدين الله عز وجل ، كما أن ديدنهم أيضا هو أن يوقدوا الحروب في الأرض لفاسد في جبلتهم وطبيعتهم ، ولأنهم يستفيدون منها ، ويجنون ثمارها ،إلا أن الله تعالى يتعقب مكرهم ،فيبطله كلّما تكرر، ويسلط عليهم من يذلهم ، ويستبيح بيضتهم كما قال الله تعالى : (( ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا )) . ولقد ذم الله تعالى كل أنواع الفساد الصادرة عنهم بما في ذلك تسعير نيران الحروب ، فباؤوا بغضبه منه سبحانه وتعالى، لأنه لا يحب المفسدين.
مناسبة حديث هذه الجمعة ، هو تذكير المؤمنين بتنبيه الله عز وجل لهم من فساد ، وإفساد بني إسرائيل في الأرض ممن تنكب منهم صراطه المستقيم كما دعا إليه في التوراة المنزلة على نبيه موسى عليه السلام ، وهو دأب لا ولن يحيدوا عنه أبدا . ولا شك أن ما يحدث الآن في أرض الإسراء والمعراج، يؤكد ما أخبر به الله سبحانه وتعالى ، ذلك أنهم خططوا بمكر وخبث حين أطلقوا أيدي المتعصبين منهم لتعيث فسادا في بيت المقدس ، وتنكل برواده من أجل العبادة ، وهو ما رد عليه الفلسطينيون بما يناسب اعتداءهم ، وما سمي طوفان الأقصى ، والذي اتخذوه ذريعة للعدوان ، وسموه دفاعا عن النفس ، وذلك بقصف وتدمير البيوت والمساجد والمستشفيات ... وكل المرافق فوق رؤوس المدنيين العزل ، وفيهم أطفال ، ونساء ، وعجزة ، ومرضى . ولقد هدأت الحرب مدة أسبوع من أجل تبادل الأسرى بموجب عهد سرعان ما نقضوه ، فأضرموا نيران الحرب من جديد من أجل الاستمرار في الإبادة الجماعية لأهل غزة ، وهي إبادة استمرت ما يزيد عن شهرين لترهيبهم وتهجيرهم خارجها ، ولتحقيق مشروعهم الاستيطاني المخطط له بخبث ومكر ، والمسمى الوطن القومي لليهود من نهر الفرات إلى نهر النيل ، وهو مشروع يحلمون من ورائه بالاستيلاء على مقدرات وخيرات مجموع منطقة الشرق الوسط ، واستغلالها ، وتصديرها إلى من يوالونهم من الصليبيين ، ومراكمة عوائدها من الأموال التي يستغلونها لنشر المزيد من أنواع الفساد في الأرض .
وعلى المؤمنين اليوم ، أن ينتبهوا إلى مؤامرة خطيرة تتمثل في صرفهم عن كتاب ربهم حتى لا يطلعوا على ما حذرهم منه سبحانه وتعالى ، وهو يعلق بمكر اليهود وخبثهم ، وما طبعوا عليه من أنواع الفساد والإفساد في الأرض . ومن أجل ذلك سوقوا مقولات يزعمون فيها أن في القرآن الكريم من الآيات البيّنات ما يدعو إلى كراهيتهم ، و إلى الاستعداء عليهم ، وإلى معاداة ساميتهم ، ولذلك يدعون إلى عدم إدراجها في المقررات الدراسية التي تدرس لأبناء المسلمين ، ويطالبون بعدم تناولها في خطب الجمع ، وفي الدروس الدينية ، وبذلك تغيب أو تُعطل نهائيا ،فيقع للمسلمين جهل بها ، وهذا أخطر مكر يمكرونه يجب الحذر منهم ، ولا يكون ذلك إلا بمعاشرة واصطحاب القرآن الكريم دون تمييز بين آياته بالأخذ ببعضها ، والقفز أو تعطيل البعض الآخر . وما يحدث اليوم في أرض الإسراء والمعراج، إنما هو تصديق الواقع المعيش لما حذر منه الله تعالى في مكم التنزيل ، فهل سيحدث فينا هذا الواقع حين نعرضه على كتاب ربنا من التأثير كمؤمنين ما يجعلنا نسارع إلى الصلح معه سبحانه وتعالى ، ومع كتابه الكريم ، ومع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومع دينه القويم ؟؟
اللهم إن أعداءك اليهود الصهاينة قد أوقدوا نار حربهم على المؤمنين المستضعفين من جديد في أرض فلسطين كما هو دأبهم منذ عقود ، فعجل اللهم بوعدك الناجز واطفئها ، وأنت على كل شيء قدير ، وأنت القاهر فوق العباد ، وأنت مهلك الظالمين . اللهم لا تجعل لليهود، ومن والهم على المؤمنين المجاهدين في سبيلك سبيلا ،وسدد اللهم رميهم ، وثبت أقدامهم ، وافرغ عليهم صبرا ، واحفظهم من بين أيديهم ، ومن خلفهم ، وعن أيمانهم ، وعن شمائلهم ، ومن فوقهم ، ومن تحتهم ، وامددهم بمددك الذي لا يقهر، كما أمددت من كان قبلهم من عبادك المجاهدين ، واهزم عدوهم ، والأحزاب التي تواليه ، واجعل الدائرة عليهم يا هازم الأحزاب .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم ، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وسوم: العدد 1061