البيت المسلم ...
مدرسة إسلامية *
تتجلى أهمية هذا العنوان ( البيت المسلم ... مدرسة إسلامية ) في كون المدرسة ماكانت إلا للتعليم والتهذيب والإرشاد ، ورعاية الطلاب ليس من النواحي التعليمية وحسب ، وإنما هناك القيم الأخرى من اجتماعية راقية في مجال التكافل والتواد والإيثار ، وروحية في ظلال السمو بالنفس الإنسانية على مدارج الإيمان بخالق الوجود والأخذ بمكارم الأخلاق ، وإنسانية في محبة الخير للآخرين ، ولا بأس بالأخذ ببعض الأنشطة التربوية والرياضية بالحدود المقبولة ، وخصوصا في أوقات محددة لها وغير ذلك مما هـو معلوم لدى الناس ، والأهمية الكبرى في الحقيقة تعود على الوالدين في البيت المسلم ، فالأسرة المسلمة . التي تغرس منذ ساعة ولادة الطفل القيمة العظمى في ذاته حيث يسمع كلمات استجابة المخلوق للخالق سبحانه وتعالى من خلال الأذان والإقامة في أذنيه ، ولعلَّ مهمة البيت أكثر أهمية في تربية الأولاد من المدرسة لأسباب يعلمها الناس أيضا ، وليس من مجال لذكرها في هذا المقام . وهذا توجيه نبوي شريف ، وأمر إلهي واجب يقول الله سبحانه وتعالى في سورة التحريم الآية السادسة ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَـا النَّاسُ والحِجَارَة﴾ إنها الآية التي يهتز لها فؤاد الوالد والوالدة وكل مَن يتصدى للإشراف على تربية الأبناء . وإنه العنوان الذي يجب أن يتراءى للوالدين دائما في الليل والنهار ، و دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام وهو يسأل ربَّه عـزَّ وجلَّ أن يقيم هـو وذريته الصلاة ، الصلاة التي هي عمود الدين وعماد المتقين في خلواتهم مع ربِّهم آناء الليل وأطراف النهار ، فيقول إيراهيم عليه السلام : ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ﴾، وفي آية أخرى قال تعالى يعلم ويرشد الآباء إلى ماتقر به أعينهم : ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ 74 /الفرقان ، كما نجـد مثل هذه الأدعية على ألسنة الأنبياء والصَّالحين لذرياتهم ولأُممهم ، فآيات في سورة لقمان ، وأخرى في سورة الكهف ، وفي آيات أخرى عديدة في كتاب الله . كما نجد هذا التوجيه للآباء وللأمهات في أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاءت متنوعة خدمة للأبناء ، ولتستقيم نشأتهم على الإيمان وعلى مكارم الأخلاق . وَلْيحذر ربُّ الأسرة من التساهل مع ابن يرى فيه شيئا من الانحراف ، ولكن عليه اجتذابه بالحسنى وحثه على مرافقة الشباب الصالحين ، أما إذا تُرك وكبر وهو عاق أو كان من ذوي الأخلاق الفاسدة فإنه قد يؤثر على الصفاء الذي هو سمة البيت المسلم ، وربما كان الفأس التي تقتلع الهناءة من البيت فيندم الأب ويتأسف لاعلى الفأس ولكن على اليد التي حملت الفأس التي قطعت أسباب السعادة للأسرة ، فالانحراف لدى الأبناء يكون هو اليد التي حملت وسيلة القطع ، تلك اليد التي قصَّر في تقويمها وإعدادها لتبني لا لتهدم ، ولتكون سندا له عند الكِبر ولكن هيهات . وكم شاهدنا وكم سمعنا عن أبناء فعلوا الأفاعيل الشنعاء في أسرهم . والأسباب كثيرة ومعلومة ، ولم تعد مساوئ المخدرات بنائية عن المحتمعات ، ولا عن الأسر في معظم بلدان العالم ، وتلكم الأُسر قصَّرتْ فكانت النتائج مؤلمة للوالد وللوالدة وللأخوة والأخوات ، وربما تعدى سوء المنحرف إلى الجيران والأرحام وغيرهم في زوايا المجتمع الكثيرة .فالتربية السليمة الهادئة للأبناء تنشئُ الصالح والمطيع والذي يأتمر بأمر والده ، ولعل قصة إبراهيم عليه السلام مع ولده تحث الأبَ المسلم على الاهتمام بهذه التربية بحكمة ، ومن قبل فوات الأوان ، ولا بد هنا في هذا المقام من مراقبة الأبناء في استخدامهم لوسائل التواصلا الاجتماعي ، فالبرغم من فوائدها في التواصل وفي الاستفادة بما فيها من علوم وثقافة ، إلا أنها تعج بمـا يسيءُ للأبناء إساءة كبيرة ، قد تؤدي به إلى الانحراف الذي يهدم حاضره ومستقبله ، وجميع الناس يعرفون مضار هذه الوسائل ، ويعرفون ضرورة إرشاد الأبناء وتوعيتهم إلى تلك الأضرار الناجمة عن الاستخدام السيئ لهذه الوسائل . ولتكون طاعة الأبناء للآباء ولمسيرة الأسرة المباركة في هذا المجال بالذات طاعة واجبة وضرورية ، وهنا يذكر الوالد أولاده بطاعة إسماعيل عليه السلام وكان فتى صغيرا عندم أخبره والده إبراهيم عليه السلام بأن الله أراه فب منامه أنه يذبح ولده إسماعيل عليه السلام والذي كان جوابه يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ . يقول الله تعالى في القرآن العظيم : ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ 102/ الصافات . إنها التربية الربانية التي جعلت هذا الابن يطيع والده ، ولو كلفته تلك الطتعة حياته ألا : فاعتبروا يا أولي الأبصار . فإن الله جـَلَّ في علاه أثنى على نبيِّه إسماعيل عليه السلام أيضا لأنه كان يأمر أهله وأولاده بإقامة دين الله في صدورهم وفي بيوتهم ، قال تعالى: ﴿ وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة ﴾ 55/ مريم . فالبيت المسلم يجب أن يحيطَ بمساوئ هذا العصر ، ويعلِّمَ أبناءَه سبل النجاة من تياراته العاصفة على العقيدة والأخلاق ... أجل يحذر الأولاد والبنات من مساوئ تعاطي المخدرات ، وينهاهم عن الانخراط مع رفاق السوء ، ويرشدهم أن يتعلموا من سيرة نبيِّهم صلى الله عليه وسلم ، ويقتدوا بمآثرها الغالية ، ويؤكد لهم أن رفاق هم أبواب الأذى وإيتيان القبائح ، ولقد أرشدنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم على اختيار الصديق الصالح ، والابتعاد عن رفيق السوء ، وبيَّن لنا صلى الله عليه وسلم الأسباب ،فعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة ) رواه البخاري ومسلم.
وهكذا يستطيع وليُّ أمر البيت من خلال لقاءاته اليومية أن يوجه أبناءَه التوجيه السليم ، ويرشدهم إلى مكارم الأخلاق ، ويحذرهم من اقتراف الموبقات ، وما يلاقي أصحابها من العقوبات الدنيوية والأخروية ما لم يتدارك الأبناء مسيرة نشأتهم . ولعل الوالد أو الوالدة أو مَن يجيد القراءة في البيت أن يجمع أفراد الأسرة في أوقات يتفقون عليها ، ليقرأ على أسماع قلوبهم شيئا من كتاب الله سبحانه ، ومن أحاديث نبيِّنا صلى الله عليه وسلم . ويبين لهم الحلال المبارك ، من الحرام الخبيث . وفي كتاب الله الكثير من الآيات الكريمة التي تنهى عن المنكرات من أقوال وأفعال ، وتحث على الأخذ بالإرشادات الربانية ، وما أجلها في كتاب الله عزَّوجلَّ . فهي مناهج للأسرة المسلمة ومفاتيح خير وفلاح للبيت المسلم فيها وبالأخذ به يمون البيتُ المسلم مدرسة ناجحة ومميزة . ففي النهي عن الخمور والمخدرات عامة وعن القمار وغيرهما من الموبقات ، يقول الله تبارك وتعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ 91/ المائدة . إنها القبائح وإنها الرجس الذي يدعو إليه الشيطان ، والله سبحانه وتعالى ينهانا عن اقترافها والخوض في مستنقعاتها . ولا يريد الشيطان من هذه القبائح إلا إيجاد العداوات والمشاحنات والأضغان التي تبدد وحدة المجتمع ، ليكون فريسة للانهيار الخلقي بل والعقدي يقول سبحانه :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾92 / المائدة . وحين نزلت هذه الآيات المباركات على جيل النبوة ، وكان الناس في الجاهلية يتعاطونها جميعا ، قالوا : انتهينا ، انتهينا ، انتهينا ... فهل ينتهي أبناء جيلنا عنها وعن مفاسدها ... اللهم اهــدِ أبناء أمتنا وبناتها إلى سواء السبيل . وهكذا يتدرج الوالد الحصيف مع أهل بيته في تعليم هذه المناهج ، وسيرى تأثيرها فير سير أبنائه وبناته ، بل وفي تأثرهم من خلال الأخذ به وحملها رسالة أسرية للجيران والأرحام والأصدقاء ، وعندئذ تكون الأسرة لبنة صالحة يشتد بها بنيان المجتمع الكبير بمشيئة الله تبارك وتعالى .
وهنا تتجلَّى الحكمة من ربط الأبناء بمناهج عقيدتهم الإسلامية التي ماتركت أمرًا من أمور الدنيا والآخرة إلا وفصَّلت فيه ـ وبيَّنتْ مافيه من منافع ، أو مافيه من نهي عن مفاسد وأضرار . فالبيت هو المدرسة الأولى التي ينشأ فيه الأبناء ويترعرعون ، ويكبرون ويكبر معهم إيمانُهم وتعلُّقُهم بكتاب الله وبسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، حيثُ تنمو مداركهم ، وتتفتح عقولُهم، وتزدان سيرتُهم الحميدةُ بالأخلاق الفاضلة والقيم العالية والمزايا الحسان ، فلقد سار من المسلم على الأرض التي يعيش عليها الناس وكأنه قرآن يتحرك ، وكأنَّه سُنَّةٌ نبوية تتأرج أنفاسُه بطيوب الإيمان ، وعطر الأخلاق الحميدة .لأنهم تشبعوا روحَ الإيمان في قلوبهم ، وغمرتْ أحناءَهم الطاهره أنوار الطاعة لله والامتثال لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهنا يفخر الأب ببيته الذي ربَّتْهُ مدرسة النبوة على مناهجها الأثيرة ، وحقَّ له أن يفتخر ، ويحمد الله الذي وفَّق أفرادَ هذا البيت على الأخذ وبكلِّ جدارة بالنظام الرباني ، والتوجيه النبوي . فبيت فيه الأب والأم وهما يقودان سفينة نجاة أبنائهما من الغرق في بحار الأهواء والشهوات الدنيوية ، وهما يتابعان ـــــــــ وحقَّ لهما أن يتابعا ـــــــــ مراحلَ أعمار الأبناء والبنات ، وما تتطلب كلُّ مرحلة من تعليمات وتوجيهات ، في كل أمور الحياة .فلا بد للطفل من توجيه أثناء طعامه وشرابه وحين خروجه و دخوله وساعات نومه ليلا أو نهاراً ، ووقت لعبه ، وتصرفاته في الأيام التي تشهد المناسبات .... وغير ذلك من المواقف اليومية المستمرة، فالأب والأم أو من ينوب عنها في إدارة البيت هم مَن يشرفُ ويعلم ويرشد و ينصح ويبين لساكني البيت ما يعملون وكيف يتصرفون ، ويكون القدوة الحسنة والأسوة الكريمة التي يقتـفي أثرَها الأبناء . في قدسية أداء الصلاة وفي مكانة الصيام وأثره على الصائم ، وبيان مكانة يوم عرفه وصيامه وفضله . ويعلمهم السنن الواردة في الصلاة والصيام وفي سائر العبادات التي كان عليها نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأهل الإسلام والإيمان على توالي العصور ، وأن يريق دم الأضحية يوم عيد الأضحى ، ويتحدث لهم عن معاني وما ترمز إليه هذه المناسك ، وأن يرافق الأسرة في زيارات الأرحام ، ويبين سبب ذلك وفضله ، وأنه من عمل نبي الهدى صلى الله عليه وسلم ، بل ويذكرهم بالآيات والأحاديث الواردة في هذا المجال . ولا ينسى تذكيرهم بالرفقة الصالحة ومكانتها عند الله ، وأن يرحب بأصدقاء أولاده .. ويؤكد للأولاد قيمة الرفقة حتى يبتعدوا عن رفاق السوء ، فالمرء في كثير من الأحيان يكون على دين خليله فلينظر الفتى فيمن يخالل . والبيت المسلم يحافظ على قيمه الغالية فيرشد بناته بالحشمة والعفة والحجاب، ويذكرهُنَّ بآيات الله التي وردت في حجاب أمهات المؤمنين رضي الله عنهن والمؤمنات الطاهرات، ويبين لهن قيمة الحجاب ومعانيه السامية، ويساعدهن في ذلك . كما يتوسع لهن مع أمهن في بيان واجبات البنت في حياتها الزوجية ليكن على بينة من أمر مستقبلهن وهكذا لا يدع - ولي أمر البيت - أمراً يمر في حياة البيت دون أن يلفت النظر إليه من جانب الأبناء، ليعرفهم بأمر الدين فيه والحكمة من كونه في قائمة الحلال أو كونه من المحرمات . ولا مانع من أن يحدثهم عما يجري هنا وهناك ، وما موقف المسلمين من الأحداث التي تجري في أطراف الدنيا أويوصلها المذياع أو تنشرها الصحف و يبين موقف الإسلام منها ليربط مشاعر أولاده. بعالم إسلامهم الكبير ، وبالأحداث الدولية .. من أجل أن ينشأ الأولاد على الاهتمام بأمر المسلمين مهما نأت الديار ، فالمسلم أخو المسلم حيث كان... وأنْ لا يتركهم بلا زاد روحي، ولا متعة روحية من ذلك الزاد ، فيستغل الأوقات والمناسبات التي تكتمل فيها هدأة الأسرة ، وترهف الآذان .. ليقص عليهم من . قصص القرآن الكريم أو من سيرة النبي الكريم عليه السلام ، أو من سير أصحابه الأطهار العظام في التقوى واليقين والبطولة والإيمان والإيثار والزهد والإخلاص والمحبة والوفاء .. حتى تنغرس بذور المثل الرفيعة في قلوب الأبناء ومن أجل أن يروا وجه الحياة مشرقاً لا غائماً ، كريما عزيزاً ، لا خاوياً ذليلا ، وإدراك مراقي الدعوة الإسلاميه في حياة الناس عامة ، وفي حياة المسلمين خاصة .
وهنا قد يتساءل مسلم فيقول : هذا الكلام مقبول وجيد و واجب إذا كان رب البيت ذا علم ومعرفة وثقافة ... ترى ما يفعل من لا علم لديه ولا قدرة على الإلمام المطيات الجليلة!! هذا السؤال أو الاستفسار واقعي ومنطقي ، و جدير بالاهتمام والبحث، وحري بالمرء أن يقف عنده ليضع الإجابة الواقعية ، والصحيحة والقريبة إلى إمكانية التطبيق العملي لمن افتقد العلم والمعرفه والثقافة ... وقبل الجواب على هذا السؤال يجب أن تعرف السائل بأنه مسؤول أمام الله عن أولاده، وحري به أن يجتهد ويتعلم ويسأل أهل العلم عما يجهل من أحكام الشرع في الأمور التي تخص البيت على الأقل، وأن لا يضع جهله حاجزاً أمام خير أولاده ومستقبلهم الدنيوي والأُخروي. وعلى كل حال نبدأ الجواب بجملة مفيدة وعملية ومعروفة لدى كل مسلم : ( ما لا يدرك كثيره لا يترك قليله ) . والخير الكثير ، والعمل الجليل يقبل عليه القائم على أمر البيت على قدر استطاعته واستيعابه . أما الإحجام والصد جملة عن مواطن الفضل والخير فهذا لا يرضاه إلا الجاهل . مَنْ مِن المسلمين - في أي عصر - لا يعرف شيئاً عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في مولده ، وزواجه و تعبده قبل البعثه وبعدها ، ومن لا يعلم عن دعوته وصبره وحكمته وهو يدعو الناس إلى الدين الجديد . ومن لا يعرف مرافقه الصديق له في هجرته وما جرى أيام الهجرة في الطريق ، ومن لايتذكر أم معبد التي استضافها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أثناء الهجرة مع صاحبه الصِّديق رضي الله عنه ، ومن معهما من مرافق ودليل . و من لا يعرف عن حب أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عدل عمر وبذل عثمان وشجاعة علي وفتوحات خالد وجهاد الأبطال من بعدهم كطارق بن زياد وموسى بن نصير وصلاح الدين الأيوبي .
إن الكثير من عامة أهل الإسلام يعرفون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه زوج ابنه من ابنة بائعة الحليب ، لأنها كانت تراقب الله وتخشاه فلم تغش الحليب بالماء . وكان منهما الخليفة العادل. عمر بن عبد العزيز، والقليل هم الذين يجهلون أن الرجل الصالح زوج ابنته لفقير من طلابه ورفض تزويجها من ابن الخليفة ، وهو التابعين ، وهناك الكثير من القصص التي مازالت مكانا وارف الظلال في مجال الأسوة الحسنة في تاريخ أهل الإسلام ، وقلما يجهلها أحد ، ومن غير تفصيل وإسهاب في سردها فإن أي رجل أو امرأة أو ولي أمر بيت يقدر على تناول ما يريد وما يناسب للإفادة منه في حياته المنزلية . فإن أبواب الطاعات مفتوحة ، وسبل الإرشاد عديدة من رب الأسرة إن أراد إنقاذ أهله، ومن يعولهم من النار ، ويستطيع أنْ يلقي على أسماع أولاده بأسهل العبارات وأبسطها ما تقر به العيون ، وتأنس له النفوس، و لا يخلو بيت من تلميذ أو تلميذة تتم قراءة الآيات والأحاديث وغيرهما من إرشادات مبثوثة في مؤلفاتِ علمائنا وفقهائنا ومفكرينا أثابهم الله أجمعين .
على أن إغناء البيت المسلم بالعديد من المـناهج المفيدة عديدة ومتنوعة ، والبيت المسلم يأخذ منها المفيد ، وينأى عن الضَّـار ، ومن هذه المصادر :كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهنا إرث عظيم متشعب مبارك سهل الوصول إليه ، عن طريق كتب التفسير والسيرة ، والفقه حيث الأحكام الشرعية في كل جوانب الحياة ، ويستطيع ربُّ البيت ومَن فيه من المتعلمين والمتعلمات أن يستفيدوا منها ، كما يستطيع إن جــدَّ واجتهد أن يسخر وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها لخدمة التوعية الإرشادية والتعليمية والثقافية في البيت بكل يسر وسهولة .
كما أن ربَّ البيت يستطيع أن يستفيد إفادة كبيرة وناجحة من ارتياد أبنائه وبناته بيوت الله سبحنه وتعالى . تلك البيوت المباركة ، وحيث فيها خطب الجمعة ، وفيها الدروس المتنوعة في التفسير والفقه ، كما يوجد فيها حلقات تعليم القرآن الكريم وحفظه ، إن ارتياد المساجد لأداء الصلوات المفروضات بأوقاتها ... ينعكس بشكل إيجابي عظيم على نفسية الابن والابنة ، وتسمو تلك النفس على معارج حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وحب هذا الدين العظيم . وبهذه الروح الطاهرة والنفس الزكية الأبيَّة يستطيع راعي البيت أن يجابه بها الشيطان ، فيهرب الشيطان ... وأعني به شيطان الإنس أو الجن ، ولا يستطيع التأثير على تلك الفتاة المؤمنة ، ولا على هذا الفتى المؤمن الذي اجتباه ربُّه وهداه . فالكثير من أقطار العالم الإسلامي. وفي معظم مساجدها اهتمامات بتعليم القرآن الكريم وحفظه ، وتفسيره وتجويده ، و بدروس عامة وخاصة فيها بيان للحلال والحرام ، وعندئذ يطمئن البيت المسلم على أبنائه من الانزلاق إلى مواطن اللهو ، أو الانجراف إلى مستنقعات المذاهب الأرضية الفاسدة والمفسدة ، أو إلى كل ما يؤدي بهم إلى غضب الله ورسوله ، ويمسك عندئذ بزمام أقوالهم وأفعالهم بما يرضي الله ورسوله عليه الصلاة ، فيحرم الغيبة - مثلاً - في البيت فينشأ الأولاد على كرهها ويلجمون ألسنتهم عما حرم الله من ذكر الناس إلا بخير، لأنهم علموا أن الغيبة والقذف والبهتان والمراء وشهادة الزور .. تؤدي إلى النار، وإلى مقت الله. وهكذا في كل صفحة من صفحات عمر أبنائه يرسم دروب الصفاء والطهارة، ويمحو كل رذيلة قبيحة وصفة ذميمة حرمتها شريعة الله، والقول نفسه في التشجيع للعمل الصالح والأخذ بكل ما هو محمود و مرض عند الله، أو حث على فعله رسوله عليه الصلاة والسلام. فهل أعظم من هذه الدروس العملية ، أو أجل من سلام هذه المدرسة الإسلامية التي أقامتها هداية الله في بيت المسلم ، فلا تعجب أبدا حين نقرأ عن مكانة الأب والأم في تربية أبنائهما ، فالمرأة التي تهز مهد صغيرها بيمينها قد تهزُّ أركان العالم بشمالها - كما يقال وهي لاتدري - لهو حق وصحيح إذا عرفنا واجب الأم تجاه أبنائها ، والأب الذي يبكي من خشية الله في جوف ليل أو طرف نهار ويراه ولده ، إنما يغرس معاني السمو والرحمة والتعلق بالله في فؤاد صغاره... وهي نظرة كريمة في قلوب أبنائه . ولفتة إلى عظمة الوالد ، وهو يعمق حب الخير والرحمة في حنايا نفوسِ أبنائه النَّاشئين . ولا زلت أذكر مايقوله وهو يلبس ثوبا جديدا ، ( اللهم لك الحمد أنت البستنيه أسألك خيره وخير ما صنع له ، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له ) . رواه أبو داود والترمذي . وكان يأمرنب بأن آخذ هذا الثوب إلى المغسلة التي بجوار البيت ، حيثُ تغسل وتُكوى ، ثم يقول لي خذه يا ... وأعطه ل ...... الذي تجده الآن في المكان الفلاني . فأذهب مسرعا كما أمر الوالد وذكر لي بعد أن استزدتُه من أفعال أبيه ــ يرحمه الله ــ وأنا أعرف ذلك الرجل ومكانته في مدينتنا ، وأما أخي هذا فقد أكرمه الله فاستشهد بعد اعتقاله .
فأثر هذا الرجل ــ يرحمه الله ــ في أهل البيت كان كبيرا ، فأولاده كلُّهم عاشوا على مكارم الأخلاق ، وكانوا يتسابقون على أداء أطيب الأفعال وأرقى الأقوال التي غرستها الشريعة الغراء في قلوبهم . فأحكام عباداتهم ولباسهم وطعامهم وزياراتهم واستقبالاتهم وأثناء نومهم واستيقاظهم ، وعند رؤية نزول المطر ، وحين سماع صوت الرعد وحدوث الكسوف ، وفي كل أمر وحال. فما أكرم راعي البيت وهو يعلم أبناءه الصدق والأمانة والإخلاص والاستقامة ، وما أجله وهو يرشدهم إلى القيام بحقوق الأقارب والجيران، وسائر خلق الله ، وما أعظمه وهو يغرس بذور القناعة والزهد والرجاء والشكر في واحات قلوبهم الطيبة المباركة ، ويسقيها الطهارة والوفاء، ويترقب ثمارها في ربيع شبابهم . و حياتهم ، وما أحسنه وهو يعلم. أهل بيته الحلال والحرام في دين الله ، ويحبِّذ إليهم السجايا الكريمة التي كان عليها أسلافنا من المودة، وعيادة المرضى، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام ، ومساعدة العاجزين وإغاثة المحتاجين، وعدم إيذاء الناس ، وعدم إنزال الضرر بالحيوانات، وعدم إتلاف المرافق العامة. وهنا نتأكد من أن البيت مدرسة بكل ما تحمل هذه كلمة من المعاني .
*إضاءات نبويَّــة :
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، واضْرِبُوهُمْ عليها، وهم أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في المَضَاجِعِ) . رواه الترمذي وأبو داود
أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلٌ ومعه شيخٌ فقال له :( يا فلانُ مَن هذا معك ) ؟ قال : أبي قال : ( فلا تمشِ أمامَه ولا تجلِسْ قبلَه ولا تَدْعُه باسمِه ولا تستَسِبَّ له ) .
راوي الحديث : عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ــــ المحدث : الهيثمي ، المصدر : مجمع الزوائد .
وسوم: العدد 1068