استقبال شهر الصيام بين الاستعداد له بالصيام وصالح الأعمال وبين الاستعداد له بالمأكولات والمشروبات والسهرات

محمد شركي
mohammed.said.chergui@gmail.com

كلما أهل علينا شهر شعبان المبشر بقرب شهر الصيام إلا واختلف الناس عندنا في كيفية الاستعداد لهذا الأخير ، وهم في ذلك خمس فئات :

1 ـ فئة  تستعد له بحسن الصيام والقيام، وصالح الأعمال دون كبير اهتمام بالمأكولات والمشروبات ، ومع هجران تام  للسهرات الشاغلة عما تتطلبه عبادات هذا الشهر الفضيل  من حرص واجتهاد، وهي أقل الفئات عددا .

2 ـ  وفئة تستعد له بصيام وقيام بقليل من الاجتهاد ، وبكثير من الاهتمام بالمأكولات والمشروبات ، مع الإقبال على السهرات ، وهي فئة السواد العظم .

3 ـ  وفئة تصوم وتكون صلاتها في هذا الشهر فقط حرصا منها على قبول صيامها ، وهي أشد اهتمام بالمأكولات والمشروبات والسهرات ، وهي فئة كثيرة أيضا .

4 ـ  وفئة تصوم ولا تصلى، لا فرضا ولا نافلة ،وهمها المأكولات والمشروبات والسهرات ، وهي فئة معتبرة أيضا .

5 ـ  وفئة لا تصوم ولا تصلى ، ومع ذلك تطالب بحرية الإفطار العلني ، وتشارك  غيرها من الفئات في ما تسميه " شهيوات رمضان " ،وهي أشد حرصا على السهرات المخلة بآداب عبادة الصيام  ، وهي فئة قليلة لكن ضجيجها في المجتمع عبر وسائل الإعلام ،ووسائل التواصل قد يوهم من  لا يعرف الطبيعة المحافظة  للمجتمع المغربي بأن قاعدتها  فيه عريضة .

أما الجهات التي تشرف على الأنشطة التعبدية في شهر الصيام فهي ثلاث :

1 ـ المساجد التي يتغير حالها بفضل هذا الشهر العظيم ، حيث تقام فيها صلاة القيام أو التراويح ، وقد تقام في بعضها أنشطة دينية ،تكون عبارة عن دروس  يركز في بعضها على فقه الصيام  والقيام ، ويكون البعض الآخر عبارة عن وعظ وإرشاد ، ويكون بعضها  أحيانا عبارة عن نصائح تتعلق بصحة الأبدان ، وأغلب المساجد يقتصر فيها على صلاة القيام دون وعظ أو إرشاد .  

وأحوال من يرتادون المساجد في رمضان تختلف حيث  يقبل السواد الأعظم على مساجد بعينها تكون في أحياء راقية ، وبهندسة معمارية رفيعة ، وزرابي من الطراز الجيد ، ومرافق صحية تغري بارتيادها ، وإلى جانب كل هذا يكون قراؤها ممن يتغنون بالقرآن الكريم ، لأن غناءهم هو أهم ما يشد الناس إلى ارتيادها . وقد يضيق رواد هذه المساجد ذرعا بدروس الوعظ والإرشاد ، ويستثقلونها ، الشيء الذي يجعلهم يتأخرون عن ارتيادها حتى ينهي الوعّاظ وعظهم . وكثير ممن يحضر هذه المواعظ ينشغل عنها بالهواتف الخلوية ، والله أعلم بما يشغلهم فيها .

وهناك مساجد تشد الناس إليها سرعة وتيرة صلاة التراويح  فيها خصوصا التجار منهم  ، ورواد المقاهي المتتبعون للمباريات الرياضية أو المتتبعون للسهرات في بيوتهم أو الراغبون في التجوال ، أو السهر في مختلف الأماكن .

وتضطلع وسائل الإعلام الرسمية بتغطية أيام وليالي رمضان ببرامجها الخاصة بها  ، وهي نوعان :
1 ـ وسائل متخصصة في الأنشطة الدينية، تكون برامجها عبارة عن قراءات قرآنية متنوعة بأصوات شجية على حد قول من يقدمها في إحدى القنوات ، ودروس وعظ وإرشاد ، ومحاضرات ، وسماع، ومديح، وإنشاد، ووجد .واعتقد أن من يتابعون هذه  الأنشطة هم القلة القليلة ممن يجدون فيها ما يساعدهم على تجنب إفساد صيامهم مما يبث في غيرها من مفسدات الصيام والقيام .

2 ـ وسائل أخرى تكون برامجها عبارة عن ترفيه، وسهرات غنائية ، ومسرحية ، وأفلام بعضها ديني ، وبعضها دنيوي ، وهذه يتابعها السواد الأعظم بشغف ، ويتفكهون بها ، ويصرفون فيها وقتا طويلا من ليالي رمضان .

وتستحوذ وسائل التواصل الاجتماعي على السواد الأعظم  من الناس على اختلاف استعمالاتهم لها ، وإن كان ما يستهوي سواد هذا السواد هو العبث الذي لا طائل من ورائه ، بل كثير منه مما ينقض الغاية من عبادات رمضان بإفسادها

أما حال الأسواق في شهر الصيام سواء منها الممتازة  أو غيرها من المحال التجارية على اختلاف أحجامها وأنواعها ، فحالها في نهار رمضان كحالها في ليله ،حيث تعج بالمتسوقين ، ويكون الإقبال فيها نهارا على المأكولات والمشروبات ،وغيرها  ... بينما يكون الإقبال فيها ليلا على الملبوسات استعدادا لعيد الفطر .

وتتحول كل الشوارع إلى أماكن تعرض فيها مختلف المأكولات والمشروبات ومختلف المعروضات ، وفضلا عن ذلك توجد أسواق أسبوعية يزداد الإقبال عليها في رمضان رغبة فيما يعرض فيها من سلع مختلفة  .

ومن العبارات المتداولة في شهر شعبان دعاء  الناس مباركة الله تعالى  لهم فيه ، وتبليغهم شهر الصيام ، وهو مما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن يضاف إليه طلب آخر في صيغة دعاء وهو:  " الله يجيب لنا باش نصومه " أي نسأل الله أن يعطينا ما نشتري به المأكولات والمشروبات ، والملاحظ  في هذا الطلب أو الدعاء ذكر الصوم ، وهو إمساك عن الأكل والشرب والقصد منه هو طلب الأكل والشرب ، والقرينة على ذلك كما يقول أهل البلاغة هو لفظة " باش".

 وتخفض ساعات العمل والدراسة في رمضان ، ويعود التوقيت فيه إلى وضعه الطبيعي ، ويؤثر السهر خلال ليالي رمضان على العمل والدراسة ، ويكثر تثاؤب الناس ، ويبدو عليهم التعب الشديد ، ويطول نومهم بالنهار استعدادا للسهر ليلا ليس من أجل قيامه،  بل من أجل  السهر للفرجة والتجوال والتسوق .

وقد يخرج كثير من الناس إلى ضواحي المدن بسياراتهم ينصبون موائد على جوانب الطرق ، وينشغلون بالشرب والأكل والسمر . وفيهم شريحة تختلي  حيث تقل الحركة في سياراتها ، وتمارس فيها ما حرم الله .

أما المدن الساحلية ، فلا تهدأ  فيها الحركة على " الكورنيشات " إلا بعيد ساعة الإمساك بقليل ، ويكثر فيها التجوال ، وتعج بالباعة المتجولين أكثرهم يعرض المأكولات والمشروبات ، ولا تخلو " الكورنيشات من أماكن " تقام فيها السهرات ، ومثلها في ذلك  ساحات في كثير من المدن  الكبرى .

والخلاصة أن سوادنا الأعظم يستعد لشهر الصيام بالمأكولات والمشروبات والسهرات ، ومع ذلك نكرر مع حلول شهر شعبان الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن تستوقفنا عباراته ، ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  إنما كان يسأل ربه أن يبلغه رمضان كي يجتهد في صيام نهاره ، وقيام ليله ، والإكثار فيهما من الأعمال الصالحة ، أما الناس في هذا الزمان، فيسألون ربهم أن يبلغهم رمضان من أجل الإكثار من الإقبال على الشهوات ، والكسل في العبادات ، والاجتهاد في اللهو والسهرات ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

وسوم: العدد 1069