ومن الآداب والأحكام الشرعية في البيت المسلم
إذا دخل الإسلام البيوت بما يحمل من الأحكام الكريمة والآداب الأثيرة ، مما ورد في كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء في سِير أصحاب البيوت الإسلامية من السجايا العاليات والمزايا التي يتمنَّى مَن رأى آثارها في حال أهل تلك البيوت لتمنَّى أن يكون مسلما ، أو يلتحق مباشرة في عداد الأمة المسلمة ، وحدث من هذا الكثير ، وإن العديد من الشعوب دخلت في دين الله بسبب ماشاهدته من السجايا والمزايا لدى الأسر المسلمة ، ولدى عموم المجتمع الإسلامي . فالطمأنينة التي يتأتَّى منها الاستقرار ، والمودة التي تفيض بالحب والإيثار بين أفراد الأسرة ، والرحمة التي تجعل الأم تحمل ابنها الأشهر ، ثم يولد وترعاه الأشهر الأخرى بل لسنيِّه الأولى وهي ترضعه ، وتسهر على خدمته وراحته ، وتكتنفه بروحها إذا ما شكى . وكلنا نعلم ماتعانيه الأم من أجل أبنائها ، ولعل عناصر هذا الاكتناف الأسري تتعدد استجابة لطلبات أبناء الأسرة على مر الأيام والشهور والسنين ، ولتقديم مايرعاهم ويسعدهم في حياتهم الدنيا ، ناهيك عن جملة الأحكام والآداب التي تغرس في أعماق نفسه العقيدة الإسلامية ، وتحثه على أداء ما أوجب الله على الإنسان المسلم من أحكام وآداب . ومن هنا تتجلى المعاني الغنية بالاحترام والتقدير بين أفراد الأسرة ، وتلك من آيات الله في خلقه ، يقول الله سبحانه وتعالى : ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ 21/ الروم .
وما كانت تلك الأحكام ، وهاتيك الآداب إلا لإشاعة تلك الروح السامية التي تدفع الفرد في أسرته أن يقوم بما عليه من واجبات ، ولينال ماله من حقوق ، لتجد الأسرة ثمرات سعيها يانعة مباركة ، فتشعر بالبهجة الغامرة ، والسكينة التي يطمئن في ظلالها الإنسان صغيرا كان أو كبيرا .ويُترجم هنا معنى الإيمان بالله ، ويُرى أثرُه في تهذيب النفوس ، وفي صقلها للتربية الصالحة ، وهنا أيضا تُحفظ فرائض الدين وتُؤدَّى في أوقاتها، وسنن العبادات التي يُراعى أداؤُها . من خلال مابين أفراد الأسرة من روح المودة .قال صلى الله عليه وسلم : (رَحِم الله رجلًا قام من الليل فصلَّى، ثم أيقظ امرأتَه فصلَّت، فإن أبَت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأةً قامت من الليل فصلَّت، ثم أيقظت زوجها فصلَّى، فإن أبى نضحَت في وجهه الماء). والأب والأم هما أساس هذا التعامل الكريم ، وهما الأسوة الحسنة لأبنائهما ، ولهذا فقد ورد الخطاب للزوج بتقدير الزوجة واحترامها فقال تعالى :﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ 19/النساء .وفي حديث نبوي : (واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هُنَّ عوانٍ لكم ) ز وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحسنة في كل شؤون الحياة الأسرية والاجتماعية ففي الحديث : (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي)وكذلك أكرم المرأة ، وأرشدها إلى مايؤكد قوة الرابطة في الحياة الزوجية فقال صلى الله عليه وسلم : ( فإنِّي لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله، لأمرتُ المرأةَ أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمَّد بيده، لا تؤدِّي المرأة حقَّ ربها حتى تؤدِّي حقَّ زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتبٍ، لم تمنعه) . والقَتَبُ : الرَّحْلُ الصغير على قدر سَنام البعير .
ونظَّم الإسلامُ حياة الفرد في الأسرة المسلمة على أساس راسخ وووومن الأدب والطهارة والنقاء ، فللبيوت الإسلامية حرمتُها فلا يجوز خرم تلك القدسية ، أو انتهاك مالها من حدود صيانة للبيت وأهله . فشرع الاستذان لمَن أراد الدخول ، وليطرق الباب أو يضغط على زر الجرس ، وإن قيل للطارق مَن ؟ فليصرح باسمه ولا يقول : أنا أنا فقد كرهها رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وإن أُذن له بالخول غضِّ بصره ، وإن قيل له ارجع لسبب ما ، مثل عدم وجود صاحب البيت أو أي سبب آخر ، فليرجع وهو مطمئن النفس غير غاضب لعدم دخوله البيت .قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ 27/النور ، فالخيرية هنا الرجوع إن لم يكن في البيت مَن يستقبل الطارق . والرجوع هنا فضيلة أخلاقية ففيه تزكية للنفس وطهارة للنفس ، يقول المولى تبارك وتعالى : ﴿ فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ، وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم وأطهر والله بما تعملون عليم ﴾ 28/ النور . علما بأن غير بيوت سكن الأسر المسلمة يحق للقادم أن يدخلها إذا كانت له حاجة في الولوج ، كالفنادق والرباطات وأماكن الظل أو أمكنة الاستراحة المعدة للمسافرين . وفي هذا جاء قوله سبحانه وتعالى : ﴿ ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون﴾ 29 / النور . وفي ذلك بيان حرص الإسلام على صيانة القيم الاجتماعية ، والأخذ بالآداب والأحكام ، فليس للحرمات أن تُهتك ، ولا لبيوت المسلمين أن تستباح ، فللمرأة حريتها في بيت زوجها ، ولا يحق لأي إنسان أن يلغي هذه القداسة الأسرية . بل لايجوز أن يدخل الرجل على أمه أو أخته إلى غرفتها من غير استئذان ومن غير السماح له بالدخول مثل : تفضَّلْ .ففي الموطأ عن عطاء بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل، فقال: يا رسول الله: أستأذن على أمي؟ فقال : (نعم ) قال الرجل: إني معها في البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استأذن عليها ) ، فقال الرجل: إني خادمها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استأذن عليها ). فلا أحد يحب أن يرى أمه أو أخته عريانة كما ورد في الأحاديث . وكذلك جاءت آية الاستئذان صريحة في بيان الأوقات التي لايحق لأهل البيت أن يطوفوا خلالها على بعضهم ، فهي أوقات النوم أو الراحة . يقول عزَّ وجلَّ : ﴿ يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم ﴾ 58/59/ النور . فمن بعد صلاة العشاء إلى وقت صلاة الصبح هو وقت للنوم والراحة . وكذلك وقت القيلولة هو وقت للراحة وفي هذه الأوقات تكون المرأة أو البنت وكذلك الأب والأولاد في حاله نوم وطمأنينة . المحرم ما حرَّم الله ورسولُه صلى الله عليه وسلم ، والحلال ما أباحه المولى تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم . والأخذ بما تم تحريمه أو إباحته هو من تعظيم أوامر الله ، وفيه خير ورقي للنفس الإنسانية ، يقول سبحانه وتعالى : ﴿ ومَن يعظِّمْ حرماتِ الله فهو خيرٌ له عند ربِّه ﴾ . وذاكم من أبواب الحياء ، الحياء الذي افتُقد في هذا العصر المليء بكل مافي السفور والفجور والاستهتار بالقيم السامية وهي قيم إنسانية ، ومن جمال فطرة الإنسان وطهارة نفسه من دنس الحياة الحيوانية .( والحياء شعبةٌ من الإيمان ) والحديث متفق عليه .
طوبى للمسلمين برعاية الله لهم ، وبحسن هَدْيِ المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذه الأحكام وهذه الآداب وهذه القيم النفيسة ، وحياة الإنسان ذكرا كان أو أنثى كبيرا أو صغيرا هي رحلة قصيرة ترعاها آيات القرآن الكريم ، وتملؤها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بالسعادة والطمأنينة . فَلْيُقبل عليها المسلم بشوق وسرور لينال مثوبة هذه الرحلة يوم يفنى كلُّ شيء على وجه الأرض . ولا تبقى لك أيها المسلم الرشيد إلا هذه الأحكام التي أخذت بها ، وهذه الآداب التي زيَّنتَ سيرتك المباركة بها ، وستلقاها باستقبالك على أبواب جنَّات الخلود برحمة من الله ورضوان . إنها آداب غالية وأحكام ربَّانيَّة نفيسة ، بل هدايا أنزلها الوحيُ على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليهبها لأمته ، ولكل مَن آمن بالله ربًّا وبالإسلام دينا وبمحمَّد رسولا إلى أهل البرية أجمعين .
أجل إنها أحكام وآداب ... تضمَّنت كل جوانب الحياة التي يعيشها الإنسان ، له بأدائها الثواب والقبول ، في طعامه وشرابه ولباسه ودخوله وخروجه ، وفي سفره وإقامته ، وفي سرَّائه وضرَّائه وفي مواسم الخير ، وأثناء الخسوف والكسوف
وعلى مائدة الطعام الطعام : حيثَ يسمِّي اللهَ عند بدء الأكل أو الشرب ويحمده عند انتهائه ، وأن يأكل بيمينه ، ويأكل مما يليه ، ولا ينغص على الجالسين حول مائدة الطعام بفعل لايليق ، ويأخذ بآداب الطعام . ويتذكر هَدْيَ النبي صلى الله عليه وسلم لدى تناول الطعام . ففي الحديث : ( عن عُمَرَ بنِ أَبي سلَمَة رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ لي رسولُ اللَّه ﷺ: (سَمِّ اللَّه، وكُلْ بِيَمِينكَ، وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ) متفقٌ عَلَيهِ.وعن عَائشة رضي اللَّه عنها قالَتْ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: ( إِذَا أكَلَ أَحَدُكُمْ فَليَذْكُر اسْمَ اللَّه تَعَالَى، فإنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّه تَعَالَى في أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّه أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ) رواه أَبُو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وعن جابِرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعتُ رسولَ اللَّه يقولُ: ( إِذا دَخَلَ الرَّجُل بيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّه عِنْد دُخُولهِ وعِنْدَ طَعامِهِ قَالَ الشَّيْطانُ لأَصحَابِهِ: لا مبيتَ لَكُمْ وَلا عشَاءَ، وَإِذَا دخَل فَلَم يَذكُر اللَّه تَعَالى عِنْد دخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْركتمُ المَبِيتَ، وإِذا لَم يَذْكُرِ اللَّه تعَالى عِنْد طَعامِهِ قَالَ: أَدْركْتُمُ المبيتَ وَالعَشاءَ ) رواه مسلم. وعن أُميَّةَ بنِ مَخْشِيٍّ الصَّحابيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رسُولُ اللَّه ﷺ جَالِسًا ورَجُلٌ يأْكُلُ، فَلَمْ يُسَمِّ اللَّه حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ طَعَامِهِ إِلَّا لُقْمَةٌ، فَلَمَّا رَفَعها إِلى فِيهِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ قَالَ ): مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ، فَلمَّا ذَكَر اسمَ اللَّهِ استقَاءَ مَا فِي بَطنِهِ( رواه أبو داود، والنَّسائي.عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال : ( مَا عَابَ رسُولُ اللَّه ﷺ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاه أَكَلَهُ، وإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ) متفقٌ عليه. إنها الإرشادات النبوية التي لم تدع أدبا ولا فضلا في هذا المجال إلا أوردتْه . فحريٌّ بالمسلمين الأخذ بهذه الآداب ولهم من الله جزيل الثواب . وفي عودتهم إلى السُّنَّة المباركة سيزداد وعيُهم ويتسامى أدبهم ففي السُّنة : عدم الأكل من وسط القصعة ، ولا يأكل وهو متَّكئٌ ، وعدم الشَّبع المفرط والتخمة ، واستحباب الأكل بثلاثة أصابع ، وأن يأخذ اللقمة إذا سقطت من يده ويأكلها ، وعدم التَّنفس في الإناء أو النفخ فيه ، وأن لايأكل أو يشرب واقفا ، وأن يكون ساقي القوم آخرهم .وان يُكرمَ الضيفُ . كما أن ربَّ الأسرة إذا جاء لأهله شيئا من الفواكه أو الحلوى ، فالأولى أن يخفيها عن أبناء الجيران كيلا يشاهدوها ، وخصوصا إذا كانوا فقراء أو فليطعمهم منها . وهذا من أجل القيم الاجتماعية التي لم تتطرق إليها النظم الأرضية الفاسدة ، وغيرها من هراء عصر المادة البغيض .
وفي حال السَّرَّاء والضَّرَّاء ... توجيهات وأحكام وآداب أوردتها شريعتنا الإسلامية الغراء . فأهل البيت كسائر الناس تأتيهم أيام تملؤُها الأفراح ، وأخرى تغشاها الأحزان ، فينعكس الأمر على أفراد الأسرة ، وهنا يجب على الأب والأم حسن التصرف عند كل حالة .فعند نزول البلاء يتبادر إلى الإنسان المسلم أن البلاء اختبار لإيمانه ، وأنه يكفِّر الذنوب ، ويرفع الدرجات عند الله سبحانه وتعالى والمسلم يتباد إلى نفسه ما أصاب الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه من أنواع الأذى والظلم ... فصبروا وهم أهل الصبر ، ومثل هذه الأجواء المحزنة إذا ماخيَّمت في البيت المسلم ، فالواجب تعليم الأبناء أن الله سبحانه إذا أحب عبدا ابتلاه ، وأهل المصائب في الدنيا لهم منازل الرضوان في الآخرة ، لأنهم صبروا وحمدوا الله على ماقدَّر . ويكون الحديث مع الأبناء حسب عمرهم ، وفي حدود مداركهم ، ويتلو على أسماعهم قولَه سبحانه : ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾155 / سورة البقرة . وينقلُهم إلى أفياء النبوَّة الظليلة عند نزول المصائب ، فيذكرهم بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم : (ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ) . ويزيدهم قربا وحبًّا بنبيهم وهو صلى الله عليه وسلم يبشر أهل البلاء في الدنيا برحمة الله وعفوه عنهم يوم القيامة فقد روى الحاكم في المستدرك ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِلَى الْجَنَّةِ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاء )و هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مسلم . ولو زاد الوالد أولاده من هديه صلى الله عليه وسلم بعد انتهاء حدة المصيبة فذكَّرهم بما جاء عَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: ( عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ.( رواه مسلم. هذا عند نزول المصائب والابتلاءات . أما في مناسبات الأفراح مهما تنوعت وتعددت فإنها تجعل المسلم يحمد الله على ما أمدهم به من خير ، وفي الشكر تدوم النعم، وَلْيَتْلُ على أسماع بنيه وأسرته : ( ولئن شكرتم لأزيدنَّكم ) . والشكر لله هو الاعتراف بفضله سبحانه على خلقه ، ويذكرهم بنعمة الله عليهم وهم في هذه الأسرة التي تعيش على الرحمة والمودة واجتماع الشَّمل : ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ . والآيات التي تحث الناس على شكر الله كثيرة ، ومناسباتها عديدة : ﴿ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴾ ، وقوله سبحانه : ﴿ نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ ﴾ . ونعم الله على عباده كثيرة في البر والبحر ، وما يخرج من الأرض ، وما ينزل من السماء من خير وفضل ، وفي نفس الإنسان وما أنعم الله عليه ، وما وهبه من بصر وبصيرة ، وما حباه من علم ومواهب . وبها يبتغي فضل الله يقول عزَّ وجلَّ ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ۖ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ۖ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ . كما جاءت الأحاديث في السُّنَّة النبوية الشريفة تحث المسلم على شكر الله ، شكر الله عند طعامه وشرابه ولباسه ، وكل أحواله . قال رسول الله ﷺ: (التحدُّث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله) البيهقي. قال رسول الله ﷺ: (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأَكْلَة فيحمده عليها، أو يشرب الشَّربة فيحمده عليها) رواه مسلم والترمذي وأحمد . ورحم الله القائل :
والناس في هذه الدنيا على رتب ... هذا يحط وذا يعلو فيرتفعُ
فأخلص الشكر فيما قد حبيت به ... وآثر الصبر كل سوف ينقطعُ
واللهُ يجزي الذي بالشُّكرِ يذكرُه ... والصَّبرُ ينفعُ إذ لاينفعُ الجزعُ
ألا فليعش المسلم راضيا بقضاء الله وقدره ، صابرا على البلوى ، شاكرا لله عند النعم . معلما أبناءَه أجلَّ الدروس المنزلية في عقيدته الإسلامية ، عقيدة الفوز بالجنة ، والنجاة من النار ، فمهما طال أمد هذه الدنيا فستُطوى أيامها ، وتصبح خبرا بعد عين ، ولا يبقى لها شيء إلا السجلات التي حفظتها الملائكة من أعمال الناس وأقوالهم ، فما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد . ففي شكر الله نجاة وفوز ، وفي عقوقه وجحود فضله هلاك وعذاب ، قال تعالى: سورة إبراهيم ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ 7/ إبراهيم . ولقد قيل في فضل الشكر الكثير مما يتناقله الناس . فمن الشكر على العطاء ألا تعصي مَن وهبك ، وبالشكر تدوم النعم ، لأن الشكر لله وبيده أمر الخير والنعم ، والشكر تجارة رابحة ومكسبة فاضلة. ومن أضاع الشكر فقد خاطر بالنعمة. فكل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا تحتاج إلى شكر. ولقد سألت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها فقالت: يا رسول الله لِمَ تتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال:( يا عائشة أفلا أكون عبداً شكوراً !) .
وأما في أيام المواسم الدينية فيجدر برب البيت وربته أن يغمرا نفوس أبنائهما بأنوار تلك المواسم ، وبما فيها من أُنس وروحانية وتقرُّبٍ إلى الله سبحانه وتعالى : فللصباح أذكار وللمساء أذكار ، وعند النوم أذكار وحين الاستيقاظ أذكار ، وعند حدوث الكسوف والخسوف صلاة وأذكار ، وفي ليلة الجمعة ونهاره أذكار وصلوات ، وإذا أقبل شهر رمضان ، وما أدراك ماشهر رمضان ، وما فيه من الرحمة والعفو والمغفرة والليالي القدسية الحسان ، والعشر الأواخر منه وليلة القدر ، وصدقة الفطر والتكبير أيام العيد ... ومشاعر أخرى معلومة لدى عامة المسلمين وخاصتهم ، وكلها تستنهض الهمم وتشد العزائم للإقبال فيها على الطاعات والأعمال الصالحات الباقيات . وهي بتوفيق الله تصوغ المجتمع الإسلامي الفاضل الصياغة الربانية . وأما نداء الشَّريعة الإسلامية الربانية في شأن الأسرة ، ففيه حرص الإسلام على الفوز بالجنة ، والنجاة من النار ، وفيه تحذير لمَن تقاعس وترك أمر رعيته أي أسرته نهبا للضياع وللفساد الذي طمت أمواجه العاتية بقاع المعمورة كلها ، إنه نداء الله وهل من نداء أغلى وأوفى من نداء الله ، وهم سبحانه يوجه هذا النداء للمؤمنين به . ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ 6 / التحريم . وفي آية أخرى أمر الله يأتي بأمر الله بالصلاة التي هي عمود الدين ، وبالصبر على أدائها . يقول عزَّ وجلَّ : ﴿ وَاْمُرْأَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ 132 / طه . وفي مدار هذا النداء الرباني يأتي هَدْيُ المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ليضع المسؤولية على عاتق كلِّ راع في المكان الذي بوَّآه الله فيه ففي الحديث الذي رواه عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وأرضاهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راعٍ، وكلكم مسئولٌ عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسئولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها، والعبد راعٍ في مال سيده ومسئولٌ عن رعيته ) ، ثم يقول ﷺ: ألا وكلكم راعٍ، وكلكم مسئولٌ عن رعيته ) . متفق عليه .
وسوم: العدد 1077