‏سباب المسلم فسوق

لست واعظا، ولا أنافس الواعظين على مراتبهم، وحين يجري بعض الوعظ على لساني؛ فإنما هي وقفة أمام المرآة أعظ بها نفسي، وأتردد كثيرا في جعل الذاتي شراكة..

وإنما أكتب اليوم تحت هذا العنوان "سباب المسلم فسق" في صميم صناعة الموقف السياسي العام، لما رأيت من فشو التسابّ بين العاملين في الحقل العام. وقد لا يكون التساب بين الناس قذفا أو شتما أو تبادل السباب على لغة أهلها، بل يكون أحيانا في محاولة التوهين والتهوين والانتقاص والرمي بالمثالب والعيوب، وما أكثر شيوع هذا في هذا الزمن، والزمن لا يعاب، وإنما يعاب أهله..

نعيب زماننا والعيب فينــــا

وما لزماننــــا عيب ســــــــوانا

ونهجو الزمــــانَ بكل عيب

ولو نطق الزمان لنا هجانا

وكأن شأن الناس في كل عصر، ولذا ورد في القدسي الصحيح "لا تسبوا الدهر"

وأكثر فيه الشراح شرحا وتعليلا وتأويلا ، لما جاء فيه القول عن الله تعالى يقول: فإني أنا الدهر، وأشهر التأويلات: أن المقصود المتسبب به وبأحداثه، وما يجري فيه.

وما أجمل ما قال الأول في ترك السباب:

ولقد أمر على اللئيم يسبني .. فمضيت ثمت قلت لا يعنيني..

وأجمل ما في قوله أنه وصف اللئيم وما سماه، لأنه لو سماه لكان شريكا..

ومن جمال قوله قولُه: لا يعنيني؛ وحملت على وجهين: لا يعنيني اللئيمُ بمسبته، فهو يعني غيري، وكأنه يهون على نفسه أمر ما سمع حتى لا يستثار..

أو لا يعنيني أمرُ اللئيم إن قام أو قعد ؛ فهو إعلان براءة من اللؤم وأهله، ومن السفه وأهله فمازال التساب، والتقاذف شأن السفهاء وأعيذني بالله وإياكم…

ونعود إلى حديث "سباب المسلم فسق، وقتاله كفر"

‏ويصلح لغة أن يكون المصدر "سباب" مضافا إلى فاعله، ويصلح أن يكون مضافا إلى مفعوله...

‏فعلى الأول : من الفسق أن يكون المسلم سبابا. ويؤيده: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه الترمذي. وصححه أهل التصحيح.

‏وعلى الثاني: من الفسق أن يسب المسلم مسلما، ويؤيده، الشطر الثاني من الحديث: وقتاله كفر. يعني من الفسق أن يسب المسلم مسلما، ومن الكفر أن يقاتل المسلم مسلما، ولعل الكفر المذكور في هذا الحديث هو من الكفر الذي يكون دون كفر.

‏ولعل التفسير الأول يكون أقرب إلى مكارم الأخلاق. والتفسير الثاني يحمل على الحالات الخاصة، التي تدخل في بعض دور سيدنا حسان، عندما كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له "اهجهم وروح القدس معك" أي اهجُ المشركين..

المناخ العام الذي يسود أجواءنا لا يبشر بخير بل ينذر بشر..

أيها الناس.. أيها السوريون المستضعفون أو إذا شئتم الثائرون؛ إن لنا عدوا واحد هو الذي ظلمنا، قتّلنا وشرّدنا، وأخرجنا من ديارنا، عدو واحد كلنا يعرفه.. وما بيننا وبينه أكبر من السباب..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1080